صدى الأسبوع: قراءة حول الاتفاقية الأمنية لكينيا وإثيوبيا مع بريطانيا وإمريكا

لتحميل الصدى أنقر على : صدى الأسبوع قراءة حول الاتفاقيتين الأمنية لكينيا وإثيوبيا مع بريطانيا وإمريكاpdf 

المقدمة

لم تعرف منطقة الشرق الإفريقي الهدوء والاستقرار بصورة عامّة، فقد صارت الاضطرابات السياسية الداخلية والصراعات المريرة جزءا من حياتها، وفي سبيل البحث عن الأمن والاستقرار المفقودين وقبل أيام قليلة مضت، وقعت دولتا إثيوبيا وكينيا اتفاقيتين مع كل من أمريكا وبريطانيا تتعلقان بالشراكة حول قضايا الأمن والصناعة العسكرية، بهدف تقوية الوضع الأمني الذي لا يبشر بخير بسبب الهجمات التى تشنها حركة الشباب الصوماليّة في دول الشرق الأفريقي، وكذلك سيطرتها على بعض المناطق المهمة في جنوب الصومال.

ومن جهة أخرى يجرى في إثيوبيا وألمانيا حاليا مؤتمران متزامنان للأمن حيث تشارك فيهما أغلب دول الشرق الأفريقي ، ويتوقع أن يساهم مؤتمر ميونيخ في نقل التجربة الأمنية في الدول الغربية إلى الدول الأفريقية التى تكافح من أجل المحافظة على أمن مواطنيها.

وفي هذه الورقة نسلط الضوء على الاتفاقيتين الأخيرتين ، ودلالاتهما، في ظل الأنباء التى تتردد بأنّ تنظيم الدولة الإسلامية دشن فرعا له في المنطقة باسم ” جبهة شرق إفريقيا”. إلى التواجد السابق لحركة الشباب في الصومال ومدى تأثير الاتفاقية وجدواها في سياق إلحاق الهزيمة بهذين التظيمين.

أجواء الاتفاقيتين والوضع الأقليمي الراهن

الوضع الراهن في المنطقة بصورة عامّة تنسج خيوطه الاضطرابات الأمنية والسياسية، حيث تشهد منطقة دول الشرق الإفريقي حالة من عدم الاستقرار الأمني، تجسدها اشتباكات دامية في بروندي إثر خلافات دستورية حادة نشبت بين أحزاب المعارضة والدولة، نتيجة نية الرئيس الحاليّ بيير نكورونزيزا ترشحه لولاية ثالثة، مع أنّ الدستور ينصّ على عدم أحقية الرئيس لأكثر من ولايتين، والحروب التى شهدتها دولة الوليدة “جنوب السودان” مؤخرًا مع أعضاء من الحكومة الذين حملوا السلاح في وجه الرئيس سلفا كير، ولم تسفر الجولات التصالحية عن أيّ نتائج ملموسة حتّى الآن، وعلاة على ذلك الوضع الأمني المتأزم في الصومال حيث تتجدد فيه الحروب بين الحكومة مدعومة بالقوات الإفريقية وبين مقاتلي حركة الشباب بين فينة وأخرى، بحيث وصل الأمر إلى شن حركة الشباب هجوما مروّعا على دولة كينيا في عمقها، أسفر عن مقتل عشرات الكينيين.

وقد تزايد تواجد حركة الشباب في المناطق الجنوبية رغم وجود قوات حفظ السلام الأفريقي- أميصوم –  والتى انضم إلى صفوفها مؤخرا قوات من كينيا وإثيوبيا، والتي رغم وجودها قرابة عقد من الزمن لكنها تنجح في استئصال حركة الشباب من المناطق الجنوبية.

ووسط هذا المشهد الأمني المعقد في دول الشرق الأفريقي وقعت كينيا وإثيوبيا اتفاقيتن للتعاون الأمني مع كلّ من أمريكا وبريطانيا على التوالي في توقيت متقارب نسبياً، ورغم أن بينهما كان يوجد اتفاقيات أمنية قديمة، فإنّ هذه الأخيرة وصفت بأنها تجدد الاتفاقيات القديمة.

