ما الدور المرتقب للمصريين في الصومال؟

تعد مصر من الدول العربية التى يربطها بالصوماليين تاريخ امتدّ منذ عصر ملوك الفراعنة القديم، وقد قامت الملكة حتشبسوت – الخامسة من عصر الأسرة الثامنة عشرة في مصر القديمة[1]– بزيارة إلى مناطق شمال شرق الصومال التى عُرفت فيما بعد بمناطق “البنط” أو ” أرض البخور” وذلك لأن تلك المناطق كانت منذ تلك العهود ولا زالت إلى الآن مشهورة بإنتاج وتصدير البخور والعطور، وقد استمرّت العلاقة بين الصومالين والمصريين منذ تلك الحقبة. وفي التاريخ الحديث ساهم الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في تقوية العلاقة بين البلدين من خلال الدور النشط للمصريين ووقوفهم إلى جانب نضال الصومالين ضد الاستعمار.

وبعد أن دخل الصومال في مرحلة الاحتراب الداخلي الذي غيّب الصومال عن الساحة الإقليمية والدولية لفترة طويلة، كانت مصر في طليعة الدول التي قادت مساعي لاستعادة النظام في الصومال من خلال عقد مؤتمرات المصالحة في أراضيها إلى جانب استضافتها أعداداً كبيرة من الأسر الصومالية التي هربت إليها من جحيم الحرب وتوفيرها الفرص التعليمية في مختلف المستويات التعليمية لأعداد من الطلاب الصوماليين.

فقد عملت مصر جاهدة على إقامة المؤتمر التصالحيّ في القاهرة 1997بين الفرقاء الصوماليين بعد مرور سبعة سنوات على سقوط الحكومة المركزية، في مباردة جيّدة تحسب للمصرين. حيث شعروا بمسؤولية الأخوّة وضرورة بذل الجهود  لإنهاء الأزمة الصوماليّة بأيّ طريقة، في وقت اكتفت فيه بعض الدول العربية بأن اتخذت موقف المراقبة والتفرّج.

وفي هذه الأيام يشهد الصومال وصول الوفود المصرية لأراضيه، فيما يبدو أنّه يأتي في سياق إعادة العلاقات المصرية-الصوماليىة المتعددة الأطر والجوانب، حيث وصل مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الإفريقية السفير محمد إدريس وسفير مصر لدى الصومال السيد وليد إسماعيل وأعضاء من وزارة الدفاع المصرية في زيارة رسمية إلى مقديشو استغرقت ثلاثة أيام. وقد ذكر الوفد أن حكومتهم ستقوم ببناء السفارة المصرية في الصومال ونقل طاقمها من كينيا حيث كان يعمل بصورة مؤقتة إلى العاصمة مقديشو في أقرب وقت ممكن، كما ذكر الوفد بأنهم سيساهمون في إعادة بناء البنية التحية في الصومال.

والبروتوكول التعاوني الذي تمّ التوقيع عليه بين البلدين يعيد فتح التبادل التجاري بينهما خاصّة وأنّ مصر تمتاز بنسبة سكّان عالية يجد فيها الصومال سوقاً استهلاكيًّا لمواشيه، وينهي الحظر الذي كان مفروضاً من قبل الدولة المصرية على استيراد المواشي الصوماليّة بدعوى إصابتها بحمّى الوادي المتصدّع  “ Rifti-faall” والحمي القلاعية “Cabeeb”  كما أشار إليه معالي الوزير سعيد حسين عيد وزير الثروة الحيوانية والرعي والغابات الصومالي في مقابلة له لمركز مقديشو للبحوث والدراسات متحدثا عن البرتوكول الذي وقع عليه الصومال بعد زيارته للقاهرة حيث قال: هذا البروتوكول يعيد ويفتح التجارة بين البلدين بعد عشرين عاماً من الانقطاع جرّاء منع السلطات المصرية –سابقا- استيراد المواشي بعد تخوّفها من إصابتها بمرض حمى الوادي المتصدع “ Rifti-faall” والحمي القلاعية “Cabeeb”  وأضاف الوزير سعيد عيد ” أن مصر حصل فيها انفجار سكانيُّ في العقود الأخيرة، ولديها سوق استهلاكي كبير، فهم يحتاجون إلينا ونحن نحتاج إليهم”.

وفي أكتوبر الماضي أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن حكومته تخطط لزيادة نسبة المنح الدراسية المقدّمة للطلاب الصوماليين في الجامعات المصرية.

بصورة أو بأخرى نستطيع القول أن تحرك مصر الأخير إلى الصومال يأتي متأخرا نسبياً، بالنظر إلى مكانتها وثقلها السياسي في المحيط العربي والأفريقي، فقد كان من المفروض على مصر أن تلعب دور الريادة فيما يتعلق بإعادة الدول علاقاتها مع الصومال. ولكنّه تأخّر خير من الغياب، وسيكون لهذا الحضور نتائجه الإيجابية ليس على صعد العلاقات المتعددة بين مصر والصومال، بل على مجمل العلاقات الصومالية العربية وربما الأفريقية أيضاً. وخاصّة في مواجهة الملف الأثيوبي حيث ترتبط مصر معها بشراكة في مياه النيل، ويبدو أنّ الصومال سيضطرّ إلى بلورة شراكة وتحديد نظم تقاسم لمياه نهر شبيلي مع إثيوبيا إذا ما صحت المعلومات بشأن نضوب نهر شبيلي بسبب السدود التي أنشأتها إثيوبيا في الإقليم الخامس الذي تقطنه القومية الصومالية. حيث يكون الصومال بحاجة إلى دعم مصر له. علماً بأن بعض المحللين للوضع السياسي بين البلدين يذهب إلى التساؤل: هل سيكون الصومال كبش الفداء في الصراع على نهر النيل بين مصر ذات الثقل السياسي وبين اثيوبيا الراعي الرسمي للسياسة الصومالية وعرابها، أم ثمة شيء آخر يخفيه هذا الاهتمام المستجد بهذا البلد المنسي عربيا؟.

إن مصر لديها ما يكفى من مشاكل وأزمات داخلية متجددة، فهذا أمر طبيعي من مثل دولة “مصر” التى كانت ومازالت تتمتع بحضور قويّ في سياسية الدول العربية والإسلامية، فمن الضروروي أن يكون حضورها الدبلوماسي في الصومال كبيرا في الفترة القادمة، وبالتالي عليها أن تستثمر الترابط التاريخي القديم بين الشعبين، وأن لا تكون دورها مختصراً في تقديم المساعدات بين فينة وأخرى، وكذلك يجب علي الحكومة المركزية في الصومال أن تلعب دورها في إنجاح العلاقات الثنائة بين البلدين، وأن يتعدي التعاون بين البلدين مجال التبادل التجاريّ الذي كان بمثابة فاتحة العلاقة بينهما إلى الأطر والآفاق الأخرى.

 

[1]https://ar.wikipedia.org/wiki/AA ويكبيديا ملكة حتشبسوت

محمد سعيد مري

باحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى