مرحبا… أبو الغيط

استُقبل الإعلان عن اختيار الأمين العام الجديد للجامعة العربية السيد أحمد أبو الغيط بترحاب كبير من قبل المهتمين بالشأن العربي سواء في الدول العربية أو في الدول الأجنبية، نظرا لخبرته السياسية الكبيرة والفترة الطويلة التي أمضاها كديبلوماسي مصري رفيع في خدمة بلده أولا، وفي العمل العربي المشترك ثانيا.

ويتسلم السيد أبو الغيط منصبَ الأمين العام للجامعة العربية في زمن عربي بالغ التعقيد، يكاد العمل العربي المشترك-أو بالأحرى ما تبقي منه-أن ينفرط، نتيجة الخلافات العربية البينية وحالة الغليان التي تعيشها كثير من الدول العربية، والحراك الدولي إزاءها، والذي تكاد الجامعة العربية أن تهبط فيه إلى أقل من دور المستشار الذي لا يُستشار.

الكل يعلم أن الجامعة العربية هي واحدة من أقدم المنظمات الإقليمية التي نشأت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن أداءها باتفاق الجميع أقل من أي من المنظمات الإقليمية التي أنشئت بعدها بعقود، لأسباب موضوعية وغير موضوعية واكبت مسيرة الجامعة العربية.

جميع الأجيال العربية المتعاقبة القديمة والجديدة، بما فيهم جيل السيد أبو الغيط وجيلي أيضا، عقدت آمالا عريضة علي الجامعة العربية ولا تزال، لكن كل هذه الأجيال أصيبت بخيبة أمل كبري تجاه هذه الجامعة، ويمكن إدراك ذلك في الكتابات التي تناولت مسيرة الجامعة على مدي العقود الماضية، وتتشابه هذه الآمال والخيبات إلى حد التطابق تقريبا، على الرغم من اختلاف الأزمان والظروف والأوضاع الدولية والإقليمية التي عاشت فيها هذه الأجيال.

في هذه الأجواء يأتي السيد أبو الغيط أمينا عاما جديدا للجامعة العربية، وأمامه مهمة صعبة لترميم البيت العربي المتصدع والذي أيضا تكسرت أسواره، وأصبح مطمعا للكبار والصغار، ولا أعرف من أين سيبدأ السيد الأمين العام لحماية هذا البيت العربي، هل سيبدأ بترميم شقوقه أم بتدعيم أركانه، أم بإعادة أسواره، أم بتصليح أبوابه، وكلها مهمات ضرورية لإنقاذ البيت ومَن فيه أيضا.

هناك من المثقفين العرب من تحلو لهم المقارنة بين الجامعة العربية والاتحاد الأوربي، أو بينها وبين الاتحاد الإفريقي (الذي ينضوي تحته نصف الدول العربية) ولكنني أري أن هذه المقارنة ظالمة أحيانا، وغير موضوعية في أحيان كثيرة. لكن هذا لا يعني أن جامعتنا تسير على خطي جيدة وأنها فعلت المنجزات لدولها ولشعوبها، فهي في الحقيقة بقيت حبيسة العجز ومحبوسة الإرادة لفترة طويلة.

صحيح أن التجانس العرقي واللغوي والديني بين دول الجامعة العربية غير موجود لدي كل من الاتحاد الأوربي والاتحاد الإفريقي، لكن هناك بونا شاسعا أيضا بين الاتحاد الأوربي والجامعة العربية مثلا، حيث توافر للأول التجانس المعرفي والحداثي والتكنولوجي والديمقراطي أكثر بمراحل مما لدي دول الجامعة العربية، وهي الأمور التي انعكست نتائجها على ما نراه في دول الاتحاد الاوروبي وتفتقده في دول الجامعة العربية.

وأعتقد أن السيد أبو الغيط هو من أفضل من يعي هذه الأمور التي ذكرتُها والكثير غيرها أيضا، ولا أحد يزايد عليه في رغبته في تطوير الجامعة العربية وأدائها، لتكون معبرة عن تطلعات الأجيال العربية الحالية واللاحقة، لكن علينا الاعتراف بأننا دائما نحب أن نعلي سقف التوقعات دون النظر كثيرا إلى الواقع، لنخلص في الآخر إلى مزيد من جلد الذات ولعن الأيام وربما المسؤولين ونرميهم عليهم بما يجوز وما لا يجوز من الاتهامات.

عندما يذكر اسم الجامعة العربية، والعمل العربي المشترك تقفز السياسة الي الصدارة، وبما يعود ذلك إلى ظروف نشأة الجامعة في أيام التحرر من الاستعمار، وتكوين الدول العربية الحديثة، واستعادة ما سمي بالهيبة والمجد العربي الضائع، لكن تلك الأيام انقضت، فالقضايا السياسية لدي عرب اليوم تراجعت إلي أسفل الاهتمامات اليومية علي مستوي الأفراد، فالعربي اليوم يفكر كيف يأمن علي نفسه وأهله وبيته وربما إبله وبقره! ويفكر كيف يدبر خبز يومه وتكاليف مدرسة أطفاله.

وربما سيقوم السيد أبو الغيط بترتيب أولويات الجامعة العربية ويحدث ثورة في تصنيف ما يسمي “القضايا العربية المصيرية” وفقا لتطلعات الأجيال العربية الحالية التي تتطلع الي الانتماء الي بيت عربي متماسك يشعرون فيه بأنهم إخوة وأبناء حضارة واحدة في أوطان متعددة.

من المؤسف أن كثيرا من العرب وأنا منهم يستطيعون التحرك بجوازاتهم العربية في شتي أنحاء المعمورة، في الوقت الذي يكابدون فيه المشقات للحصول على تأشيرة زيارة أو عمل أو علاج لهذا البلد العربي أو ذاك، ويتم التعامل معه كأنه مصاب بالجرب يجب غلق الأبواب دونه! ومع ذلك لا نزال ننشد “بلاد العربي أوطاني… ” ونرفع شعار وحدة الأمة العربية.

المواطن العربي اليوم يواجه أزمة في غذائه وفي مائه فلم يعد يأكل ما يكفي، ويشرب الكدر والطين أيضا ويحلم بالهجرة ومفارقة الأوطان أكثر مما يفكر في الاستقرار في بلدانه، ويلعن عروبته ويفتخر بها في نفس الوقت، ويبدو أنه سيعيش هذا الانفصام القاتل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

وكأحد المهتمين باللغة والثقافة العربية أزعم أن قضايا التعليم والفن والثقافة والشعر والأدب ويضاف إليها الخبز والماء أهم من أية قضايا عربية أخري “ملحة” تتصدرها السياسة التي أزعم أنها فرقت بين العرب حكاما وشعوبا، وألحقت أضرارا جسيمة بالعمل العربي المشترك إن صح التعبير.

ليس مطلوبا من السيد أبو الغيط أن يجترح للعرب معجزات، فقد ولي زمن الخوارق والمعجزات، ولكننا نأمل أن يلقي حجرا في مياه العرب الراكدة لتحريكها، ويعيد بعضا من الأمل للشعوب العربية بحيث يشعرون بالانتماء الي “جامعة عربية” حقيقية. وقد تحدث بعض عارفيه بأن وراء صمت الرجل وهدوئه ووقاره مواقفَ ومشاريع كبيرة وعزما صلبا، وأنا أتمنى له ألا تخذله الظروف العربية كما خذلت أسلافه من أمناء جامعتنا العربية العريقة.

مرحبا بك سيدي أبو الغيط في البيت العربي المتصدع، وأتمنى لك التوفيق في توليك هذه المسؤولية!

علي حلني

 

على حلنى

صحفي صومالي يعمل ويقيم في مقديشو، ورئيس نقابة الصحفيين الصوماليين، عضو المكتب الدائم لاتحاد الصحفيين العرب، يعمل حاليا مراسلا لتلفزيون وراديو ال بي بي سي عربي.
زر الذهاب إلى الأعلى