أوراق بحثية: الأنهار والأمن القومي الصومالي

لتحميل الملف أنقر علىالأنهار والأمن القومي الصومالىpdf 

توطئة:

عانى المواطنون الصوماليون عموما والمقيمون منهم على وجه الخصوص في حوض نهر شبيلى – في شهري فبراير ومارس الماضيين – أزمة جفاف حاد وشح في المياه لم تحدث من نوعها منذ عقود, بعد أن وصل النهر إلى حالة لم يصل إليها منذ عقود، وتعرضت حياة المواطنين والمواشي بخطر الموت عطشا ناهيك عن الحديث عن مياه الري للمزارع التي يعتمد عليها الأمن الغذائي الصومالي.  ومن الممكن أنه- في ظل التغيرات المناخية وتقارب الفترات الزمنية لموجات الجفاف والفيضانات المتكررة – بعد تحسن الوضع مع مطلع أبريل الجاري وسالت المياه في مجرى النهر أن تتعرض منطقة النهر لخطر  من نوع مختلف هو خطر الفيضانات في موسم الأمطار في الربيع أو الخريف القادم، ويطلق صفير الإنذار من جديد لإنقاذ الشعب الصومالي من الغرق بعد كاد يفنى من شدة الجفاف في الموسم الماضي، مما يجعل المواطن الصومالي يعيش بين كارثتي الجفاف والفيضات.

ومع خطورة الوضع وحساسية القضية فقد كان دور الحكومة الصومالية في الأزمة باهتا كما كان تغطية الإعلام الصومالي للقضية ضعيفة وسطحية، ففي الوقت الذي نسمع في وسائل الإعلام العالمية أزمة المياه في الوطن العربي  وزخم قضية سد النهضة الإثيوبي وتناول الأبعاد التاريخية والسياسية والقانونية لنهر النيل، وثأثيره على المصالح المائية الاستراتيجية المصرية، فإننا لا نسمع ذكر أو تناول إعلامي لقضية الأنهار الصومالية التي تنبع من الهضبة الاثيوبية الشرقية وخاصة نهر شبيلى الذي نضبت مياهه في الوقت الحالي ووصل إلى حالة لم يصل إليها منذ عقود.

وانطلاقا من تلك الأرضية يحاول التقرير إلقاء الضوء على تلك القضية المصيرية التي تمس الأمن القومي الصومالي، من خلال إبراز  الدور الحيوي لنهري شبيلى وجوبا في الأمن المائي والأمن الغذائي الصومالي، وموقف الحكومة الصومالية وتعاملها مع الملف والخطوات الأحادية الجارية من الطرف الإثيوبي، وموقع الأنهار المشتركة في الاستراتيجية الإثيوبية الحالية، وما هي الخيارات المتاحة أمام الشعب الصومالي لمواجهة تلك المعضلة.

أولا- مفهوم الأمن القومي

يعتبر مفهوم الأمن القومي مصطلحا حديثا جرى استخدامه على نطاق واسع خلال القرن العشرين، ومن تعريفاته العديدة : قدرة الدولة على حماية أراضيها ومواردها ومصالحها من التهديدات الخارجية والداخلية(1). فهو  ليس فقط استخدام الجيش وإنما يتعدى لذلك ،إذ يتطلب توظيف جميع عناصر القوة التي تمتلكها الأمة لخدمة الأهداف بعيدة المدى(2). ويعتبر “الاستراتيجية” من المصطحات ذات الصلة القريبة بـ “الأمن  القومي” وتعرف أيضا بأنها حساب الأهداف والمفاهيم والموارد ضمن حدود مقبولة للمخاطرة لخلق نتائج ذات مزايا أفضل مما كان يمكن أن تكون عليه الأمور لو تركت للمصادفة أو تحت أيدي أطراف أخرى(3).

