نظرات في الدستور الصومالي المؤقت

يعتبر الوثيقة الأساسية أو الدستور البطاقة الشخصية للدولة؛ وموضح كيانها وماهيتها، بحيث يمكن للباحث القانوني أو المحلل السياسي قراءة كيان الدولة المعنية؛ بصورة مفصلة من نظامها السياسي، وطبيعة هيكل مؤسساتها السياسية والإدارية، ورؤيتها تجاه القضايا المثارة في المحيطين الإقليمي والعالمي(المجتمع الدولي)،  كما يستطيع الباحث ادراك انتمائها الأيديولوجي الفكري، والإقتصادي الى غير ذلك من المسائل الأساسية لمعرفة كيان دولة ما في العالم.

وبالتالي يتسنى للباحث اصدار حكم أو افشاء معلومة من تلك الدولة؛ ما اذا كانت ديمقراطية او دكتاتورية، أو تنتمي الى المدرسة اللاتينية أو الغربية أو الشرقية. وما اذا كانت عادلة يتمتع فيها القضاء حيزاً معتبراً من الحرية والاستقلالية في الممارسة المهنية؛ وضمان ذلك في الوثيقة الدستورية، وتقوم بحماية الحقوق والحريات العامة للأفرادمواطنين وأجانببنص دستوري، وتقييد اصدار التشريعات العقابية فيها؛ بسلسلة من الإجراءات الدقيقة والمعقدة ضماناً لحقوق الناس، الخ.

وفي ضوء ماسبق؛ نأتي لنقول إن الصومال ليست بدعاً من نظيراتها الإفريقية والعربية، التي لم تحظ في معظم دساتيرها الاستقرار والدوام، تبعاً للظروف السياسية الهائجة في معظم تاريخ النظم السياسية الأفريقيةالعربية، ومازالت الشعوب تعاني الى اليوم.

وتسليطاً للضوء على التأريخ الدستوري الصومالي منذ الاستقلال سنة 1960-2012؛ نجد أنها لم تحظ باستقرار دستوري يذكر، ما عدا دستور الثورة لسنة 79، الذي دام عشرون سنة بدأت القوى المعارضة تقويضه في السنوات الأخيرة من عمره، غير ذلك كل ما وضع من وثائق لم تتجاوز في كونها انتقالية ومؤقتة.

وقبل الخوض في تفاصيل الدستور المؤقت لسنة 2012،وهو نتاج عن الوثيقة الانتقالية في مؤتمر (امبيغاتينيروبي)-، يجدر بنا اشارة ثلاث نقاط مفتاحية قد تسعف فهم اللغط الدستوري والسياسي في الصومال:

  • قصد واضعوا الدستور المؤقت؛ بتقريب الفرقاء وتهدئة الأجواء السياسية، تمهيداً لبناء سرح قانوني ينضوى تحته الصوماليون في المستقبل المنظور، على غرار الدستور الألماني لسنة 1949.
  • احالة الدستور في كثير من المسائل الجوهرية الماسة؛ في كيان الفيدرالية المنصوصة في الوثائق الإنتقالية والمؤقتة، توحي الى أحادية عملية وضع الدستور، وأنه لا يمس مصالح المواطن الصومالي، وبالتالي يجب ارجاع تلك القضايا الى طاولة النقاش الشعبي تمهيداً لاعترافه واشعار المواطن انتمائه له، مما يضمن احترامه وخضوع مقررات الدستور.
  • النزاع السياسي المتكرر بين رأس الدولة ورئيس الحكومة؛ مرجعه الإضطراب الدستوري على ما سنوضح، بعيداً عن تحليلات العامة المنخدعين، ومجرمي الحرب المتلبسين لبوس الساسة.

تلك هي ثلاث نقط حسبتها مهمة للقارئ، لنحسن فهم مجريات الأمور السياسية والدستورية الماثلة أمامنا، وسينصب حديثنا الموسوم بـ(نظرات في الدستور الصومالي المؤقت)، الى النظام السياسي وكيف عالجها الدستور، وأثر ذلك في علاقة الرئيس مع الحكومة ككل وبينه وبين رأس الحكومة بالأخص.

لأننا لانستطيع بهذه العجالة؛ دراسة الدستور ماله وماعليه،  بصورة مفصلةكما هو مفضلفي هذا المقام، إذ نرجو تناول ذلك في مقام أوسع وفي زمن أرحب.

