مشاهداتي في عروسة المحيط الهندي(مقديشو)

وصلت العاصمة الصومالية مقديشوا في منتصف الشهر الماضي قادما من العاصمة الاوغندية كمبالا ، ورحبني الاصدقاء الأعزاء في مطار مقديشو الدولي في صباح الثلاثاء الخامس عشر من شهر مارس، ورغم انها هي المرة الثانية لوصولي الى مقديشوا ، حيث جئت سابقا لمدينة مقديشوا في أواخر نوفمبر من العام المنصرم 2015م ، إلا انه كان لي مشاهدات عن قرب في هذه الزيارة الثانية لمدينة مقديشوا ولتطور الحيارة فيها وما طرأ عليها خلال السنوات الماضية ، وسنلقي نظرة في السطور التالية على مشاهداتي   في مدينة مقديشوا عاصمة الأمة الصومالية الحبيبة.

مطار آدم عبدلي الدولي

مطار مقديشوا المسمى بمطار آدم عبدي الدولي هو البوابة الرئيسية والمعبر الأساسي للصومال ، حيث تقلع وتهبط فيه يوميا عشرات الرحلات الداخلية والدولية ، ويصل اليه المسافرون القادمون من شتى العالم ، حيث يتناقل فيه المواطنون الصوماليون داخل بلدهم ، ويرجع اليها المغتربون الصوماليون والذين حنَوا الى بلدهم العزيز والى مدينتهم الأبية مقديشوا .

لذا وصلت الى مطار مقديشوا الدولي متلهفا ومتشوقا لرؤية المطار الجديد والذي بناه الأتراك ، حيث انني في العام الماضي نزلت عبر المطار القديم والذي كانت تظهر منه بعض الدمار الذي لحق به جراء الحروب الاهلية التي اكلت الاخضر واليابس في الصومال ، وكان المطار مطار فوضي اقرب منه الى مخيم للنازحين ، حيث كانت الفوضى تعم ولم فيه ار فيه نظاما وترتيبا للرحلات وللواصلين اليه ، إلا انني رأيت روايةمختلفة في هذه المرة.

فقد انبسطت وبهجت لما رأيت الجمال الحقيقي لمطارنا العزيز ، حيث بناه الأتراك بعناية فائقة ونظموه وبنوا له مدرجات وصالات للواصلين وللمغادرين بطريقة جميلة ، وكان فيه ترتيب كبير للرحلات الداخلية والخارجية ، وشاهدت فيه انضباطا عاليا من قبل رجال الامن المسئولين عن المطار، فقد رحبونا بطريقة جميلة ووصفوا لنا مكان استلامنا لحقائبنا والتي كانت افضل من المطار القديم ، ووجهونا الى ان خرجنا الى ساحة المطار والتقينا مع اصحابنا واصدقائنا المرحبين بنا في خارج المطار ، لذا اود ان اقول هنا شكرا لتركيا ولدورها العظيم في اعادة البهجة والسرور الى وجوهنا ومشاركتها في اعادة اعمار الصومال العزيز.

التطور العمراني للمدينة

كانت مدينة مقديشوا من اكثر المدن الصومالية والتي عانت من ويلات الحروب الاهلية ، حيث مزقتها الحروب ، وتقاتلت فيها المليشيات بدءا من امراء الحرب الذي اقتطعوا العاصمة ودمروها وشوهوا جمال المدينة ، ومرورا بفترة المحاكم الاسلامية ودخول القوات الاثيوبية الى البلد ، واحتدام المعارك بين المقاومة والاثيوبيين وتحول اجزاء  كبيرة من المدينة الى ثكنات عسكرية ، والحروب الى زالت مستمرة بين حركة الشباب المجاهدين وبين القوات الحكومية الى استيلاء الحكومة الصومالية في عهد الرئيس الصومالي السابق شيخ شريف شيخ احمد على المدينة بأكملها.

إلا انه من الملاحظ ان العاصمة الصومالية مقديشوا شهدت تطورا كبيرا وملحوظا في جانب البناء العمراني ، حيث عاد المغتربون الصوماليون الى العاصمة مقديشوا وشاركوا مع التجار الصوماليين المحليين في اعادة اعمار العاصمة ، وبنوا فيها فنادق عالمية وجميلة وبيوت زاخرة ، الى جانب هذا ساهم الاتراك في بناء الطرق الرئيسية للمدينة ، حيث شيدوا طريق مكة المكرمة والذي يعد اهم طريق للعاصمة الصومالية مقديشوا ، حيث يقع فيه معظم الأماكن المهمة للدولة الصومالية من الوزرات ومحل البرلمان واهم الفنادق الشيقة في مدينة مقديشوا ، حتى سمي هذا الشارع بشارع الحكومة .

