صدى الأسبوع : الاتفاقية مع بونتلاند تمهد لانتخابات شاملة في البلاد

لتحميل الملف أنقر على: الاتفاقية مع بونتلاند تمهد لانتخابات شاملة في البلادpdf

غاروى( مركز مقديشو للبحوث والدراسات)  شهدت مدينة غاروى عاصمة ولاية بونتلاند خلال الأسبوع المنصرم حراكا سياسيا محموما تمثل في مفاوضات عبر سلسلة من اللقاءات، وقد تركزت تلك المفاوضات المكثفة حول إقناع قادة بونتلاند بقبول المشاركة في الانتخابات التي ستجرى في شهر أغسطس القادم وفقا لصيغة المحاصصة العشائرية التي اقترحتها الحكومة الفيدرالية وقبلتها الولايات الأخرى الفيدرالية من البلاد.

وقد وصل في الأسبوع الماضي مدينة غاروى وفد رفيع المستوى يقوده رئيس الوزراء السيد عمر عبد الرشيد شرماركي لإذابة الجليد وإحداث انفراجة في العلاقات بين ولاية بونتلاند والحكومة الفيدرالية التي تدهورت من جديد بعد أن قررت الحكومة الفيدرالية إجراء الانتخابات القادمة وفق نظام المحاصصة القبلية، وقد قبل هذا المقترح الحكومي بقية الولايات الفيدرالية الأخرى واعتمدت عليه الأمم المتحدة.

وترجع الأزمة الحالية إلى شهر فبراير الماضي  حيث أعلن رئيس الولاية عبد الولي محمد علي (غاس) رفضه لنتائج المنتدى التشاوري لأعضاء النادي الفيدرالي والشركاء الدوليين محتجا على تبني الحكومة الفيدرالية لنظام المحاصصة العشائرية وليس نظام الدوائر الانتخابية كأساس لانتخابات أعضاء المجالس الحكومية الفيدرالية في المرحلة القادمة . هذا ومن المقرر إجراء الانتخابات وفق نظام المحاصصة العشائرية المعروف ب 4.5 ( أربع قبائل كبيرة ومجموعة قبائل أقل عددا) بعد فشل نظام الانتخابات الذي يعتمد على تصويت المباشر للمواطنين.

 الاتقاق الجديد هل يصمد أمام مماطلات الحكومة الفيدرالية

  هذا ،وقد توصل الطرفان في ساعة متأخرة من اليوم (الأحد 03/04/2016) إلى اتفاق جديد يتألف من أكثر من 10 بنود مهمة ، وبحضور وفود رفيعة المستوى كشهود على الاتفاقية، وتتألفت الوفود من المبعوث الخاص للأمم المتحدة في الصومال متشيل كيتينغ، وممثلين للاتحاد الأوربي، والاتحاد الإفريقي، ووزير الخارجية الإثيوبي، وممثل الإيغاد، وبعض سفراء الدول الأوربية، والسفير التركي في الصومال، وسفير دولة الإمارات العربية المتحدة، والسفير الإيطالي ، وسفير جيبوتي ، والسويد ومسئولين من الولايات الفيدرالية الأخرى. وتتضمن بنود الاتفاق حسب البيان الرسمي 7 بنود من أبرزها قبول بونتلاند للمشاركة في الانتخابات الوطنية المزمع إجراؤها في شهر أغسطس القادم وفقا لصيغتها الحالية ، كما تشمل بنود أخرى من بينها تجاوز نظام المحاصصة في الانتخابات القادمة عام 2020م ،  وتشكيل لجنة الانتخابات الوطنية بالتشاور بين الحكومة الفيدرالية والولايات الفيدرالية..وعقد اختيار ممثلي البرلمان الفيدرالي المنحدرين من العشائر التي توحدت في تشكيل بونتلاند في العاصمة غاروى وأن تكون المصادقة النهائية لرئيس بونتلاند بعد تعيينهم بواسطة زعماء العشائر، ضمن بنود أخرى. وأن تتعهد هيئة الإيغاد بمتابعة تنفيذ الاتفاقية ، وقد وقع الاتفاق للطرفين : الرئيس عبد الولي محمد علي ، ورئيس الوزارء عمر عبد الرشيد علي، كما وقعه بشكل مراقب كل من المبعوث الخاص للأمم المتحدة، وممثل الاتحاد الأوربي وممثل الاتحاد الإفريقي وممثل منظمة الإيغاد، ووزير الخارجية الإثيوبي كشهود للاتفاق بين الطرفين.

