الصومال، بين تقسيمها وترهيبها

تقول الحكمة الأفريقية القديمة ” صوت البوم مشؤوم، لأنه يصوت حين لا تصوِّت الطيور الأخرى”.

تبدو تلك الحكمة الأفريقية القديمة في محلها ونحن نشهد ولادة ما يسمى بجبهة شرق أفريقيا التابعة لتنظيم الدولة “داعش” في مملكة النبط القديمة (الصومال)، وكأن أرض الألهة والرمح والأبل (الصومال) موعودة بسعير مُقيم وجد له في أرضها أرضية خصبة ومناسبه ليقضي على كل بادرة للحياة في تلك الأرض التي ما زالت تصارع الحياة لإنتزاع حقها من التاريخ والإقتصاد والسياسة

لم أتفاجىء شخصياً بالمولود الجديد “جبهة شرق أفريقيا” فالظروف السياسية والتاريخية والإقتصادية التي تعصف بالصومال منذ عام 1991 تنبىء بما هو أخطر من تناسل التنظيمات الأرهابية، خاصة أن الدول المجاورة للصومال تغزل نسيجها لإبقاء الوضع الصومالي على ما هو عليه، وإن كان هناك ما هو أسوء فسيتم غزله وسيفرض على الصومال إرتداؤه.

تبدو الدول المجاوره للصومال (أثيوبيا ، جيبوتي ، كينيا ) داعمه لما يحدث في مملكة النبط القديمة من بوادر التقسيم ومطالبة بعض الأقاليم الصومالية بالإنفصال والإستقلال الذاتي، إلى تناسل التنظيمات الإرهابية كحركة الشباب المجاهدين وجبهة شرق أفريقيا مؤخراً، ففيما يتعلق بتقسيم الصومال، فأثيوبيا تُعتبر من أكثر دول القرن الافريقي الداعمه لتقسيم الصومال، لعدم إمتلاكها لأي منفذ بحري بعد إستقلال إريتيريا 1993، وإرتفاع عدد سكان أثيوبيا من جهة وضعف الطاقة الإستيعابية لميناء جيبوتي لحركة صادرات وواردات دولتين من جهة أخرى، جعلت أديس أبابا تُفكر في اللجوء إلى موانىء الإقاليم الصومالية شبه المستقلة ( بونتلاند، أرض الصومال )، فأثيوبيا ترغب في وجود أكثر من بديل للوصول إلى المياه، ومن الجدير بالذكر أن وزير الشؤون الخارجية لأرض الصومال ( الدكتور / محمد عبدالله عمر) صرح بتاريخ 22-8-2011 أن هناك إتفاق ثلاثي بين ( الصين / أرض الصومال/ أثيوبيا) يستهدف توسيع ميناء بربره، وتشييد الطريق الذي يربط بين أرض الصومال وأثيوبيا (من العاصمة هيرجيسا حتى إقليم أوغادين الأثيوبي) ووجود الصين في هذا الإتفاق يمهد للإعتراف الصيني بأرض الصومال كدولة مستقلة، أما جيبوتي فترى أن موانىء الإقاليم الصومالية منافسة لها، ومع قيام حكومة أرض الصومال بتصدير المواشي الى دول الخليج العربي عبر ميناء بربرة الدولي تقدمت جيبوتي بإقتراح أن يتم التصديرعبر أراضيها كونها دولة مُستقلة معترف بها دوليا ًعلى عكس إقليم أرض الصومال في محاولة لعرقلة تطور إقتصاد إقليم أرض الصومال، وعندها جاء الرد من (هيرجيسا) بعقد مؤتمر صحفي ترأسه حينذاك وزير تنمية الثروة الحيوانية في أرض الصومال (إدريس إبراهيم عبدي) حذر فيه مواطنيه من إستخدام الموانىء الجيبوتية وإلا سيتعرضون للمسائلة القانونية وسيواجهون تهمة تخريب الإقتصاد، أما كينيا، فترى إن إقامة منطقة عازلة بطول 100 كلم ( إقليم جوبلاند) داخل الأراضي الصومالية المُتاخمة للحدود الكينية وإحتلالها سيساعد نيروبي على الإستفادة من خيرات الإقليم وصرفها لمصالحها الإقتصادية ، والسيطرة الكاملة على ميناء( كيسمايو) الذي يعتبر قاعدة لتموين حركة الشباب ومركزاً للإتصالات والمراقبة البحرية، فضلاً عن فتح ممر بحري أمن لعمليات ضد جنوب الصومال تستهدف الحركة ووجودها في الصومال، فميناء (كيسمايو) يشكل شريان الحياة لحركة الشباب المجاهدين، ويوفر لكينيا حلقة إتصال خارج الصومال وهذا هو الهدف الإستراتيجي المباشر للهجوم العسكري الكيني على الصومال، من ناحية أخرى نجد أن القوى الدوليه  ترى أن وجود النفط في إقليمي ( أرض الصومال ) و ( بونتلاند) يدعم توجهها الإنفصالي كما أن الإعتراف بأرض الصومال وبونتلاند كدول مُستقلة سيساعدها  على التخلص من أزمة جنوب الصومال، أضف إلى ذلك أن الموقع الإستراتيجي للإقليميين وإرتباطهما بأمن البحر الأحمر جعل أغلب الدول تتعاون مع إدارات تلك الأقاليم .