والأمن القومي مجموعة من الفروع الأمنية في المجالات المختلفة، تشكل في مجموعها حدود الأمن القومي لبلد ما، فهناك الأمن العسكري والأمن السياسي والأمن الاجتماعي والأمن الغذائي والأمن المائي، وهناك الأمن الداخلي والأمن الخارجي. وبحكم النظام العالمي الجديد والعولة جرت تحولات جذرية في مفهوم الأمن القومي وأبرزها عناصر القوة التي لم تعد ترتبط بالعامل العسكري فقط كما كانت، وإنما تشمل السياسة والتكنولوجيا و الاقتصادي والتعليم واعتماد المعلومات.

ثانيا- الدور الحيوي لنهري جوبا وشبييلى

ينبع كل من نهري جوبا وشبيلى من المرتفعات الاثيوبية الشرقية، ويسيران في اتجاه الشرق وجنوب الشرق، ويدخل نهر جوبا من الصومال مدينة دولو  وينتهي في منطقة جوب وين (Goobweyn) حيث يصب في المحيط الهندي، ويمر النهر محافظات جدو  وجوبا الوسطى وجوبا السفلى،

أما نهر شبيلى فينبع من منطقة أجيسو (Agisso) في إثيوبيا وينتهى بالأحراش والمستنقعات التي ينبسط بها بمحاذاة ساحل المحيط الهندي في الصومال. وخلال مسيرته يمر الإقليم الصومالي في إثيوبيا ويدخل أراضي جمهوية الصومال من منطقة جبل برطينلى ( bur-dhiinle)  الصومالية، و ويبلغ طوله حوالى 1500كم ، منها 700كم داخل إثيوبيا،  و800كم داخل جمهورية الصومال، ويمر ثلاث من أهم المحافظات الزراعية في البلاد وهي هيران وشبيلى الوسطى وشبيلى السفلى.

ويمثل نهر شبيلى مع نهر جوبا أكبر مصدر للمياه على سطح الأراضي الصومالية،  وتأتي أكثر من 90% من مياه النهرين من المرتفعات الإثيوبية(4)، ويعتمد السكان في الجنوب الصومالي على مياه النهرين في الشرب والري والاستخدامات المتعددة لها، وتعتمد كذلك المشاريع الزراعية ذات الإنتاج الكبيرة التي تنتج الحبوب والفواكه والخضروات سواء للاستهلاك المحلى أوالتصدير للخارج عليهما تماما كما هو الحال في زراعة الموز الصومالي الذي يعد المنتج الزراعي الأول الذي تصدره الصومال للخارج ويمثل – مع الثروة الحيوانية – أكبر مصدر للعملة الصعبة للبلاد.

ثالثا- تطور الأزمة وارتباطها بالأمن القومي الصومالي.

لقد كان من الطبيعي أن تضرب الصومال موجات جفاف متكرة على فترات مختلفة تاريخيا بصورة عامة، ونظرا لأن الانهار تجري في الجنوب فقط فإن الغالبية من سكان الصومال من الرعاة في وسط البلاد وفي شمالها وشرقها لم تكن تعتمد على مياه الأنهار  بل إنها تعيش على مياه الامطار  في موسمي الربيع والخريف والمياه الجوفية. وكان منصوب نهر شبيلى ينخفض بصورة كبيرة في العادة في موسم الشتاء وبداية الربيع (يناير-فيراير- مارس)  ويضعف جريانه وتقل مياهه كلما اتجه نحو الجنوب.

ويتأثر نهر شبيلى بالأزمة أكثر من جوبا بسب الطبيعة الهيدرولوجية المختلفة للنهرين، فنهر جوبا يتمتع بقصر المسافة التي يقطعها مقارنة بشبيلى، وقلة نسبة التبخر  في مياهه، وسرعة جريانه، حيث ينحدر من المرتفعات الأثيوبية مباشرة قبل أن يشق طريقه نحو الأراضي الصومالية، على عكس شبيلى الأطول الذي يجرى في أراضي سهلية بدءاً من المنطقة الصومالية في إثيوبيا حتي نهايته في الصومال، وتتبخر كمية كبيرة من مياهه خلال رحلته الطويلة.

ومما يزيد المشكلة تعقيدا أن البلاد كانت تعاني في الأصل من أزمة نقص المياه، ويعد الصومال ضمن الدول التي يعيش شعبها تحت الحد الأمان المائي، فبينما يصل متوسط نصيب الفرد سنويا من المياه 1000م3 عالميا كان نصيب الفرد الصومالي عام 1990م حوالى 980 م3، ويتوقع أن يستمر تناقص المياه ليصل نصيب الفرد ما بين 223 – 324م3 سنويا في عام 2050م(5).

وقد بدأت بوادر النقص الشديد للمياه تظهر  في شهر فبراير الماضي، وتفاقمت الأزمة مؤخرا بسبب قلة الأمطار في الموسم الماضي عموما في البلاد ونضوب نهر شبيلى المصدر الرئيسي الذي تتجمع حوله المجموعات الرعوية في موسم الجفاف حين لا يبقى أي مصدر آخر للمياه غير النهرين.

وتعود كارثة النهر لعدة عوامل أهمها: سد جودي الذي أعلن عن إفتتاحه رئيس الإقليم الصومالي في إثيوبيا عبدي محمد عمر في تصريحه الإذاعي الذي تناولته وسائل الاعلام  في الشهر الماضي بالإضافة إلى الاضطرابات المناخية الناجمة من التغير المناخي نتيجة الاحتباس الحراري التي أدت إلى تناقص كمية الأمطار -التي كانت تهطل – مع زيادة النمو السكاني وارتفاع معدل استهلاك المياه في الاستخدامات المتعددة.  ورغم أنه لا تتوفر أي معلومات عن سد جودي الإثيوبي إلا أنه من المؤكد أن له دورا كبيرا في تناقص كمية المياه في مجرى نهر شبيلى، الأمر الذي يرتبط بالأمن القومي الصومالي، وخصوصا في فرعين من أهم فروعه وهما:  الأمن المائي والأمن الغذائي.

وحسب تعريف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) فإن الأمن الغذائي هو : ” توفير الغذاء لجميع أفراد المجتمع بالكمية والنوعية اللازمتين للوفاء باحتياجاتهم بصورة مستمرة من أجل حياة صحية قويمة ونشطة “(6) . ومع أن الدولة الصومالية كغيرها من دول العالم الثالث لم تقترب حتى في أوج قوتها إلى تأمين حاجة السكان من الغذاء إلا أن منطقة حوض نهرى جوبا وشيبلى تمثلان سلة الغذاء الصومالي، وأي نقص في كمية المياه يمثل كارثة حقيقية على السكان ومن ثم يصبح خطراً كبيراً على الأمن القومي الصومالي.

رابعاً- الاسراتيجية الإثيوبيية تجاه الأنهار المشتركة.

يقال أنه سئل مفكر إثيوبي عن أهم ما تصدره إثيويبا للخارج، فقال: الماء … الماء… ويروي أن الامبراطور هيلاسيلاسى هدد إبان الحرب 1964م بين الصومال وإثيوبيا بتجفيف منابع مزاع الموز الصومالي الذي يمثل من أهم السلع التجارية الاستراتيجية للصومال عبر حجز المياة في نهرى جوبا وشبيلى.

وانطلاقا من تلك النوايا، وفي ظل حالة الصراع بين البلدين وعدم وجود أية اتفاقية بينهما لتقاسم المياه وتنظيم شئون النهرين – كانت القيادة الإثيوبية في المراحل المختلفة تضع نصب عينيها على استغلال الأنهار التي تنبع من مرتفعاتها في الشمال والشرق بهدف استخدامها كورقة سياسية استراتيجية لإخضاع جيرانها بالدرجة الأولى باعتبارها أحد أهم أدوات الصراع مع الجيران ، وزيادة المساحات الزراعية وخفض معدل الجوع لدى مواطنيها بدرجة أقل، ولكن حالة الصراع التي عاشتها الدولة الإثيوبية الحديثة مع المكونات الداخلية التي ضمتها في الحقبة الاستعمارية من جهة، ومع جيرانها -ومن بينها الصومال – من ناحية أخرى، بالإضافة إلى غياب الاستقرار  والاستثمارات الخارجية – كانت من أكثر العقبات التي حالت دون تنفيذ مخططاتها.