وبإمكاننا القول ان العاصمة مقديشوا بدأت تستعيد عافيتها ، واصبحت تتعافي من الدمار والخراب  الذي لحقها طوال العقدين الماضيين وشوهو صورتها الانيقة ،  واصبحت مقديشوا ترجع الى عاصمتنا الجميلة عاصمة الامة الصومالية ولؤلؤة افريقيا وعروسة المحيط الهندي

الامن في العاصمة

كما اشرنا سابقا فإن العاصمة مقديشوا كانت من اكثر المناطق المتأثرة بالحروب ، حيث قلما استراح سكان العاصمة من بوقات الفنادق والرشاشات ، حيث كانت ساحة للمعارك والقتال ابتدءا من سقوط الحكومة المركزية الصومالية، واصبح عدم الاستقرار والامن الصفة الرئيسية لمقديشوا طيلة العقدين الماضيين ، حيث اصبحت عناوين القنوات العالمية تكرر يوميا ( قتلى وجرحى في العاصمة الصومالية مقديشوا).

ورغم ان الحكومة الصومالية استولت على العاصمة وطردت مسلحى حركة الشباب من المدينة ، وحاولت بكل الطرق تثبيت الامن والاستقرار في العاصمة إلا انها لم تتمكن بالوصول بالعاصمة الى مدينة آمنة ، حيث استطاعت حركة الشباب تنفيذ عمليات كبيرة في المدينة من استهداف للفنادق والاماكن الحكومية الحساسة ، إلا انه رغم هذا فإنه من الملاحظ ان العاصمة الصومالية تشهد حالة من الاستقرار وليست كما كانت ايام امراء الحرب ودخول القوات الاثيوبية الى البلد حيث كانت العاصمة تشهد يوميا حروبا ومعارك يومية ، بخلاف ما نشهده في هذه الأيام والتي انحسرت في استهداف حركة الشباب للمناطق المهمة للدولة الصومالية.

ويرجع المغتربون والمثقفون الصوماليون الى البلد بعد مشاهدتهم للتطور الذي وصل اليه بلدهم ، آمنين في ان يساهموا في اعادة اعمار واستقرار الصومال.

ثورة التعليم في مقديشو

تشهد مقديشوا في الآونة الأخيرة ثورة في التعليم ، حيث افتتحت المدارس والمراكز التعليمية والمعاهد والجامعات بجهود من مثقفي وكوادر المجتمع الصومالي والتي قررت ان تعيد الوجه الشريف للتعليم في الصومال.

وخلال تجولي في مدينة مقديشوا رايت وجها مختلفا عن السابق ، حيث ترى الكل يحمل الكتاب والقلم من اجل الالتحاق بالتعليم والكل يتنافس حول التعليم ، فالشريف والكريم في هذه الأيام في مقديشو هي الشخصية الأكاديمية والمثقفة ، والكل يسعى الى اكتساب المزيد من التعليم والثقافة والمعرفة.

وتتواجد حاليا في مقديشوا عشرات المدارس والمعاهد والجامعات لاستيعاب الأفواج التي تريد الالتحاق بالجامعات ، وقد ساهمت هذه المراكز التعليمية في اخراج الآلاف من المثقفين من الشباب وتحويل همهم من الالتحاق بالفئات المتقاتلة او التهريب او الانضمام الى فريق المخدرين ، فبدلا من ذالك اصبح الشباب والكبار يتنافسون في التعليم ، وتبوأ القلم والكتاب مكان الرصاص والبنادق ، واصبحنا نرى ثورة تعليمية حقيقية في مدينة مقديشو عاصمة الأمة الصومالية الحبيبية .

ولنقول اخيرا ان العاصمة مقديشوا تتجه نحو التطور والتحسن ، وانها عاصمة للجميع ، وانها تمثل المجتمع الصومالي الشريف ، وان الصوماليين عقدوا العزم على اعادة البهجة والاعمار لعاصمتهم ، وان مقديشو تسع جميع الامة الصومالية وتفتح ابوابها للجميع.

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى