ما الذي يدفع الشباب الصومالي إلى الهجرة غير الشرعية؟

إثر الحادث المروع والكارثة التي كانت ضحيتها كُمٌ هائل من المهاجرين وأغلبهم من الصومال بعد غرق سفينتهم في البحر المتوسط، في يوم السابع من الشهر الجاري أثناء إبحارهم من مصر إلى أيطاليا هاربين من وهج النيران المشتعلة ودوي الرصاص في بلادهم، ومن لسعات المجاعة الحارقة التي تهدد حياة الكثير من الشعب الصومالي، يلوذون إلى أوروبا ، بحثا عن مكان أكثر أمنا ورخاءًا للعيش، بيد أن المنية حالت دون مناهم، وهو أسوأ الحوادث التي تعرض لها المهاجرون في الأشهر الإثنى عشر الماضية، وقد أحدث هذا الأمر هزة عنيفة في قلوبنا، وحز  فيضمائرنا، ونكأ الجرح الذي لم يندمل بعد، ولم يجدِ التضميد في حقه، سيما أن أغلبية الذين لقوا حتفهم في حادثة الغرق كانوا من فئة الشباب الذين هم قفار المجتمع، وكان أكثرهم أكاديميين بذلوا جهودا مضنية في تحصيل العلوم والحصول على مؤهلات علمية منتمين لبلد تسود فيه الأمية، حيث تشير بعض المصادر إلى أن نسبة الأمية تتراوح بين 60% و70% ([1])، في وقت تكون الحاجة إلي هذه الكوادر المؤهلة ماسة؛ لإسهاماتهم في دفع عجلة التقدم الضئيل إلى الأمام، ومشاركتهم في عمليات سياسية، وهذا الحادث ليس بالأول من نوعه بل هو سيناريو بات مألوفا مع الأسف، ولا زال الكثير من الشباب يتطلع إلى الهجرة بكل جرأة، ففي حين نعقد التأبين ونقيم مراسم العزاء لمئات المهاجرين الذين غرقوا في البحر، يحزم آخرون أمتعتهم للخوض في رحلة الموت، فقد قبض على 11مهاجرا في داخل المطار في عاصمة الصومال “مقديشو” من بينهم المهرب الذي كان يرتب الرحلة في يوم الخميس 21-4-2016م، بعد أيام قلائل من حادثة الغرق المذكورة، وقد برزت أصوات عالية من المتطلعين للهجرة في برامج الرأي والرأي الآخر من الإذاعات الصومالية يبررون الهجرة غير الشرعية، وأشار تحقيق أجري بين سكان الصومال البالغ عددهم 9,5ملايين نسمة، أن ثلثي الشباب الصوماليين الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما يريدون مغادرة البلاد، وقدرت الأمم المتحدة عدد الفارين من الصومال بسبب الحرب والمجاعة منذ الإطاحة بالرئيس محمد سياد بري عام 1991م بنحو1,5مليون شخص([2])، ما يطرح السؤال بقوة عن الدوافع التي تجبر الشباب على إقحام أنفسهم في المهالك في هجرة غير شرعية محفوفة بالمخاطر التي تجعل فرضية نجاحها والوصول إلى الوجهة المطلوبة، شبه مستحيلة.

البطالة وعدم وجود فرص عمل:

فالبطالة من أهم ما يصب الزيت في نار الهجرة غير الشرعية ويؤججها، حيث أن سكان الصومال يعانون من بطالة وعدم توفر فرص العمل، والضياع، يذكر أن نسبة البطالة تتراوح بين60%و70% حسب إحصائيات غير رسمية([3]) فالشباب الذين يحملون طموحات عالية وهمم تناطح السحاب لبناء مستقبل مشرق لحياتهم وحياة ذويهم والبعض منهم يكافح في دروب التعليم والدراسة يقضي في ذلك سنينا، متحملا كل المصاعب والمشاق؛ لإحراز تقدم في مجال العلم لكنه ينصدم مع الواقع بعد التخرج الذي يثبط همته ويحبط أمله، وينسف أحلامه التي بناها في مخيلته، فيبقى ضائعا سبهللا، عاطلا لا يجد عملا ولا وظيفة فيبقى صفر اليدين، لا يستطيع كفالة حياته وملأ بطنه فضلا عن تكوين أسرة وإعالتها، فيقتصر دوره في الثرثرة في المقاهي والمجالس، والعيش تحت مطرقة العوز والفقر، فيقفز إلى ذهنه خيار الهجرة ويبقى معه كهاجس يؤرقه فينفذه حتى ولو كانت حياته هي الثمن لهذه المخاطرة.

 الفساد والمحسوبية:

فرص العمل الضئيلة التي قد تظهر أحيانا وكذلك المنح الدراسية، يسود الفساد والمحاباة على طريقة إدارتها وتوزيعها، فالصومال تتصدر قائمة الدول الأكثر فسادا على مستوى العالم حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية، وقد حافظت على المركز الأول طيلة السنوات السبع الماضية، فالفساد ينتشر فيها انتشار النار في الهشيم، فالشفافية والعدالة منعدمة تقريبا في شتى الأصعدة، فالفساد يسيطر على مفاصل الحكومة، وهو الذي يعرقل تطور البلد ونهضته، فنهب المال العام واستخدامه لأغراض شخصية أمر بات مألوفا، ذكرت منظمة الشفافية الدولية في دليلها السنوي لسنة 2014م أن 80% من عمليات السحب من البنك المركزي تتم لأغراض شخصية.

عدم الإستقرار:

طفت على الساحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية تزامنا مع نشوب الحروب العبثية في الصومال، بعد الإطاحة بالحكومة المركزية، وغياب المؤسسات الحكومية، وانعدام متطلبات الحياة الهنيئة، من أمن واستقرار، وسيادة صوت العنف وغياب صوت الحكمة، ودخول الأمة الصومالية في متاهات ودهاليز الصراع المسلح، الذي حصد أرواح المئات والآلاف، وأهلك الأخضر واليابس، ففي غضون هذه الأزمة وجد الكثير من الصوماليين أنهم في فرن مغليّ، وفي جحيم لا يطاق، فتشردوا ونزحوا إلى أصقاع الأرض، يكتوون بمذلة اللجوء، ومغبة الغربة، وأكثر اللذين بقوا في داخل الوطن شاركوا بوسيلة أوبأخرى في العنف الدائر، وحمل الكثير من الشباب البندقية كوسيلة للإقتيات، فصار بعضهم قراصنة، وبعضهم في حواجز مصطنعة لنهب الشعب وسلب ما بقي في حوزتهم من الممتلكات، فهكذا صار البلد في أتون مأساة، ودوامة معضلة، وقد عجزت الحكومات الهشة المؤقتة التي تم انتخابتها في خارج البلد -بعد مساعي حثيثة إقليمية ودولية للمصالحة- عن تخفيف المعاناة وتجفيف منابعها، وإحلال الإستقرار في البلد، وإيصال الصومال إلى بر الأمان، وهي مهمة صعبة فعلا تحير من يتحمل مسئؤلية إنجازها على عاتقه، ولا زال الوضع الأمني متدهورا حتى الآن في ظل وجود حكومة فيدرالية تتمتع بكل صلاحيات الدولة وباعتراف دوليّ، فالرئيس الصومالي والمبعوث الأممي في الصومال اعترفا في خطابهما الأخير في اجتماع مجلس الأمن بأن الوضع الأمني في البلد متدهور ومتردي ويشكل تحديا كبيرا وسافرا، ونوه الأخير بأن هناك تطورات تجري على أرض الواقع في مناخ من انعدام الأمن الناجم عن استمرار هجمات حركة الشباب الأرهابية على حد قوله، وفي مثل هذا المناخ يصعب العيش بهناء ما يؤدي إلى إحباط الشباب، وفقدانه الأمل، فهم يشعرون أنهم هدف لحركة الشباب التي تستهدف بانفجاراتها النوادي والمقاهي والفنادق والمنتجات وأماكن التجمع، فالكثير منهم لقوا حتفهم جراء شظايا الإنفجارات والإعتيالات التي تتزايد يوما تلو أخرى، مع تفلت المنفذين من العقاب، فيجب على الحكومة الحالية بذل كل المساعي والجهود في إحلال الأمن والقيام بإجراءات للحد من الخروقات الأمنية، لخلق بئية صالحة لأن يعيش فيها الشباب بعجره وبجره.