وهكذا فمن الواضح  أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود عدة مرات بعد ممانعة طويلة أبدتها بونتلاند محتجة بأن الاتفاقات السابقة مع الحكومة الفيدرالية لم يتم تنفيذها مما يشير إلى استخفاف بالاتفاقات السابقة التي وقعتها طيلة فترات المفاوضات السابقة، ومعربة أيضا عن استيئائها الشديد لأن تصبح مجرد حبر على ورق،مما يقلل من أهمية أي اتفاق جديد ، وترجع أولى تلك الاتفاقات أغسطس 2009 مع رئيس الوزراء عمر عبد الرشيد ( فترة رئاسته الأولى) ثم اتفاقية نيروبي 2010 مع الرئيس عبد الرحمن فارولي ورئيس البرلمان شريف حسن، ثم اتفاقية مارس 2013، مع رئيس الوزراء السابق ساعد شردون، وكان آخر تلك الاتفاقات الاتفاق مع رئيس الوزراء السابق عبد الولي شيخ أحمد في جاروى في أكتوبر 2014م وبحضور ممثلين من المجتمع الدولي، وقد نص معظمها على بنود ذات اهمية لولاية بونتلاند كتقاسم الثروة والمشاريع والمنح الدولية ، والمنح الدراسية وتجاوز النظام العشائري كأساس للانتخابات.

  العصا والجزرة

 في الوقت الذي كشفت الجهود الجارية عن ثقل بونتلاند السياسي، نظرا لما تختزن من خبرات قيادية وسياسية قادرة على لعب دور القيادة وتوجيه مجريات الأمور فإنها تكشف من جانب آخر مدى حرص المجتمع الدولي والحكومة الفيدرالية على إشراك بونتلاند في العملية السياسية الجارية، رغبة في إنجاحها وإقامتها على قواعد صلبة، وتخشى الأمم المتحدة التي ترعى العلمية السياسية من عواقب عدم مشاركة بونتلاند بعد أن تغيبت إدارة أرض الصومال التي أعلنت انفصالها عن بقية البلاد. كما تكشف هذه الجهود الجارية عن حرص المبعوث الأممي على إحراز كسب سياسي في جمع القادة الصوماليين خلف الخريطة السياسية التي رسمتها الأمم المتحدة بالتعاون مع المعنيين من الدول الأوربية وأمريكا وشركائهم من دول الجوار.

 وهكذا فمن الواضح أن بونتلاند تواجه بمفردها الحكومة الفيدرالية الصومالية والولايات الفيدرالية الأخرى والأمم المتحدة.