مخرجات الاتفاقيتين

وتنص الاتفاقية التى وقعتها كينيا مع مستعمرتها السابقة المملكة المتحدة على زيادة كفاءة العمليات بين البلدين، وتساعد على مساهمة كينيا على نطاق واسع في الأمن الأقليمي علاوة على استمرار مشاركة الجيش البريطاني في أنشطة التمرينات والتدريبات العسكرية في كينيا. وهو ما يعادل مكاسب تصل إلى نحو 9 مليارات شلن كيني (7ر58 مليون جنيه استرليني) لمصلحة الاقتصاد الكيني سنويا.

أما الاتفاقية التى وقعتها إثيوبيا مع حليفتها الاستراتيجية الولايات المتحدة، فقد نصت على تبادل الخدمات اللوجستية والخدمات فضلا عن الاتفاق بشأن خطّة لأنشطة التعاون الأمني في المستقبل مصممة لتلبية الأولويات الدفاعية المشتركة، ولم يكشف للصحافة عن حجم التبادل اللوجستي بين البلدين، والمساعدة الماليّة التى تحصل عليها إثيوبيا بموجب هذه الاتفاقية.

وفي شهر أبريل الماضي وقعت كذلك إثيوبيا اتفاقية عسكرية مع تركيا التى لديها حضور استثماريّ قوي في إثيوبيا، وقد تضمنت التعاون في مجال نقل التكنولوجيا في المجال الدفاعي بين البلدين، وتحديث الموجودات العسكرية لإثيوبيا، وإقامة التعاون المتبادل بين شركات الصناعات الدفاعية[1]،

وينظر إلى هذه الاتفاقيات الأخيرة التى وقعتها إثيوبيا من زاوية إمكانية أن تشكّل ورقة ضغط على القاهرة وحصتها في مياه نهر النيل التي يخشى عليها من أن تتأثر بسد النهضة الذي تنشئه إثيوبيا على منابع نهر النيل، وليس هناك من شك بأن هذه الاتفاقيات التى أبرمتها إثيوبيا ستبعثر أوراق مصر التى يبدو أنها انتهجت سياسة سلمية فيما يتعلق بملف سد النهضة حتى الآن.

ماذا يعني توقيت الاتفاقيتين؟

تتزامن الاتفاقيتان مع أمريكا وبريطانيا القوتين العظميين مع التهديدات والضغوطات المتزايدة على إثيوبيا وكينيا من قبل المجموعات المسلحة في الصومال, خاصّة مع التطور الأخير في بروز تنظيم إسلامي جديد مسلح ينارع حركة الشباب المجاهدين النفوذ وقيادة العمليات المسلحة في الصومال ومنطقة شرق أفريقيا. فقد أطلق هذا التنظيم الجديد على نفسه اسم “جبهة شرق أفريقيا” وأعلن مبايعته لـ تنظيم الدولة الإسلامية بزعامة أبو بكر البغدادي. وإن كانت هناك احتمالات نشوب قتال بينه وبين الحركات الأخرى المتمردة في الصومال على غرار ما يحدث الآن في سوريا إلاّ أنّ دخول تنظيم أكثر تشدّدا وإمكانية على الخطّ أمر له خطورته، ويقتضي من الجهات المعنية أخذ احتياطاتها.

تدخلت الدولتان في الصومال عسكريا وبصورة مباشرة في السنوات العشر الأخيرة، حيث كانتا تقتصران سابقا على التدخل غير المباشر, إلا أن التدخل العسكري المباشر بصورته الحالية للدولتين جاء إثر ظهور جماعات إسلامية مسلحة في الساحة الصومالية ابتداءً من عام 2006 إبان فترة ظهور المحاكم الإسلامية.