نظامنا ليس رئاسياً ولا برلمانياً:

نجد أن الدستور المؤقت لسنة 2012؛ لخبطة في افصاح النظام السياسي للجمهورية بوضوح، كما هو مفروض عرفاً وقانوناً، وعلى غرار دساتير العالم. وقد أحال في تقرير النظام الأنسب للجمهورية الى اتفاق كيانات الفيدرالية المكونة للدولة الصومالية، وأسرد كلا النظامين البرلماني والرئاسي وبيّن مركز الرئيس فيهما، وترك الخيار للأفراد (نص ذلك في الفصل التاسع من المادة 94، النسخة المعدلة على ما أرجح المؤرخة بـ30-يوليو-2010، ولم أجد الخيارات المذكورة بالنسخة المؤرخة بـ1- أغسطس-2012).

وعلى العموموحتي في النسخة المعدلة وان كنت أشك تعديلها لخلو ما يفيد ذلك، غير ما أشرنا من خلو اختيارات المذكورة في النسخة المعتمدة عندنا والمترجمة عربياًيبقى الخلط بين النظامين الرئاسي والبرلماني، وبالتالي نكون أمام تحول دستوري في عمر تأريخ الدساتير الصومالية.

كما كان معلوماً فإن النظام السياسي الصومالي كان نيابياً برلمانياً، منذ الاستقلال الى اليوم، بغض النظر عن واقع التطبيق والتزامها بمبادئ وأصول النظام البرلماني، حالها في ذلك كحال نظيراتها الأفروآسيوى، فنص الدستوري شيء والتطبيق الواقعي شيء آخر.

وبالتالي كان من الأوفق تسيير القضية على ما كان عليه، احتراماً للعرف ومراعاتاً للظرف الإستثنائي التي تمر بها البلاد، لكن ما نجده في الواقع بعيد عن النظام البرلماني ولم يصل الى الرئاسي، فبين هذا وذاك يجرى التلاعب على مصالح الوطن والشعب.

أسّ النراع بين أعلى رجلين في الدولة:

فمن المعلوم لدى دارسي العلوم السياسية والقانونية؛ إن نظام الدولة هو عبارة عن هرم متدرج تحكمه أسس وأعراف دستورية قانونية، فما انحرفت من تلك الأسس إلا وتنفك عقد الهرم وانفسخت وأودته هاوياً في الأرض.

وعليه؛ فإن الخلطة بين النظامين المذكورين في صلب المقال، أثّرت في اختصاصات رأس الهرم ورأس الحكومة، وكأننا أمام نظام رئاسي يتمتع الرئيس مركزاً ممتازاً فيه، وهو سرّ النزاع المتكرر في ظل الحكومات السابقة، والذي بموجبها عزل حكومتين متتاليتين، أخرج الرئيس منتصراً مما يثير انتباه المنشغلين في تحليل النظم السياسية.

ونختتم بنتائج مفادها، لكي تحل معضلة النزاع المكترر بين رأس الدولة والحكومة، يتحتم تعديل الدستور بصورة جذرية تتماشى مع ظرف البلد، وأولها توضيح أي من النظامين يتم تبنيه، الرئاسيكما أفضلأو برلماني حسب ما اقتضت الظروف.

أما الخلط فإني اري عدم جدواه في الظرف الحالي، بحيث تتطلب آليات قد لا تتوفر عندنا، بوصفنا دولة وليدة من رحم الصراعات والنزاعات المسلحة التي دامت ربع قرن من الزمن. وأخيراً ينبغى استعانة القانونيين وذوى الدراية السياسية والإقتصادية والدينية؛ في عملية اعادة صياغة الدستور وتعديله على أصح الطرق، بمقابل استبعاد أمراء الحرب ورأساء العشائر المفسدين، فإنهم محور الفساد في اعادة المؤسسية والدولتية في الوطن.        

  

عبدالرحمن آدم حسين

عبد الرحمن أدم حسين، من مواليد مقديشو سنة 1989، مقيم حالياً في نيروبي. بكلاريوس، من جامعة افريقيا العالمية- كلية الشريعة والقانون، والماجستير في نفس التخصص بجامعة القرآن الكريم والعلوم الاسلامية في السودان، ويحضر حاليا درجة الدكتوراة في القانون والفقه المقارن من جامعة القرآن الكريم والعلوم الاسلامية.
زر الذهاب إلى الأعلى