وفيما يتعلق بمضمون المفاوضات والتحركات المصاحبة لها فإن الأوراق التفاوضية لممثلي الأمم المتحدة والحكومة الصومالية تتركز في إشهار عصا التخويف، وتذكير بونتلاند بمغبة خروجها على ما يشبه الإجماع الوطني ، وتمردها كذلك على مطالب المجتمع الدولي الذي ما زال يرعى العملية السياسية ويضع لها الترتيبات الجارية، وتخويفها من أن الأمر قد يتطور إلى توجيه أصابع الاتهام نحو أية جهة تحاول إجهاض تلك الجهود، ومن جهة أخرى فقد أظهرت التحركات السياسية إلى أي مدى اعتمد المفاوضون معها اسلوب الإغراء وطرح امتيازات بمنح قسط من مشاريع إعادة الإعمار للبلاد، فقد ضمت الوفود التي زارت العاصمة غاروى السفير التركي، ونائب مسئول العلاقات الخارجية في البرلمان التركي- وهو سفير تركيا للصومال سابقا- وقد أعلن خلال المفاوضات الجارية عزم تركيا على زيادة تمويل مطار غاروى، كما أن منظمة الإيغاد أعلنت عن استعدادها لتمويل المرحلة الثانية من بناء مطار بوصاصو الدولي، وقد أعلنت الإيغاد أيضا عن إقامة مشروع تعليمي في مدينة أيل الساحلية وهي مجمع تعليمي للعلوم البحرية، ونقل المهارات للصيادين والبحارة.

   التراجع من نقطة اللاعودة

ومن جانب آخر فإن بونتلاند وضعت نفسها في موقف حرج جدا؛ لأنها في البداية لم تمسك العصا من الوسط وإنما صعدت إلى أعلى السقف حيث يصعب نزوله، وقد صاحب رفضها الأول تعبئة شديدة لقطاعات الشعب ضد نظام الانتخابات المقترح من قبل الحكومة الفيدرالية، وقد أصبح هذا  الرفض بمثابة إجماع شعبي وحكومي في بونتلاند، وبالتالي فإن التراجع عن موقف الرفض قد يؤدي إلى حدوث انقسامات حادة داخل الحكومة وشعب بونتلاند.

 ولشدة التعبئة الشعبية ضد نظام المحاصصة القبلية تعرض رئيس بونتلاند السيد عبد الولي محمد علي بما يشبه باختطاف القرار السياسي، والوصول به إلى مرحلة الذعر من العودة بعد حالة شبية بالهستيريا التي أصابت المواطنين جراء التعبئة، وهذا ما جعل الحكومة تحسب حسابا كبيرا لتغيير موقفها تدريجيا.

ولكن ما خفف من هذه المعارضة هو التكتيكات التي استخدمتها قيادة بونتلاند، وإطالة فترة المفاوضات بالمماطلة مما تطلب تقاطر وفود عديدة لإقناع بونتلاند انتهت بدون نتائج في جولاتها الأولى، وبالتالي فإن قيادة بونتلاند لا تخشى من استغلال المنافسين لها للتعبئة الشعبية، علاوة على ذلك فإن ما يمهد العذر لقيادة بونتلاند هو أن المفاوضات تمخضت عن تحقيق مصالح حيوية تتمثل في منح بونتلاند لمشاريع تنموية.

الأمر الثاني الذي يجعل موقف بونتلاند الرافض في غاية الحرج وفاقدا للمصداقية هو عدم وجود بديل للنظام المطروح من قبل الحكومة الفيدرالية والمجتمع الدولي فالبديل الذي تطرحه بونتلاند ليس مهيئا في ظل الظروف الحالية ولوجود العراقيل المالية والأمنية، والحاجة إلى ترتيبات مسبقة للتهيئة والإعداد، وإجراء الإحصاء الوطني.

 من جهة أخرى فإن أبرز الحجج التي تسوقها بونتلاند لتسويغ مقاطعتها لنظام الانتخابات متنوعة وتستند في جانبها الأهم إلى إهمال الحكومة الفيدرالية جميع الاتفاقات التي وقعتها مع بونتلاند والتي تمت بحضور المجتمع الدولي مثل الأمم المتحدة في مقديشو وغروى عام 2012 وقد نصت واحدة من تلك الاتفاقيات إلى حتمية تجاوز نظام المحاصصة القبلية، كآلية لاقتسام المقاعد في المجالس الحكومية، والانتقال إلى نظام الاقتراع المباشر والعمل لتهيئة الأجواء المناسبة خلال الفترة الرئاسية للرئيس الحالي السيد حسن شيخ محمود ولكن شيئا من ذلك لم يحدث.