فالتدخل الإثيوبي غير المعهود لدى الصوماليين, جاء نتيجة شعورها بطرق الخطر  في أمنها القومي أبوابها، وبررت تدخلها بدعم الحكومة الصومالية التي كان يترأسها الرئيس الراحل عبد الله يوسف. لكن هذا التدخل أظهر عجز إثيوبيا أمام التحديات طويلة المدى والأخطار المواجهة لها والتي تحتاج إلى تكلفة مالية ولوجيستية باهظة خارج قدرتها, مما اضطرها إلى الاستغاثة بحلفائها .

أما كينيا التي لم يعتد منها على أي نوع من التدخل المباشر في الصومال على خلاف نظيرتها إثيوبيا التي لديها تاريخ طويل من التدخل في الصومال, فقد اضطرت إلى التدخل  عسكريا في الصومال بعد أن شعرت بالتهديد في أمنها لقومي, ولم تجد أمامها خيارا آخر، حيث قويت شوكة الإسلاميين في المنطقة وباتوا يسيطرون على مناطق وأقاليم قريبة ومحاذية لحدودها, فقامت بمساندة أحمد مذوبي رئيس إدارة إقليم جوبا لاند، والخصم الأكبر للشباب في هذه المناطق. ونجحت قواتها المساندة للقوات الصومالية التابعة لإدارة جوبا لاند في دحر مقاتلي حركة الشباب واستولت  منها على مناطق كثيرة كانت في قبضتها.

لكنّ هذا التدخل أفرز نتائج سلبية لم تكن في حسبان كينيا, والتي تمثلت في تنفيذ حركة الشباب عمليات انتقامية دامية داخل الأراضي الكينية تسببت في زعزعة الأمن والاستقرار في كينيا  وأثرت سلبا على الاقتصاد الكينيى وخاصة في القطاع السياحي . إضافة إلى ظهور في الإعلام لجبهة مسلحة داخل كينيا أعلنت أنها تابعة لتنظيم الشباب الصومالي, الأمر الذي أثار  تخوفا كبيرا في أوساط الشعب الكينيي, ودفع الحكومة إلى توثيق وتجديد اتفاقياتها العسكرية مع حلفائها.

دلالات اتفاقيتين في الحاضر والمستقبل

  • تقوية لموقف إثيوبيا بشأن سد النهضة: لطالما احتلّ الخلاف في ملف سد النهضة مساحة كبيرة في الوضع الأمني والعلاقات بين مصر وأثيوبيا، والذي بلغ ذروته في فترة الرئيس السابق المصري محمد مرسي, قبل مجيء حكومة عبدالفتاح السيسي وتهدئة الوضع بعد توصل الطرفين المصري والإثيوبي إلى تفاهم حول الملف في الاتفاقية التى سميت بـ “وثيقة تقاسم مياه النيل” بين دول حوض النيل الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا. من هذه الناحية من الصعب أن يكون للاتفاقية في ” الحاضر” تأثير على ملف سدّ النهضة. ويقوى هذا الموقف تصريح الجنرال الأمريكي كارتر هام حول هذا الصراع حيث قال: إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتدخل عسكريا حال نشوب أي صراع في إفريقيا نتيجة بناء إثيوبيا لما يعرف بسدّ النهضة، وأكد أنسد النهضة  تحد إفريقي داخلي وما نقوم به هو نصح الأطراف المختلفة بالتعاون[2]، ومهما يكن فإن هذه الاتفاقية ستقوى موقف إثيوبيا في سجال سدّ النهضة.
  • تقلل خطر الجماعات المسلحةعلى كلتا الدولتين: وقعت بالتحديد في داخل كينيا هجمات منظمة من قبل حركة الشباب الصوماليّة، كما توغلت كينيا في جنوب الصومال بالأخص المناطق المتاخمة لحدودها، وقد كشفت هذه الهجمات عن مدى هشاشة جهاز الاستخبارات الوطني لكينيا، مما لا شك فيه أن هذه الاتفاقيّة الأمنية مع دولة كبريطانيا سترفع كفاءة الجيش الكيني في صراعه مع حركة الشباب.