مخاطر تقسيم الصومال

  • عدم الإستقرار السياسي والتحديات الأمنية الكامنه في الصومال من المرجح أن يمنعا الجدوى والربحية للمشاريع الإستثمارية كما يمكن أن يسببا إرتداداً للتحسينات التي جاءت بشق الأنفس للحكومة الصومالية .
  • الإقاليم الفيدرالية ستدخل في إتفاقيات متضاربة لإستخراج النفط مع الشركات الخاصة فالطبيعة التنظيمية المجهولة لتلك الموارد قد أثبتت بالفعل بأنها إشكالية في المناطق المتمتعه بحكم شبه ذاتي مثل ( أرض الصومال) و( بونتلاند) وهذا ما فعلته تلك الحكومات الذاتية عندما منحت تراخيص خاصة بها دون مباركة الحكومة المركزية ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الإضطراب والصراع حول الحقول المربحة وتوزيع العائدات.
  • الصومال ليست مستعدة لتطوير النفط رغم الممرات البحرية الملاحية والثروات الغير المستغلة والتي تشير بعض المصادر أنها تقدر بــ ( 110) مليارات برميل، ولا غرابة أن تكون شركات النفط متعددة الجنسيات مفتونه ولكن المستثمرين سيكونون من الحكمة أن يفكروا مرتين .
  • شركات النفط الاجنبية ستواجه درجة عالية من عدم الإستقرار السياسي كما أن الشروط القانونية والدستورية في الصومال غامضة في تحديد من يمكن أن يتفاوض على عقود مع شركات النفط .

ولكن ما الذي يهدد إقليمي  بونتلاند وأرض الصومال ؟

  • التنافس بين (بونتلاند) و ( أرض الصومال) على منطقة ( سول و سناغ) قد تؤدي إلى صراع مفتوح يهدد إستقرار وأمن الإقليمين وبما أن الإقليمين غيرمعترف بهما لذلك فهما خاضعين لحظر الأمم المتحدة على بيع السلاح للصومال حيث تحتاج الى إذن من لجنة العقوبات قبل إستيراد معدات عسكرية أو إجراء تدريبات عسكرية .
  • ما يهدد إقليم أرض الصومال ضعف مؤسسات الحكم لضعف الدعم الدولي بسبب عدم الإعتراف الدولي الذي يحرم السلطات في أرض الصومال من الحصول على دعم المؤسسات السياسية والاقتصادية الدولية .
  • وجود المنظمة السياسية المسماه ( خاتومو) وهي منظمة سياسية تتبع عشيرة ( دولبهانتي) التي تسعى الى الإنفصال عن إقليم أرض الصومال وتعاني من إنقسامات ما بين موالين ( لبونتلاند ) و ( أرض الصومال ) و ( منظمة خاتومو) .
  • أنشطة حركة الشباب الصومالية التي نجحت في إغتيال نائب منطقة بونتلاند سعيد حسين نور في مدينة غالكايو، ويُعد نور ثاني نائب عن بونتلاند يقتل بأيدي حركة الشباب.

