المصالحة الوطنية: الشروط والمعايير

توطئة: ما ان بدأت الحرب الاهلية في الصومال في مطع التسعينات الا وبدأت مؤتمرات –اطلقت حينها بمؤتمرات المصالحة الوطنية – والتي اشبه ما كانت بالمسلسلات المكسيكية لطول حلقاتها وقلة فائدتها ، غير ان المؤتمرات تلك المقامة في الداخل والخارج تجاوزت العشرات والمصالحة لاتراوح مكانها .

ففي تقديري المصالحة بشكلها التقليدي لم تعد ذات جدوى ، لأنها وببساطة ما في قبائل صومالية تتناحر اليوم على الكلاء والماء ، بل التنافس الحاصل بين القبائل والمؤدى احيانا الى الي تصادم حقيقي و ان تلجأ اطرافا الى استقواء طرف اجنبي أساسه التنازع على السلطة والثروة ،وبالفعل هي اس المشكلة الصومالية والسبب الرئيس لسقوط الدولة المركزية والمفقود في المصالحات الوطنية  فبالتالي نحن بحاحة الى مصالحة ولكنها من نوع أخر وأسميها انا – وأعوذ بالله من كلمة انا -المصالحة من خلال تقسيم السلطة والثروة  ،  والاعتراف بحقوق الأقليات والتنوع الثقافي واللغوي كوسيلة  مثلى للمصالحة الحقيقية المنشودة .

اندلاع الحرب و المصالحة :

ظل الصومال في فوضى عارمة وحروب أهلية مستعرة الأوار أكثر من عقدين  من الزمان، كانت فيه الهيمنة لبارونات  الحرب ورؤساء المليشيات الهمجية المدججة بالسلاح والعصابات الاجرامية التي لا ترجوا لله وقارا ، ديدنها السطو والقرصنة وازهاق الارواح البريئة ونهب الاموال وانتهاك الاعراض ، الامر الذى ادى الى اوضاع مأساوية وكارثة انسانية رهيبة  .

ورغم عدم توفر احصاءات دقيقة فأن حصاد سنوات الفوضى والحرب الاهلية جد محيف حيث يقدر عدد ضحايا الحرب الأهلية بالإضافة الى الأثار الناجمة عنها من مجاعة وأوبئة فتاكة بمئات الاف علاوة على اضعاف ذلك من الجرحى والمصابين المعاقين . وتعتبر الأثار السلبية للحرب والفوضى وانعدام الأمن والاستقرار على النمو الاقتصادي والإنتاج الوطني والتنمية البشرية بصفة عامة رهبيه وفظيعة جدا .

بيد ان المصالحة بدأت مع بداية الحرب الأهلية في عام ١٩٩١ م   وحتى لحظة كتابة هذه المقالة الطويلة  اقيمت ما يقارب ” ٢٠” مؤتمر مصالحة في خارج البلاد الي جانب عشرات المؤتمرات بين العشائر الصومالية التي عقدت في داخل البلاد ، وان معظم هذه المؤتمرات لم تنجح في إيقاف شلال الدم وإنهاء الصراعات القبلية على السلطة والثروة، ولم تصمد نتائجها طويلا مما جعل البعض يتساءل اين تكمن المشكلة  ؟ تعددت التفاسير والتحاليل في هذه المسألة.  ومن المتابعين من يعزى الفشل بأنه التدخل الخارجي وان المصالحة الصومالية اذا صارت صومالية صومالية صرفة سرعان ما تنجح  كالحال في مؤتمر عرته ،غير ان هذه النظرية لم تصمد كثيرا امام تيار جارف من التحديات الواقعية ، ومنهم كذلك من فسر بعدم نجاح المصالحات الوطنية بان المدعوين اليها او المشاركين فيها كانوا اباطرة الحرب فقط بينما تم تهميش فعاليات المجتمع المدني ، بيد ان هذه النظرية هي الأخرى التي لم تدم طويلا ، وكانت النتيجة ان ظلت القضية الصومالية تراوح مكانها وتتفاقم معاناة الشعب يوما بعد يوم .