وجدت إثيوبيا المناخ الأمثل لها لتحقيق تلك الطموحات على أرض الواقع خلال العقدين الأخيرين بحصولها على الاستقرار الداخلي النسبي، وذلك بعد وصول التحالف الجديد بقيادة التجراي على سدة الحكم في البلاد، وانتهاج سياسة الانفتاح، وتخفيف الحكم المركزي عبر النظام الفيدرالي الذي أعطي جزءا من الصلاحيات للقوميات لكي تحكم بنفسها، وعبر التخلص من العبئ الأرتري عليها بإجراء الاستفتاء الذي أفرز الاستقلال الإرتري عام 1993م، وانتهاء الصراع مع الصومال تلقائيا بانهيار الدولة المركزية وخوض الصوماليين الحرب الأهلية المفتوحة التي لا تزال نيرانها مشتعلة في أجزاء من الوطن، كما لا تزال الانقسام الذي فرضته الحرب أمرا واقعا يعاني الوطن صعوبات جسيمة لتجاوزه. ولم تمثل الحربان اللتان خاضتهما إثيوبيا مع إرتريا ( 1998-2000م) ومع اتحاد المحاكم الإسلامية في الصومال ( 2006-2009م ) – عبئا كبيراً على استقرارها، ولا على استمرار المشاريع التنموية فيها، وذلك بسب المدة الزمنية القصيرة التي استمرت الحربان خلالها من جهة،  والمساعدات العسكرية والاقتصادية الكبيرة التي حصلتها من الولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى.

ونتيجة الاستقرار الذي هيأ لتحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع وصل إلى 11,2 سنوياً(7)، وتدفق الاستتثمارات الخارجية لأول مرة منذ إنشاء الدولة الحديثة، ركزت إثيوبيا ملس زيناوي على استغلال تلك الظروف وتقوية مركزها الإقليمي السياسي والاقتصادي عبر استغلال الأنهار، فبدأت ببناء سدود صغيرة ومتوسطة في الأنهار الداخلية في المناطق المستقرة، ثم أطلقت مشروع سد النهضة العملاق على نهر النيل منذ 2010م، الأمر الذي خلق خلافات سياسية واسعة بينها وبين كل من السودان ومصر لاحقاً.

وبفضل تلك السدود استطاعت إثيوبيا رفع انتاجها الكهربائي خلال السنوات العشرين الماضية من 360 ميجاوات إلى 4200 ميجاوات في 2015م، وتصدر حاليا الفائض الكهربائي من حاجتها إلى دول الجوار  وهي: السودان وجيبوتي وكينيا، وتسعى بعد الانتهاء من بناء سد النهضة بمد خطوط كهربائها لتصل إلى رواندا(8).

وبخلاف الأنهار الشمالية فقد تأخر الاهتمام الإثيوبي بالأنهار الشرقية التي تجري نحو الأراضي الصومالية وهما نهرى جوبا وشبيلى وذلك لعدة عوامل من بينها عدم استقرار الإقليم الصومالي في شرق إثيوبيا الذي يمر به النهران بسب وجود الحركات المناوئة لأديس أبابا، وانشغال الصومال في الحرب الأهلية مما يقلل فرص الاستثمار في السدود وتوليد الكهرباء وبيعها لدى الجيران. ومع ذلك فقد بدأت إثيوبيا بناء سد جودى في منتصف التسعينان ثم تعثر العمل به بسب حالة عدم الاستقرار، ولكن عاد العمل به في السنوات الأخيرة وتم الانتهاء منه مطلع العام الجاري وتم افتتاحه من قبل رئيس الإقليم الصومالي في شهر مارس الماضي، ورغم أنه لا تتوفر المعلومات الكافية لسعة السد والقدرة التخزينية لديه إلا أنه مما لا شك فيه ثأثيره على المصالح المائية الصومالية وخطورة التصرف الإثيوبي من طرف واحد الذي من شأنه الإضرار بالأمن القومي الصومالي، وهو ما حصل بالفعل وأدى إلى جفاف نهر شبيلى في شهرى فبراير  ومارس الماضيين.

