فضفضة طبيب

الطب البشري: هو ذاك الفن العلاجي التطبيقي، الذي يدرس الأمراض والاعتلالات التي تنال بَدَن ونفسية الكائن البشري ويحاول إيجاد العلاج بشقيه الدوائي والجراحي وإجرائه على المريض ،ولطالما أحببت دراسة هذا الفرع  وبفضله تعالى تعلمته.وما أن تحقق الحلم حتى أصبحت أتلهف لتطبيقه على أرض الواقع .

لتكون وجهتي الأولى إلى الوطن  “الصومال”، وتحديدا العاصمه مقديشو، عام 2013 عملت كطبيبه متطوعة في إحدى المستشفيات التي كانت تقدم خدمات علاجية  مجانية للمرضى رغم محدودية الإمكانات…كانت المحطة الاولى في العيادات الخارجيه حيث الحالات غير الإسعافية ..يأتي المريض يفحص ويتم تشخيص حالته ويصبح محظوظا إن اسعفته الصيدلية بشريط أو اثنين من الدواء وإلا ربما يُعتذر منه لنفاد الكمية ..بالإضافه إلى بعض الحالات الجراحية والتي تعتبر سهلة جدا ولكن إجراءها كان مستحيلًا لعدم توفر غرف عمليات جاهزة ومعقمة أو الافتقار لأخصائي لإجراءها ..أما عن قسم الطوارئ حيث الصدمة تلو الأخرى، أولاً عدد  الأسرّه أقل بكثير من عدد المرضى ،  ثانيا الحالات منها من تعرض لحادث سير  يُأتى به محمولا  على الظهر و اخر  اجزاء من جسمه مفقوده جراء انفجار او ذاك الطفل(يحيى )  الذي سوف لن انساه ابدا والذي كان يعاني من ضيق شديد في التنفس نتيجة التهاب في الجهاز التنفسي   حتى تفاقمت وأصبحت حالته ترثى لها  الى درجة  انه لايستطيع قول كلمه واحده ،  واثناء تركيبي  الاكسجين  للطفل  واعطائه للمحاليل الوريدية بمساعدة  فريق التمريض سألت والده عن مدة مرضه ،أجاب له ثلاث أسابيع  على هذه الحاله ولكن جِئت به إلى المستشفى اليوم لأنه لم يعد يقوى على الوقوف،  وحيث لامجال للعتاب أكملت انعاش الطفل  وفجأه ودون سابق إنذار طلب مني الوالد إزالة كل الأجهزة عن طفله قائلا ابني يموت، وأنتم بذلك تقفون في وجه ملك الموت وتحولون دون أداء مهمته، وأردف: لستم مؤمنين  بقضاء الله وقدره وبدأ يقرأ عليه سورة (يس) بصوت مرتفع.

مات “يحيى” أمام أعيننا وقفنا عاجزين أمام جبورت والده الذي  أسماه يحيى ولكنه حكم عليه بالموت في لحظة كنا نرجو ونتمنى فيها إسعافه…سبحان الله المسن “أحمد”  سريره مقابل سرير يحيى وكان بحاجه لغسيل كلية ولانه لايوجد جهاز واحد فقط  للغسيل الكلوي في مقديشو كلها ..كنا كمن يحكم عليه بالموت  مسبقا   ولانستطيع مساعدته  ولكن رحمة الله أوسع دائما سواء فيما  نقدمة اوما  نعجز عنه..  لا أدري حتى اللحظه كيف أستطاع زميلي أن يقول للمريض (عمو انت بحاجه لغسيل كليه وهي غير متوفره في الصومال مالديك سوى ان تسافر  خارج الصومال ) بدأ  المريض يذكر الله و يكرر الحمدلله أما انا فأجهشت بالبكاء لدقائق ثم استجمعت نفسي,,

تركت الصومال لمدة ثم عدت بأواخر 2014 برؤية مدروسة أكثر مع إحدى المنظمات  الطبية والتي تقدم كافة الأدوات والامكانات الطبية الدوائية والجراحية  مجانا مع طاقم للتدريب،هذه المنظمة  كان لديها فكر تطويري أكثر من فكرة تقديم خدمة لفترة مؤقتة وهي فكرة تأهيل الكوادر الطبية داخل الوطن.عملت معهم في قسم النساء والتوليد  وهنا اصطدمنا ببعض الأفكار الخاطئة في المجتمع ..فكانت الحالات كالتالي: امرأة حامل تعاني من فقر دم شديد وبحاجه لنقل دم عاجل، و غالبا مايكون  الرفض سيد الموقف  من الام أو من أهلها  إلا من رحم الله  ..أو مريضة في حالة مخاض عسير بحاجة لعملية قيصرية إسعافية وهنا ندخل في حملة جمع توقيعات من طرف أهل الأم باعتبارهم المسؤولين عن القسم الأمومي وطرف الزوج باعتباره المسؤول عن القسم الجنيني ويصبح حاصل جمعهما الأم الحامل التي تعاني الأمّرين في تللك اللحظات ، ولايمكنك إجراء العمليه للأم مالم يتم موافقة الطرفين وغالبا مايرفض أحد الطرفين أو كلاهما ,,,ونبقى في دوامة قلق على حالة المريضه وجنينها ،قد تخرج من المستشفى لتعود لك بعد يوم وهي على شفا  حفرة من القبر حينها  تحاول إنقاذ مايمكنك إنقاذه ,,

هكذا  يعيش الطبيب في الصومال بين مطرقة قلة الامكانيات وسندان انعدام الوعي الصحي في المجتمع..

أخيرا ..أتسائل هنا أين الحكومه عن مسؤلياتها تجاه شعبها ودورها في التوعية وذلك أضعف الإيمان؟؟….

د. خديجة عبدالله علي حسن

خريجة جامعة دمشق كلية الطب البشري ، علمت مع منظمة الامم المتحده القسم الطبي بدمشق لمدة عام، كما عملت في عدد من المستشفيات في العاصمة الصومالية مقديشو، تقيم حاليًا في جمهورية مصر العربية.
زر الذهاب إلى الأعلى