الخطأ الاستراتيجي الذي ترتكبه كينيا

نيروبي ( مركز مقديشو) أعلنت الحكومة الكينية، أمس الجمعة اعتزامها إغلاق كافة المخيمات اللاجئين في كينيا لدواعي أمنية واقتصادية.

وقالت الحكومة الكينية في بيان صادر عن الوازة الخارجية إن قبول  اللاجئين  الصوماليين في كينيا لم يعد ممكنا  بسبب المخاوف الأمنية، مشيرة إلي أن مصلحة الأمن القومي الكيني تقتضي إلي إنهاء استضافتها للاجئين الصوماليين.

وقال كارانجا كيبيتشو، وكيل أول الوزارة الخارجية الكينية في بيان الوزارة، إن”التأخير في عودة اللاجئين لموطنهم الأصلي، أفضى إلى اتخاذ الحكومة قرارًا بإنهاء استضافتهم، داعيا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولية النتائج الإنسانية المترتبة على القرار الذي يستهدف كافة مخيمات اللاجئين، ومن أهمها مخيما (كاكوما) و(داداب) شمالي البلاد.

وأضاف أن “التهديدات المستمرة من قبل حركة الشباب ، تمثل الشق الأمني الذي دفعنا لهذا القرار”، مشيراً أن بلاده “تحملت خلال الفترة السابقة من خلال استضافتها للاجئين، أعباء ثقيلة من الناحية الاقتصادية، والأمنية، والبيئية، بالنيابة عن المنطقة والمجتمع الدولي”.

 لم تحدد كينيا، جدولًا  زمنيًا لإغلاق المخيمات وأكبرها مخيم داداب الذي يقع في شمال شرقي كينيا، على بعد حوالى 100 كم من بلدة “جاريسا” الحدودية مع الصومال، ويضم نحو 350 ألف لاجئ، أغلبهم من الصومال المجاورة.

تستضيف كينيا نحو 60 ألف لاجئ في مخيمي كاكوما وداداب، الاكبر في العالم، وكثير منهم فروا من عقود من الحرب في الصومال والسودان.

أن كينيا مشكورة على استضافتها اللاجئين الصوماليين الذين فروا من الحرب الدائرة في بلادهم منذ عقدين من الزمن، لكن سيكون حالها إذا قررت إعادة الاجئين الصوماليين إلي بلادهم قسرا كمن صام سنة وأفطر على بصلة وسيذكرها التاريخ بأنها عرضت لحياة آلاف من الصوماليين للخطر وقادتهم إلي أعواد المشانق  في الصومال.

 وكانت منظمات معّنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، قد انتقدت بشدة، في وقت سابق، خطط كينيا الرامية إلى إغلاق مخيم “داداب”، الذي يضم نحو 350 ألف لاجئ، أغلبهم من الصومال المجاورة.

 وحذرت منظمة أطباء بلا حدود من”العواقب الكارثية” لإجبار اللاجئين على العودة إلى الصومال، مشيرةً أن الأمر “يشكل تهديدًا لحياة مئات الآلاف من الأشخاص”.

 فيما يبدو لن تساهم إغلاق المخيمات في ردع حركة الشباب وتقليل خطرها على الأمن القومي الكيني، بل يمكن إن تتخذ الحركة فرصة لتأجيج مشاعر الغضب لدى الشباب الذي ولدوا وترعرعوا في المخيمات والذين كانوا يرون أنهم محاصرون بين مطرقة قوات الأمن الكينية التي لا تثق بهم، وسندان عناصر حركة الشباب الذين يعاقبون من يعتبرونهم خونة.

هؤلاء الشباب ذاقوا مرارة الحياة في  معسكرات اللجوء في كينيا والتي تفتقر إلي أبسط مقومات الحياة، ولم يختاروا البقاء فيها؛ لأنهم لا يجدون بديلا منها وعلى قاعدة أخف الضررين.

ووفقا لتقارير المنظمات الدولية، فالحياة في مخيمات اللاجئيين في كينيا لم تكن يوماً من الأيام مريحة، وتفتقر إلي الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء والأمن. ينتهي اليوم في المخيمات وخاصة مخيم داداب عند الساعة 06:00 مساءً، وعندما يحل الظلام، يذهب الناس إلى خيامهم. ولا تتوفر الكهرباء الا لعدد قليل فقط من سكان المخيم  والذين يقومون بتوصيلها على نفقتهم الخاصة، ويتم تشغيلها حتى الساعة 10:00 مساءً، كأقصى حد وذلك بحسب تقرير نشرته شبكة ايرين التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية .

لا ينبغي أن يعيل صبر الحكومة الكينية، فالأوضاع في الصومال بدأت تتحسن بشكل تدريجي رغم المخاطر والتهديدات التي تشكلها حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة على التقدم المحزر حتى الآن، ولا تحتاج الصومال لتستعيد جزاء كبيرا من عافيتها سوى خمسة أعوام على أكثر تقدير، وبالتالي يجب على كينيا أن تتريث وتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية تجاه معاناة الصوماليين وتتعامل معهم  وفق ما يمليه مبدأ حسن الجور، وأواصر الدم والقرابة بين كينيا والصومال.

ينبغي الا ترتكب الحكومة الكينية خطأ استراتيجيا من خلال إعطائها فرصة لحركة الشباب التي قد تستفيد في عودة اللاجئين الصوماليين في تجنيدهم وتأليبهم ضدها، فالحركة تعاني من قلة الموارد البشرية وأنها باتت في أمس الحاجة إلي قوة بشرية تقاتل على الأرض فقد فقدت عددا كبيرا من مقاتلينها جراء الحروب الأخيرة مع الجيش الصومالي.

بدأت حركة الشباب هذه الأيام بالقيام بحملات واسعة لتجنيد أطفال مدارس تحفيظ القرآن في البوادي والقرى التي تخضع لسيطرتها قسرا وارسالهم في جبهات القتال. وفي حال عودة عدد كبير من الشباب الصوماليين إلي بلادهم  بسبب اغلاق مخيمات اللجوء في كينيا فإن ذلك ستشكل فرصة ثمنة لحركة الشباب وستوفر لها مورادا بشريا هاما يحل مشكلة النقص في الطاقة البشرية التي تعاني منه الحركة.

زر الذهاب إلى الأعلى