وحسب ما هو موضح في استراتيجيتها المعلنة تجاه الصومال التي أعدتها وزارة الخارجية الإثيوبية ونشرتها في موقعها الإلكتروني(9) منذ غزوها على الصومال في 2006م- فإن لدى الحكومة الإثيوبية نوايا في المدى المتوسط والبعيد لاستخدام ورقة الأنهار الصومالية التي تنبع من مرتفعاتها للحصول في المقابل على حق الانتفاع بالمواني الصومالية، وحسب وصفها فإن ذلك سوف يتم بناءاً على مباديء تبادل المصالح والمنافع المشتركة بين البلدين المتمثلة في الأنهار والمواني، وتقصد بذلك بيع المياه المشتركة والكهرباء الذي يتم توليده ومقايضتهما بالمواني الصومالية.

وفي ظل أوضاع عدم الاستقرار والانقسام في المجتمع الصومال وضعف الحكومة المركزية الصومالية والنفوذ الإثيوبي الواسع في الأوساط السياسية الصومالية وحضورها القوي في المؤتمرات المعنية بالشأن الصومالي – فإن نسبة تحقيق الاستراتيجية الإثيوبية تجاه الصومال ما زالت عالية حتى الآن.

خامساً- حماية الأمن القومي مسئولية من؟

وإذا كانت المشكلة بهذه الخطورة تمس حياة المواطنين ومن ثم الأمن الغذائي للمواطن الصومالي فإن المسئولية الكبرى تقع على عاتق الرئيس الصومالي وحكومته، وحتى الآن لايبدو  في تعامل الحكومة مع الملف أنها على مستوى الحدث، أو أن لديها سياسة أو خطة فضلا عن استراتيجية.

فبدلا من انشغالها في معالجة الأزمة والإجابة عن استفسارات المواطنين حول قضيتهم المصيرية التي تعني الحياة أو الموت، أو على الأقل الاتصال مع الحكومة الإثيوبية لطلب الاستفسار والتوضيح عن السدود فإن القيادات العليا للدولة منهمكه في صراعات سياسية من أجل الحفاظ على المناصب والمواقع  المكتسبة حاليا مهما كان الثمن حتى ولو أدى ذلك إلى استخدام الملفات المصيرية التي تمس السيادة والأمن والسلم الاجتماعي كأوراق سياسية تكتيكية تخضع للشد والجذب بين السياسيين لكسب عملية الانتقال السياسي في المرحلة الراهنة، واكتفت الدوائر الحكومية فقط الحديث عن حالة الجفاف بصورة عامة وترك الأمر للمسئولين في المستويات الأدنى من الحكم، وإطلاق النداءات الانسانية – كما هي العادة – إلى المجتمع الدولي .

سادسا- خطوات عاجلة نحو الحل.

إن قضية المياه قضية مصيريه وهي قضية حياة أو موت، ولا يمكن أن نسسلم للواقع المرير الذي حصر حياة المواطن الصومالي في العقود الأخيرة بين موجات الجفاف والفيضانات، لذا فلابد من التحرك على المستويات المختلفة، والقيام بالخطوات الآتية:

  • على الحكومة الصومالية أن تقوم بمسئوليتها المنوطة على عاتقها وأن تبادر بتشكيل المؤسسات المعنية بالقضية ومنها على سبيل المثال تشكيل اللجنة القومية للمياه أو المجلس القومي للمياه بدلا من الاكتفاء باللجنة القومية للإغاثة، فلا ينبغي أن نكتفي بمعالجة آثار الكوارث ولا نهتم بالوقاية منها وبمعالجة الأسباب التي تؤدي إلى الكوارث مسبقا. كما لا يمكن أن يكون مبرر تقاعس الحكومة عن مسئوليتها القومية بسوء أوضاعها وانشغالها بالحرب الدائرة في الجبهة الداخلية، وعليها الاتصال بالحكومة الإثيوبية والاحتجاج على الخطوات الأحادية التي تتخذها في حق الأنهار المشتركة.
  • أن يتحمل المجتمع المدني مسئوليته تجاه الملف، ففي ظل غياب الدولة الصومالية تقع على عاتق القيادات المجتمعية مسئولية مزدجة، فكما استطاع المجتمع الصومالي في غياب الدولة أن يعتمد على نفسه ويبني المؤسسات التي توفر الخدمات المختلفة لأبنائه فإن عليه أن يهيئ لنفسه للقيام بدور الدولة وتحمل معالجة القضايا المصيرية حين تعجز الدولة الصومالية عن القيام بمسئوليتها، ولابد من بناء سدود وخزانات جديدة بتمويل شعبي لتخزين المياه الفائضة في موسم الفيضانات للاستفادة منها في موسم الجفاف وحين يتم حجز المياه في الخزنات الإثيوبية.
  • أن تقوم الجامعات والمراكز البحثية بدورها في الاهتمام بالقضية، وإعداد البحوث والدراسات والندوات اللازمة لها، ونشر نتائجها ومشاركة ذلك مع الرأي العام الصومالي.
  • على الإعلام الصومالي أن يأخذ دوره الوطني في خدمة القضايا المصيرية التي تمس الأمن القومي الصومالي، ومن بينها قضية الأنهار بصورة ترفع وعي المواطن الصومالي وتضع نصب عينيه المخاطر التي تحاصره من كل صوب، وتهدد وجوده في المنطقة، بدلاً من الانشغال في لعبة تصفية الحسابات بين الأطراف السياسية المختلفة التي تشغل المواطنين في قضايا هامشية، وأن يوجه الرأي العام والحكومة الصومالية لتتحمل مسئوليتها أمام المواطنين.
  • القيام بحملات توعية للمجتمع حول استخدامات المياه والحد من الإهدار والاسراف والاستغلال الأمثل للمياه.

وأخيراً يبدو أننا ندفع ثمنا باهظا جراء انشغالنا بالحروب الأهلية خلال العقود الثلاثة الماضية، وإخلاء مواقعنا الحساسة في الصراع الإقليمي المحتدم منذ قرون، فهل نفيق لإنقاذ ما تبقى في أيدينا من أوراق اللعبة ( إن وجدت) في معركة الوجود التي تجري في المنطقة أم نستمر  في السير في المتاهات التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه؟.

إعداد/  د. محمد إبراهيم عبدي

أستاذ بالجامعة الوطنية الصومالية وجامعة مقديشو

الهوامش

(1) جاسم محمد: مفهوم الأمن القومي في النظام السياسي الحديث،مركز بيروت لدراسات الشق الأوسط. http://www.beirutme.com

(2) هاري آر. يارغر، الاستراتيجية ومحترفو الأمن القومي، ترجمة : راجح محرز علي، مركز الامارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية، ص 16.

(3) نفس المرجع والصفحة.

(4) FAO, Report , Irrigation in Africa in figures – AQUASTAT Survey 2005, Somalia,p.3

(5) د. رمزي سلامة، مشكلة المياه في الوطن العربي- احتمالات الصراع والتسوية، منشأة المعارف بالإسكندرية، 2001م، ص 12-13.

(6) د. نزيه وفيق برقاوي، الأمن الغذائي العربي- أزمة الحاضر ومعضلة المستقبل، الأمن والحياة، العدد 374، المنظمة العربية للتنمية الزراعية ، ص1.

(7) ETHIOPIAN INVETSMENT COMMISSION, Information Center, Investment Guide 2014. http://www.investethiopia.gov.et/

) 8)  HE Dr. Tedros Adhanom, Minister of Foreign Affairs of the Federal Democratic Republic of Ethiopia, African Programme – meting transcript, 23 Oct. 2015, CHATHAM HOUSE (The Royal Institute of International Affairs) London.

(9)  The federal Democratic Republic of Ethiopia, foreign Affairs and National Security policy and strategy. Ethiopia’s policy towards Somalia. . www.mfa.gov.et

 

 

أوراق بحثية

مركز مقديشو للبحوث والدراسات

 

www.mogadishucenter.com

Email: info@mogadishucenter.com

زر الذهاب إلى الأعلى