فبالتالي ان استكمال عملية المصالحة من الضرورة بمقام  ، لان الحرب الأهلية خلقت اجواء من عدم الثقة وتوجس الشر من الأخر والتأهب للانتقام وأخذ الثأر بين القبائل الصومالية  ، اضافة الى التركة الثقيلة للنظام الاٍستبدادي العسكري الذى جسد المحسوبية والمحاباة الى ان ظهرت قبائل بعينها لا تفهم  الدولة الا من خلال المصلحة وأن تستنفع مؤسسات الدولة دون غيرها  .

والحقيقة ان هنالك فبائل كثيرة تضررت بالحرب الأهلية حيث تعرضت لأعمال وحشية وارتكبت في حقها فظائع يذكرها التاريخ باللوعة والأسى من تقتيل ونهب لممتلكاتها وانتهاك لأعراضها ، وعلى الرغم من اجراء هذ الكم الهائل من المؤتمرات التصالحية الا أن عملية المصالحة تحتاج برمتها الى إعادة صياغة  مما يلبى طموح شارع الشعب الصومالي ويخدم لمتطلبات المرحلة المقبلة .

النقلة النوعية : في العقد الاول من الازمة الصومالية فشلت معظم المؤتمرات التي اقيمت من أجل المصالحة لأنها ببساطة فشلت في توزيع عادل للسلطة والثروة بين القبائل الصومالية ا والجبهات  الصومالية التي كانت تمثل القبائل الرئيسية آنذاك ، ولكن حدث اختراقا نوعيا في مؤتمر “عرته” للسلام عند ما تطرق الى مسألة تقسيم السلطة بناء على القاعدة المشهورة 4. 5  أي اربعة قبائل رئيسية ونصف .

وبغض النظر عن شرعية هذه الطريقة لتقسيم السلطة من عدمها الا أنها مثلت نقلة نوعية في تاريخ المصالحات الوطنية ومرد نجاح المؤتمر انه استخدم  تقسيم السلطة كوسيلة للمصالحة ، وأحسب ان كل المؤتمرات التي اعقبته لم تستطع ان تتخطى على هذه النقطة لأنها وبكل بساطة اساس العدالة المنشودة  الى ان سمعنا في الآونة الأخيرة  من ينادى وبصوت عال بان يتم بناء الدولة الصومالية في الانتخابات المقبلة على اسس أخرى ” حسب مقترحات عديدة ” وكلها لا تكفل  على الأقل في المرحلة الراهنة العدالة المنشودة في توزيع السلطة والثروة  ، لنتساءل هل هنالك اطراف صومالية مازالت تطمع ان تكون السلطة كلها في يدها كما حصل في الحقب التاريخية السابقة ؟؟  الجواب قطعا لا  ولن يحدث ذلك لان ذلك العهد ولى وأدبر ولن ترسوا السفينة الى بر الأمان مالم توضح في الدستور القومي الاهمية القصوى لتوزيع السلطة والثروة بين القبائل الصومالية وعندما اقول القبائل الصومالية لا أعنى اثارة النعرات القبلية وانما المجتمع الصومالي لا يعترف سواها لان الأحزاب المؤدلجة  والتنظيمات الفكرية كلها باءت  بالفشل الذريع . وما يهمني في هذا المضمار  هو المصالحة من خلال تقسيم السلطة والثروة واعتراف حقوق الأقليات .

المصالحة من خلال تقسيم السلطة والثروة: ان الأمم والشعوب اينما حلت في أرجاء البسيطة تحل مشاكلها الوطنية عبر أليات عادلة لتقسيم السلطة والثروة والأمثلة في هذه النحو كثيرة وأخرها ما حصل في اتفاقية السودان اذ مثّل  اتفاق اقتسام الثروة والسلطة الذي تَوَصَّل إليه المُتفاوضون في نيفاشا، خُطوة هامة على طريق الاتفاق النهائي بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان الذي طال انتظاره.

