تحليل لبيان المؤتمر العلمي الأول لعلماء جماعة بارطيرى الصوفية

جاروى: ( مركز مقديشو للبحوث والدراسات) اختتم في مدينة بورتنلى باقليم نوغال بولاية بونتلاند الصومالية أعمال المؤتمر العلمي الأول من نوعه لعلماء احدى الطرق الصوفية في الصومال، وهي الطريقة البارطيرية نسبة الى شيخها ومؤسسها الشيخ عبد الله شيخ ابرهيم ورسمه المتوفى عام 1997م ، والمدفون بقرية “هيما” قرب مدينة جالكعيو حاضرة إقليم مودق القسم الذي تسيطر عليه ولاية بونتلاند الصومالية بينما توجد في ولاية جلمدوغ حركة صوفية مماثلة لها قد أعلنت تأسيس إدارة سياسية موازية في مدينة طوسماريب عاصمة محافظة جلجدود بوسط الصومال.
وتعتبر أسلوب إقامة الندوات العلمية العامة كنشاط دعوي أمرا غير مألوف في أنشطة الحركة وهي خطوة ذات دلالة حيث يتجه علماء الطرق الصوفية نحو تجديد الأساليب وتحديث الخطاب بما يتناسب مع المصلحة الوطنية العامة.