جاءت قضية تقسيم الصومال التي يعاني منها الواقع الصومالي مناسبة ليعزز تنظيم الدولة “داعش” وجوده في الصومال ويضمن أنه سيسير بخطى ثابته لن تتزعزع ما دام صوته المشؤوم يصدح في أرض لا يُسمع فيها إلا صوت البوم.

هناك إحتمالان أرى بأنهما يقفان وراء “جبهة شرق أفريقيا” التي ظهرت مؤخراً في الصومال

الأول، قد تكون هذا الجبهة جزء من حركة الشباب المجاهدين، صحيح أن حركة الشباب لم تُبايع تنظيم الدولة ولكن لا يمنع أن تشكل فصيلاً تابع لها في السر ولكن ضدها في العلن لكسب مزيد من الأوراق في تلك المنطقة، والثاني، لو فرضنا أن هذا التنظيم الجديد غير تابع سراً لحركة الشباب المجاهدين إلا أنه ببيعته لتنظيم الدولة “داعش” سيثبت قوته على الأرض قريباً خاصة أنه يتفوق على حركة الشباب المجاهدين تقنياً وتسليحاً ومادياً وقد يقود ذلك لإنضمام جماعة الشباب المُجاهدين لهم غداً

السيناريوهات المحتملة :-

السيناريو الأول: مع توالد التنظيمات الإرهابية في الصومال قد تتدخل بعض القوى الإقليمية وحلفاءها من المُعارضين لبناء سد النهضة في دعم هذا التنظيم الإرهابي الجديد لإزعاج القيادة الاثيوبية مما ينبىء بسيناريو مُخيف قد يعصف بكل خطط التنمية التي يترقبها القرن الافريقي ودوله من سد النهضة، رغم أنها لن تملك أن توقفه، خاصة أن سد النهضة سيعمل بشكل كامل خلال عام من الان، من ناحية أخرى قد تستعمل بعض القوى الأقليمية تلك التنظيمات الإرهابية لقض مضجع أديس ابابا من خلال ضرب مصالحها في الموانىء الصومالية مثل ميناء بربرة في إقليم صومالاند وفي ميناء بوصاصو في إقليم بونتلاند، وحتى إقليم أوجادين الذي تحتله أثيوبيا منذ القدم.

السيناريو الثاني : قد تسبق (أثيوبيا) بعض القوى الإقليمية في التعامل مع تلك التنظيمات الإرهابية وإستخدامها بما يحقق مصالحها خاصة أن أديس أبابا تعتبرالقوة الفاعلة في القرن الأفريقي ويمكن أن تقدم لمثل تلك التنظيمات ضمانات حقيقية تضمن بقاءها في الساحة الصومالية كقوة فاعلة ومُسيطرة.

من المُرجح أن تمُر منطقة القرن الأفريقي بمرحلة مفصلية، وقد نشهد توالد للتنظيمات الإرهابية حتى في تلك الدول المُستقرة سياسياً في القرن الأفريقي مثل ( جيبوتي )( أريتيريا )، وفي ظل ذلك المشهد ستعود القرصنة في السواحل الشرقية للصومال بشكل أقوى مما كانت عليه سابقاً وقد تمتد لعموم الموانىء الأفريقية الأخرى المُطلة على المحيط الهندي، ومن البديهي حينها أن تتتعاون المُنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم الدولة مثل بوكو حرام وغيرها من التنظيمات في دول غرب أفريقيا مع تلك المتواجدة في شرق أفريقيا مما ينبىء على توحدها لتشكل بذلك ذراع قوي لتنظيم الدولة في أفريقيا والذي سيُمارس كافة قوته وأذرعه لتغيير الموازين على الأرض وسيحظى بدعم دولي مُستتر ما دام لم يتعرض لمصالح القوى الدولية التي ترغب بتواجده في تلك المناطق التي تشهد صراعات مُتلاحقة لتحريكه في الوقت المُناسب، كما يمكنها إستخدامه مُستقبلاً في مناطق يُراد لها أن تنال نصيباً من ويلات الصراع.

أمــــــينة الـــــعريــــمي

بـــاحثة إمــــاراتــــية فـــي الـــشأن الأفـــريـــقي

د.أمينة العريمي

أمينة العربمي باحثة إماراتية في الشأن الأفريقي
زر الذهاب إلى الأعلى