الصورة الخيالية لدى الشباب عن القارة الأوروبية:

هناك صورة لامعة من نسج الأوهام التي تراكمت في أذهان الشباب المهاجر حيال القارة الأوربية بأنها أرض الأحلام، وأنها جنة وروضة غناء، اجتمع فيها الجمال والرونق والعدل والمساواة، إلى غير ذلك مما يصعب وصفه، حتى اعتقد البعض أنه سيودع الفقر والعناء بمجرد وصوله إلى جنة الدنيا، والذين وصلوا إلى هناك بعد المخاطر التقطوا صورا سيلفية وهم بجانب عمارات شاهقة وناطحات السحاب، وأماكن غاية في الروعة، ومن ثم يرسلونها إلى أصدقائهم في أرض الوطن، وهذا يعطي لهم رسالة تحمل في طياتها التحفيز على الهجرة والتجشم على المخاطر وعرض النفس للهلكة، ولذلك يلقى باللائمة على أولئك الذين لم يعرضوا الجانب السلبي، ولم يفصحوا عن معاناة اللجوء والعزلة التي تفرض على الأجانب هناك، وأنهم لا يحصلون وظائف شريفة والبعض منهم لا زال يعيش في براثن البطالة متخبطا، والغريب أن  بعضهم يعمل في تلميع الأحذية وفي غسل السيارات، وتنظيف البيوت والمكاتب، والمراحيض، وبعد أعوام عديدة يعود إلى الوطن يحمل جواز سفر لإحدى الدول الأوربية، في أناقة ملفتة للنظر، ويتبختر كالطاووس هنا في البلد، فيلقى اهتمامات الجميع ويحظى بترحابهم ويكون محل تقدير لجميع شرائح المجتمع باعتباره عائدا من المهجر، فيرأس ويتزعم ويفسح له المجال في شتى الأصعدة على علاته، ويزاحم الذين بقوا ولم يهاجروا في الوظائف الحكومية وغيرها ما يخلق لدى الشباب انطباع عن الهجرة غير الشرعية، وأن الذي يحمل جواز سفر لدولة أجنبية سيما إحدى دول أوروبا أن الحياة تتراقص بين يديه باسمة عن ثغر وضاء ترضعه بكل أريحية وحبور، وهو ما يخلق فيهم رغبة جياشة على الإرتحال والهجرة غير الشرعية.

ومن الأسباب التي تساهم في الهجرة غير الشرعية أن نسبة الشباب المشاركة في السياسة قليلة إن لم تكن منعدمة والسبب عدم إفساح المجال للشباب حيث أن الباقين على سدة الحكم والمسيطرين على هيكل الدولة الذين يتولون الحقائب الوزارية والمقاعد البرلمانية أكثرهم من الطاعنين في السن والكهول الذين لا تتعدى نسبتهم من المجتمع الصومالي30% جاثمين على صدورنا ومستأثرين بالمناصب والمشاركة السياسية ولا يريدون إعطاء الفرصة للشباب للعب بدور فعّال في تنمية المجتمع ، فلا بد من تغيير وثورة على هؤلاء الأصنام لإزاحتهم من المشهد ومنح الجيل الجديد فرصة لأداء دوره وبناء دولة تواكب العصر وتنطلق من قواعد العدالة والشفافية.

وأخير أدعو كافة المجتمع بمختلف شرائحه للنهوض بتوعية الشباب وتدشين برامج علمية يشارك فيها العلماء والشعراء والرؤساء لتوعية الشباب وتحذيرهم من الهجرة غير الشرعية وبيان عواقبها الوخيمة، كما أؤكد على اقتراح بعض الإخوة لفتح صندوق لإغاثة الشباب في توفير فرص عمل ومما ينبغي الإهتمام به والتركيز به إشغال الشباب بمباراة ومسابقات علمية وأدبية بمبادرة حكومية أو هيئات خيرية للحد من الهجرة التي تزداد وتيرتها بشكل ملحوظ، كما أدعو الحكومة الصومالية باتخاذ إجراءات فورية لملاحقة المهرّبين، والكشف عن الشبكات المتسلسلة التي يبدأ عقدها الأول من عقر الوطن وهذا يتطلب جهودا جبارة، وأشيد بجهود الحكومة الصومالية وحكومة أرض الصومال بإنشاء جهاز أمنيّ خاص لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ويجب التكاتف في هذا الأمر، فإنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.

المراجع

[1] – (الحزيرة نت-أرقام قياسية لنسبة الأمية في الصومال-الجمعة 9-1-2015).

[2] –www.skynewsarabia.com، بعنوان ثلثا شباب الصومال يريدون الهجرة-تشرين الأول-2012م.

[3] -(الجزيرة نت –مبادرة لإيجاد فرص عمل لخريجي الجامعات بالصومال، الخميس 1-5-2014م).

 

أحمد ولي شريف حسن

باحث صومالي مقيم في غاريسا-كينيا، مهتم بالشعر والكتابة
زر الذهاب إلى الأعلى