القراءة الأولية للبيان تكشف عن طبيعة الحركة البارطيرية التي إحدى فروع الطريقة القادرية في الصومال وعن مجالات اهتمامها وأهدافها، وهي حركة تتمتع بنفوذ واسع في محافظتي مودق ونغال، وتبرز أنشطتها الدينية والتعليمية بشكل لافت، إضافة الى التأثير السياسي والاجتماعي في مجريات الشأن العام.
كما كشف البيان عن طبيعة خطاب الحركة وأولوياته في الإصلاح وهو خطاب يتسم بالديناميكة والثورة ناشدا تغيير الواقع برؤية إسلامية تحمل مضامين سياسية ودعوية وفكرية وتعليمية تحكمها ثلاثة إطارات عامة وهي الطريقة القادرية والمعتقد الأشعري والفقه الشافعي.
المتمعن في البيان الصادر من المؤتمر الأول لعلماء فصيل ” أهل السنة” الذي انعقد بمدينة بورتنلى في الفترة بين 16-18 من شهر شعبان 1437 (مايو 2016)الذي يتألف من 11 بندا فقد كشف البيان عن اهتمامات الحركة وأولوياتها في مجال الاصلاح الديني والمجتمعي،فأكثر بنود البيان عكست عن مدى الاهتمام الكبير الذي توليه الحركة الصوفية للشأن العام السياسي وتحسين الواقع المعيشي حيث طالبت البنود السياسيين بالعدل والرأفة بالأمة والجد في الإصلاح، وفي نفس الوقت طالب البيان شيوخ العشائر بالقيام بدورهم المناط بهم في تقديم الشخصيات ذات الكفاءة لقيادة الأمة. كما طالب فئات المجتمع بتنظيم شئون وفق الشريعة الإسلامية مطالبا أولياء الأمور بتربية أبنائهم تربية إسلامية صححية، وطالب الشباب بالتوقف عن المخاطرة بنفوسهم عبر البحار والإقدام على الهجرة غير الشرعية.
وكان طبيعيا أن يتضمن البيان تنديدا للجماعات التي تنتهج العنف والتكفير -حركة الشباب المجاهدين على وجه الخصوص- نظرا لأن فصيل أهل السنة الصوفي المسلح يخوض في حروب ضارية معه في الأقاليم الوسطى من البلاد الى جانب قوات الحكومة الصومالية والبعثة الافريقية (أميصوم)، ويبدو أن الحرب ضدها يكاد يكون اجماعا لدى الاتجاهات الدينية في البلاد.
ومن جهة أخرى تضمن البيان دفاعا لبعض الاختيارات الفقهية في الفقه الشافعي المتعلقة بفقه الأسرة بلهجة شديدة دلت على نفاذ الصبر ضد بعض الاتجاهات الدعوية في الساحة التي لم يتم تحديدها بالاسم – وهي الجماعات السلفية ومن أبرزها جماعة الاعتصام السلفية التي تنشط في المنطقة والتي تتبنى محاربة هذه العادة في النكاح-، فقد وجه البيان تحذيرا شديدا لتلك الاتجاهات التي قال إنها تثير الشبهات في حل الزواج الذي يسمى بزواج ” التحكيم” أو ” المسافة” عند المجتمع الصومالي ، وهو الزواج الذي يتجاوز بسهولة اشتراط الولي في الزواج حيث تحكم المرأة رجلا آخر بعد إبعادها عن مكان تواجد وليها، وهو أمر اعتاد عليه الشعب الصومالي لمدة طويلة؛ لكنه أنتج خللا اجتماعيا كبيرا في مجال الأسرة وكان سببا في شيوع حالات الطلاق وكثرة المنازعات أمام المحاكم حسب المؤيدين لتجاوز هذا الرأي.
والجدير بالذكر أن قانون الأحوال الشخصية في ولاية بونتلاند الذي صدر عام 2013م يتمسك باشتراط الولي لصحة أي عقد زواج دون تساهل إلا في حالات محددة بسبب البعد المكاني الذي يتعذر معه التواصل مع الولي والتوكيل أو في حالة فقدان الأهلية، وفي تلك الحالات يتولى الحاكم تزويج المرأة بواسطة المأذون الشرعي. وقد صدر هذا القانون بمصادقة برلمان الولاية وسط انتقادات الطرق الصوفية.
وقد أصدرت المحكمة الابتدائية باقليم نوغال في مدينة جاروى عقوبة على رجل تزوج امرأة وفق هذا الرأي الذي تنصره الحركة الصوفية في رمضان عام 1434 مع إلغاء النكاح الذي تم بهذ الصفة استنادا إلى قانون الأحوال للشخصية المستنبط من الفقه الشافعي سوى بنود يسيرة ، وهو الأمر الذي ترفضه الطرق الصوفية. وقد شارك في إعداد هذا التقنين علماء كبار من حركة الاعتصام السلفية لكونهم  متخصصين في الفقه وعلى دراية واسعة بطرق صياغة القوانين.
كما أشار البيان الى مسألة الطلاق الثلاث الذي قال إن بعض الجهات أيضا تصر على اعتباره طلقة واحدة، ودعا إلى التخلي عن ذلك، وجاءت الإشارة بأسلوب توجيه تحذير، وهذا يكشف عن جانب استعداد الحركة لأن تخوض معارك لأجل الدفاع عن خيارات فقهية.
وبهذا الخطاب الذي يشمل الاهتمام بالشأن العام السياسي والاجتماعي والتشريعي تقترب الحركة الصوفية من خطاب الاتجاهات الدعوية السلفية والإخوانية مع وجود بعض الفوراق المتمثلة في مناصرتها لبعض الاختيارات العقدية والفقهية في التراث الديني والذي تسعى لإبقائها باعتبارها موروثات ألفها ودأب عليها المجتمع منذ فترة بعيدة.
وتجدر الإشارة الى أن أسلوب إقامة الندوات العلمية الموسمية في المدن الكبيرة في مناطق ولاية بونتلاند ومنطقة أرض الصومال أصبح نهجا متبعا لدى جماعات الدعوة السلفية وخصوصا جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة، التي أقامت ندوتها العلمية الاولى حول فقه الأعمال التجارية في مدينة بوصاصو عام 2003م وما زالت مستمرة بشكل سنويا، ومن خلال الندوة يتم مناقشة قضايا تهم الأمة بقصد التصحيح والتوعية، وفي نهايتها يتم إصدار بيانا موجها نحو كافة شرائح المجتمع.
مركز مقديشو للبحوث

زر الذهاب إلى الأعلى