مجرمون أم ضحايا؟

تعددت الروايات فى موضوع الهجرة الغير الشرعية للشباب،  و أدلى الجميع بدلوه. ففريق يرى أنهم مذنبون و جناة،  و آخر يرى أنهم ضحايا و مجنى عليهم،  و ثالث لا إلى هولاء  أو هولاء، و كل ذلك لا يعيد من توفى جراء ذلك الى الحياة.

لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها*** و لكن أخلاق الرجال تضيق…عمرو بن الأهتم السعدى.  المهاجرون ،  أفراد لم تضق عليهم أرض الله،  فأرض الله واسعة،  و لكن ضاق عليهم أخلاق الرجال.

ربما من أختار الهرب من وطنه،  و فضل ركوب بواخر ،  أو ربما شبه مركب ، ملقيا بنفسه بين أمواج الموت،  و  أحتمال موته غرقا،  ربما هو شخص بلغ يأسه مبلغا و حدا لا يوصف،  هو انسان أغلقت دونه الأبواب ، فهو فار من بلاده لأسباب عدة تترواح بين الهرب من ويلات الحرب، أو ربما لأسباب سياسية ،   أقتصادية،  أو لم تتوافر له الفرصة  كى يحقق أحلامه المشروعة،  أو ان يجد عملا كريما كى يساعد به أهله الذين لم يدخروا مالا او جهدا كى يصبح فردا و عضوا فاعلا فى المجتمع الذى ينتمى اليه،  أو يشرف نفسه و كل من ساهم فى بناء و تكوين شخصيته،  الى اخره من الأسباب التى تدفع بأى فرد الى ان يلجأ الى طريق نهايته ربما تفضى الى الموت.

فمن يقدم على هكذا خطوة ، كالجندى الذى دخل معركة ، فأما النصر أو الموت،  و من يختارون طريق الهجرة الغير الشرعية، يدركون ان أمامهم عدة طرق،  و لا يبالوا بأى طريق قد يوقعهم الخيار الذى يقدمون عليه. فأما الوصول لأرض الأحلام التى من أجلها ربما أستدان الأهل،  أو ربما باعوا الغالى و النفيس ،  أو رهنوا أغلى ما لديهم ،  فالخروج من عنق الزجاجة الذى هو الحياة و الظروف الصعبة هو ما يضعه اولئك الشباب نصب أعينهم. و فى اسوء الأحوال يسافر الكثير من هولاء الشباب عبر تجار و سماسرة الموت عن طريق دفع دفعة مقدمة، ثم يسافر الشاب او الفتاة،  و يرسل الأهل من حين لاخر دفعات صغيرة من المال ،  الى ان يصل الى تلك المدينة الأوروبية التى سوف تمنحه الحياة التى ضنت بها البلد الأم للمهاجر الغير شرعى.

و فى حالات كثيرة يسقط أولئك الفارين من ويلات شتى فى أوطانهم فى أيدى تجار الأعضاء البشرية ،  الذين يقومون بقتل ثم سرقة الأعضاء المهمة من داخل جسد أولئك الضحايا،  أو يقعوا أسرى لدى تلك العصابات التى تبتز عائلات اولئك الضحايا و تطالب بفدية حتى يخلوا سبيل أولئك المهاجرين ،  و طلب الفدية فى أحيان كثيرة  يتكرر أكثر من مرة،  و قد يصبح المهاجر أسير مدى الحياة لدى أولئك العصابات التى تتصل بأهل الضحايا من حين الى اخر  مطالبة أياهم بأموال مقابل أطلاق سراح الشاب أو الشابة،  و ليس أمام أهل الضحية طريق أو حل سوى تلبية رغبات تلك العصابات و دفع الأموال،   كى يفك أسر فلذة كبدهم،  و تستمر المعاناة الى ان يقضى الله أمرا كان مفعولا.

اللوم يقف على أطراف عدة الى ما أوصل الشباب الى ذلك الطريق المسدود،  ما بين دولة خالية من اى خطط تخص الشباب،  و تتجاهل زيادة أعداد الشباب و مشاكلهم داخل المجتمعات ،  و قطاعات كقطاع رجال الأعمال الذى لا يتبنى مبادرات تسعى الى خلق روح ريادة الأعمال لدى الشباب،  و مساعدتهم فى تأسيس أعمال خاصة،  تؤدى فى النهاية الى ان يعمل الشباب و تتيح لهم أيضا فرصة توظيف أخرين لديهم،  فتقل أعداد العاطلين الفقدين لأى أمل مما يدفعهم لسلوك أى طريق،   لأنه بدون شك من الملاحظ ان عدد الوظائف الشاغرة فى كثير من تلك الدول ،  لا يستطيع أستيعاب الأعداد الهائلة من الباحثين عن فرصة عمل لائقة، شريف و كريمة.

تعددت الأسباب، و تعدد أيضا من يلتمس العذر لأولئك الضحايا،  أو من لا يلتمس لهم أى عذر،  و يرى أنهم أختاروا الطريق السهل و هو الهروب. و لكن هناك حقيقة واحدة مؤكدة،   ان  أعداد المهاجرين الغير الشرعيين فى تزايد،  و الدول التى يهاجر منها أولئك الأفراد دول فاشلة،  فأغلى ما فى الأوطان أبناءها و أى حكومة لا تعمل جاهدة على المحافظة على أرواح أبناءها هى دولة فاشلة و فاسدة.

فى مصر مثل يقول” الغائب حجته معاه”، فيا أيها الغائبون الذين غيبهم الموت هل كانت حقا حجتكم معكم؟ أخبرونا ،  و أخبروا من تخاذل عن نصرتكم، و من يلقون عليكم باللوم.

 

سامية حسن

خريجة كلية الإعلام- جامعة القاهرة، مقيمة في مدينة هرجيسا.
زر الذهاب إلى الأعلى