وأمّا إثيوبيا فلم ترصد إلى الآن هجمات من هذا النوع في داخل أراضيها، ويعزى ذلك إلى خبرة إثيوبيا الميدانية بطبيعة الحروب التى تقع في الصومال، وخاصة فيما يتعلق بمحاربتها ضدّ حركة الشباب، لأجل ذلك ستعمل هذه الاتفاقية مع الولايات المتحدة على تعزيز نشاطها الحربي ضدّ هذه الجماعات.

  • تساهم في رفع كفاءة قواتهما:كذلك ستساهم الاتفاقيتان في رفع قدرة جيوش الدولتين، وبناء منظومة أمنية ذات كفاءات عالية تمكّنها في قادم الأيام من كبح عنف الجماعات المسلحة في بلديهما، وتحقيق نصر كاسح في الحرب ضدّ حركة الشباب أو التنظيمات الحربية التي ستظهر مكانها، التى يحاربها كل من الدولتين إثيوبيا وكينيا في داخل الأراضي الصوماليّة.

تأثير الاتفاقيتين على مستقبل التنظيمات المتطرفة في المنطقة

اتفاقية الدفاع المشترك بين الجارة الإثيوبية وحليفتها الأمريكية, واتفاقية التعاون المشترك في المجال العسكري بين كينيا وحليفتها بريطانيا تسمح للدولتين المجاورتين بالاستمرار لمدة أطول في مكافحة ما يسمّى الإرهاب الذي بات ينتشر ويهدد أمن منطقة شرق أفريقيا, الأمر الذي يزيد العبء على تلك التنظيمات التي تعاني من شح في مصادرها التمويلية في الداخل والخارج بالإضافة إلى أزمة الانشقاقات فيما بينها, حيث ظهر مؤخرا تنظيم جديد يعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية ويحمل العداء لحركة الشباب بعد أن رفضت التحول من الولاء لتنظيم القاعدة إلى انضمامها لتنظيم الدولة. مما يشكّل بادرة تشرذم واقتتال فيما بين التنظيمات المسلحة في المنطقة, من أجل التفرد بالنفوذ والسلطة في إدارة الأعمال القتالية وإدارة المناطق الواقعة تحت السيطرة, لكن هذا – إذا تركنا المبالغات جانباً – فإنه لا يقدّم للدولتين الفرصة الحقيقية للتخلص من هذه التنظيمات, حيث لا تزال تمتلك مقومات تمكنها من البقاء لمدة أطول. وتستدعي من الدولتين التخطيط لمقارعة طويلة المدى معها.

الخاتمة

ومن خلال هذه القراءة حول الاتفاقيتين نصل إلى أن الحوادث الأمنية التى تشهدها المنطقة بسبب التنظيمات المتطرّفة ستتأثر في حال تنفيذ بنود الاتفاقيتين، ومن الضروري أن يكون التعاون الأمني بين الدول الأفريقية مترابطاً ومنسّقاً بينها حتى تستطيع الحدّ من أطماع التنظيمات المسلحة في المنطقة.

وقريباً سنرى انعكاسات الاتفاقيتين على الوضع الأمني للمنطقة، ومدى نجاعتها في تحقيق النجاحات في أرض الواقع إذا تمّ تفعيل بنود هذه الاتفاقيات وتطبيقها، ولم تتم إحالتها على الإهمال وترك بنودها حبراً على ورق، أو تتلاش في أيادي الفساد وسوء الاستغلال المتغلغلة في أنظمة المنطقة.

المراجع

[1]http://sudansafari.net/2009-05-14-10-44-00/11-mepress/40267-2015-04-08-06-07-17.html

[2]http://www.dotmsr.com/details/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%AA%D8%AF%D8%AE%D9%84-%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7-%D8%AD%D8%A7%D9%84-%D9%86%D8%B4%D9%88%D8%A8-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%B9%D8%B3%D9%83%D8%B1%D9%8A-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D8%B3%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%87%D8%B6%D8%A9

زر الذهاب إلى الأعلى