كانت المفاوضات التي أفضت لهذا الاتفاق صعبةٌ وشاقةٌ للغاية، إلاّ أنها في النهاية طوت بشكل أو بآخر مَلفاً كبيراً وهاماً ومُتشَعِّباً ظل مُثيراً للجدل لسنوات طويلة هي عُمر خلاف الشمال والجنوب الذي ترجع جذوره إلى فترة الاستعمار وقصة التنمية المُتوازنة التي بَرزت في السودان منذ ذلك الزمن. ضمن  الاتفاق باقتسام الثروة الذي تم التوصل إليه، على عَددٍ من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية الهامة.

وإذا جئنا للحالة الصومالية فرغم انها لم تعد معقدة كالحال في السودان ما قبل الانفصال الا اننا بحاجة ان نتعلم من التجربة السودانية لاسيما في مسالة توزيع السلطة والثروة  . فالدولة الصومالية  الحالية ومواقفها الأخيرة  حول المصالحة مشرفة ومشجعة لأنها استخدمت الحوار والمصالحة كأساس لحل المشاكل بين الصوماليين ومسألة جوبلاند وكيف اختوت الدولة ازمة الخلاف بالمفاوضات  ليس ببعيد عن أذهاننا . فالحكومة الصومالية  إذ تبدى اهتمامها بالمصالحة الصومالية  تنقص خطواتها مسألة السلطة والثروة وقد يقول قائل اين الثروة ؟؟ نحن امة تعيش على تبرعات الامم الأخرى وعالة على المجتمع الدولي الا اننا احيانا نسمع من بعض الإدارات الفدرالية وهى تحتج ” اين حصتنا من المساعدات الخارجية  ؟ وما هو  نصيبنا من المنح المقدمة للشعب الصومالي .

صرح الرئيس الصومالي “حسن شيخ محمود” وفى اكثر من مناسبة  بان الصومال  تحرز تقدمًا في عملية المصالحة الوطنية، وإعادة الإعمار، والبناء، والاستقرار الأمني  ، كما أشار أن عملية الإ عمار والبناء، يجب أن يقابلها تعزيز العمل السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي، من أجل تعزيز السلام والتنمية المستدامة ، وهذا لا يتأتى الا من خلال المصالحة في توزيع السلطة والثروة.

الاعتراف بحقوق الأقليات : لا يوجد عملياً أيُ بلدٍ في العالم ليس لديه أقليّة واحدة أو أكثر، قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية أو غيرها. ، ولا تشكّل الصومال  أيّ استثناء اذ توجد فيها اقليات عرقية  ، ولذلك من الضرورة بمقام ان نركز اولا لإيحاد تعريف جامع ومانع للأقليات المضطهدة في الصومال وابراز حقوقهم من خلال الدستور القومي بصورة لا لبس  فيها ولا غموض .

فحقوق الأقليات  عموما هي من حقوق الإنسان ،  ويجب وضع ضمانات لحقوق الأقليات  تضمن أن تتمتع بحقوق الإنسان على غِرار أعضاء المجتمع الآخرين، و يجب وضع ضمانات محددّة تؤّكد على حقوقهم كأقليات. وتساعد هذه الحقوق على وجه التعداد وليس الحصر في: حماية ثقافات وأديان ولغات الأقلّيات وتعزيزها؛ تيسير مشاركة هذه الأقلّيات على قدم المساواة في الحياة العامة وفي صنع القرارات التي تؤثّر فيها؛ حماية الأقليات من الأذى ومن التمييز.   ومن حسن الحظ ان المجتمع الصومالي  متجانس دينيا حيث كلهم مسلمون ولكن لدينا اقليات عرقية واخرى ثقافية يجب ان تعترف وان تصان حقوقها من الانتهاك وكما ببدو في بعض الصيغ المقترحة حاليا لتقسيم السلطة لها من الضحايا كثر وللأسف الأقليات هي اولى الضحايا . وهنالك التزامات للدولة  تجاه قضايا الأقليات  يجب أن تأخذها على عاتقها من أجل احترام حقوق الأقليات وضمانها:

  1.   حماية وجود الأقليات، بما في ذلك من خلال حماية سلامتهم البدنية ومنع الإبادة الجماعية؛
  2.     حماية وتعزيز الهوية الثقافية والاجتماعية، بما في ذلك حق الأفراد في اختيار أي من الجماعات العرقية أو اللغوية أو الدينية يرغبون أن يعرّفون بها، وحق هذه الجماعات في تأكيد هويتهم الجماعية وحمايتها ورفض الاستيعاب القسري.
  3.     ضمان فعالية عدم التمييز والمساواة، بما في ذلك وضع حدٍ للتمييز المنهجي أو الهيكلي.
  4.       ضمان مشاركة أفراد الأقليات الفعّالة في الحياة العامة، ولا سيما فيما يخص القرارات التي تؤثر عليهم.  وهذه النقطة تحديدا هي مربط الفرس اذ لا ضمان لمشاركة الأقليات  في الصومال حتى في القرارات التي  قد تؤثرهم في مستقبلهم وفى مستقبل أجيالهم .

الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي :  ان كثيرا من الصوماليين يتقاربون في الثقافات واللغات اواللهجات  ولكن التنوع موجود مما لا يدع مجالا للشك  ، وعليه يجب ان نعترف التنوع الثقافي  واللغوي لان مثل هذ الاعتراف يؤسس للتعايش والاحترام المتبادل بين فئات الشعب الصومالي.  ولذلك فإنّ  جميع الإجراءات الإيجابية الهادفة إلى احترام التنوع الثقافي والديني واللغوي من شأنها ان تُثري المجتمع من خلال هذا التنوع .

الخلاصة : المصالحة الصومالية باتت  تنجح في العرف القبلي  عادة  ، ولكنها  سرعان ما تفشل في السياسية ومرد ذلك ان المجتمع الصومالي يجيد من خلال عرفه مسائل تقسيم السلطة والثروة حتى داخل القبيلة نفسها توضح في عرفها القبلي مالها وما عليها وتعرف عندما تدفع الدية وعند ما يدفع لها وكم يحب ان تدفع وكم يجب ان تأخذ . الا أن الفشل دوما سيد الموقف عندما يتعلق الامر بالسياسة ومرد ذلك اننا لا نجيد العرف السياسي  وقواعدها  فتطمع فبائل بكاملها او مجموعات  بحذافيرها ان تسيطر مفاصل الدولة متناسية ان هذا مشروع دولة لا يستقيم أمره على قبيلة  ا وعشيرة . واستكمالا لملف المصالحة الوطنية ينبغي هذه المرة والمرات القادمة ان نعالج الجرح بشكل مباشر وان يتم تقنيين مسألة توزيع السلطة والثروة بشكل عادل يكفل للكل حقوقه الأساسية  كمواطن صومالي معتز بوطنه وانتمائه .

بقلم /ادم شيخ حسن حسين .

اهم المراجع :

د/ ابراهيم الدسوقي ، مسيرة السلام والمصالحة  ،من اصدارات مركز القرن الأفريقي للأعلام والدراسات .

مقال حول “المصالحة الوطنية الصومالية – قراءة في المنطلقات والأسس وتحليل النتائج”  . مركز مقديشو للبحوث والدراسات .

ميرفت رشماوي  – حقوق الأقليات في القانون الدولي: بعض الاضاءات

ترجمة: فابيولا دينا

http://www.amnestymena.org/ar/magazine/Issue19/Minorityrightsintlaw.aspx?articleID=1076

حلقة حوار في الجزيرة نت :

http://www.aljazeera.net/programs/the-sudanese-scene/2005/1/10/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B3%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%B1%D9%88%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%B7%D8%A9

آدم شيخ حسن

آدم شيخ حسن : باحث وكاتب فى قضايا السياسة والسياسات . حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال ويحضر حاليا لدرجة الدكتوراه في نفس المجال.عمل في مجال الاعلام محررا ومحللا وصحفيا مستقلا مع عدة مؤسسات دولية وإقليمية. كما يشارك في العديد من الحورات في الإذاعات والمحطات التلفزيونية العالمية إضافة إلي نشره عددا من المقالات والدراسات التي ساهمت في فهم قضايا وإستراتيجيات شرق إفريقيا الحالية.
زر الذهاب إلى الأعلى