هل ترضخ مقديشو لشروط بونتلاند؟

 من الصعب بمكان أن نتصور أن يرضخ الرئيس حسن شيخ لمطالبات بونتلاند إذا اعتبرنا أن الرئيس حسن في وضع حرج، وقد لا يضمن الفوز لنفسه هذه المرة على الكرسي. وأيضا فإن الرئيس حسن شيخ يتخوف من ثورة مضادة تتمثل بالمعارضة القبلية لقبائل الهوية التي تنظر بعين الشك إلى مطالب بونتلاند بشكل خاص، ويشهد لذلك الصيغة الحذرة الذي رحب بها الرئيس حسن شيخ الاتفاق مع بونتلاند حيث قال في بيان صحافي صدر قبيل إعلان الاتفاقية ..”إن هذه المطالب يمكن حلها في اجتماعات الولايات الفيدرالية وبعضها تعرض على المجالس الحكومية في إشارة إلى البرلمان ، ويعني ذلك أن الاتقاق ليس نهائيا بل يتوقف على موافقة البرلمان الصومالي.

 ولكن من جانب آخر فإن مطالبات بونتلاند ذات السقف المرتفع تضع في اعتبارها حقيقة مهمة وهي أن دور المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة ودول الجوار لكونها شريكة أساسية في إنجاح العملية السياسية، وبالتالي فهي حريصة على إنجاح خارطة الطريق التي رسمتها كدليل على نجاحها في مهمتها، ولصالح استقرار البلاد. مما تطلب إقناع بونتلاند بإغراءات تتمثل في زيادة المنح الدولية ومشاريع الإعمار.

إرباك القصر الرئاسي

 من النتائج التي تهدف بونتلاند تحقيقها من خلال المفاوضات الجارية والتي ينظر إليها كثير من السياسيين الآخرين في العاصمة مقديشو بعين الرضا والترقب هو أن تتمخض هذه الجهود إضعاف موقف القصر الرئاسي وتقليص حظوظه في العملية الانتخابية المقبلة ، وكسر شوكة التحالف القوي المعروف إعلاميا ب( الدم الجديد) وذلك إرباك الخطط التي وضعها لضمان الفوز ومن بين تلك البنود اقتراح بونتلاند برفض لجنة الانتخابات التي شكلها فريق الرئيس حسن شيخ محمود ، وتشكيل لجان جديدة بدلها  إلا أن ذلك البند يبقى في غاية الصعوبة لأنه يؤدي إلى إبطال قرارات البرلمان الوطني.

بعيدا عن التبسيط

يرد سؤال مهم وهي لماذا بونتلاند دائما عصية ومشاكسة مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو ؟يمكن القول بعيدا عن التبسيط والاختزالية إن المنازعات الجارية ومنذ تأسيس الحكومة الفيدرالية في نيروبي 2004م عدا الفترة الوحيد التي تولى فيها الحكم الرئيس عبد الله يوسف الذي ينتمي إلى بونتلاند فإن تلك الخلافات ظلت مستمرة على خلفية أزمة غياب الثقة بين الطرفين ، وقد زاد الطين بلة التقسيم الفيدرالي الذي تمخض حتى الآن عن تأسيس ثلاث ولايات هي جوبا لاند وجلمدوج وغرب الصومال، والولاية الخامسة وهي ولاية هيران وشبيلى في طريقها للانضمام إلى نادي الفيدرالية قبيل حلول الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع عقدها في شهر أغسطس المقبل، حيث تعتبر جميع الوحدات الفيدرالية تقف على أرضية واحدة ، وبشكل متساوي من حيث الحصول على حقوقها الدستورية مما تعتبره بونتلاند تجاهلا عن وزنها العددي وخبرتها في الحكم والإدارة التي تأسست قبل 17 عاما.

المصدر: مركز مقديشو للبحوث

زر الذهاب إلى الأعلى