دعاتنا والدور المنشود

الدين الإسلامي هو الدين الذي يسلم به الإنسان من الشقاوة ويحقق له السعادة والنجاة في الدنيا والأخرة، وقد جائت مبادئ الإسلام وأحكامه شمولية تشمل جميع نواحي الحياة ولم يهمل الإسلام جانبا من جوانب الحياة على حساب جانب آخر  سواء كانت في هذا الحياة الدنيوية أو الأخرية  ولعل هذا مما يمتاز به ديننا الحنيف عن باقي الديانات الأخرى .

هذه الرسالة التي يحملها ديننا الحنيف أرسلها الله لتبليغها ثلة من الرسل قاموا بواجب التبليغ عن هذه الرسالة خير قيام وأكملوا مهتهم على أحسن وجه، وبما أن أمتنا هي أمة الدعوة فإن من أهم متطلبات الشخصة المسلمة أن يقوم بواجب الدعوة إلى الله كل حسب مقدرته وعلمه عملا بقول .

هذه المهمة الدعوية وإن كانت على عاتق كل فرد من المسلمين إلا أنه قد تتحول إلى فرض من فروض الكفايات ويختص بها مجموعة من الناس هم الوعاظ والدعاة سواء كانوا في المساجد أو حلقات العلم أو في أي مكان آخر يقومون به بواجب الدعوة إلى الله، و بما أن الإسلام جاء ليغطي جميع مناحي الحياة ويسد جميع حاجات الإنسان فيحق لنا أن نتسائل ما هو نوعية الداعية الذي يحتاجه مجتمعنا ويلبي حاجاته، ومن هو  الداعية الذي يستطيع أن يساهم في حل جزء من مشاكلنا بدل أن يكون هو  نفسه جزأ من  مشاكل المجتمع التي تحتاج إلى حل .

لا شك أن للداعية دور مهم في حياة المجتمع وبإمكانه أن يجعل تأثيره في المجتمع تأثيرا إيجابيا يستطيع أن يضيف به إلى رصيد الناس شيئا ينتفعون به في دنياهم وأخراهم، وليس في أخراهم فقط، فالدنيا هي المعبر للآخرة، وقد يستطيع الإنسان أن يعيش عزيزا ومكرما في الدنيا بينما لا يأتي هذا على حساب آخرته،  ولقد  صدق ابن تيمية بقوله  إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الأخرة .

وإذا ألقينا نظرة على حال كثير من دعاتنا اليوم وخاصة في ربوع صومالنا الحبيب نجد أن هناك كما هائلا من الدعاة تكاد تعجب من كثرة أعدادهم سواء كانوا يمتهنون مهمة الدعوة بصفة رسمية ويأخذون عليها رواتب وهي مهتمهم الوحيدة، أو كانوا يقومون بهذه المهمة على سبيل التطوع ولكن حتى نكون منصفين فإنه وعلى الرغم من جهدهم الكبير وتفانيهم إلا أن أثرهم في المجتمع ليس على المستوى المطلوب وهذا طبعا ليس تقليللا من شأن الدعاة وأثرهم في المجتمع ولكنه من أجل أن نساهم في بناء مجتمع أفضل يتمسك بمبادئه وأخلاقه فأين تكمن المشكلة؟

بالنظر إلى أحوال دعاتنا اليوم يتضح  أن أكثر ما ينقصهم اليوم هو إبراز الجانب العملي والأخلاقي للإسلام، فهذه الشريعة السمحة التي أنزلها الله لنا ليست مرتبطة بجانب معين من الحياة ولا يمكن اختزالها في قضية معينة، وإنما هي مجموعة من الآداب والأخلاق والعبادات والعقائد والمعاملات والجنايات والحدود وغيرها، ولا شك أن هذه الجوانب مرتبطة كلها بصفة رسمية مع واقع الحياة وبالتالي تتكامل أدوارها من أجل بناء مجتمع يتمسك بالقيم والمبادئ العليا، ولكن كثيرا من الدعاة ينقصهم اليوم إبراز هذا الجانب الشمولي للإسلامي فالبعض منهم يخنزلون الشريعة في قضايا ضيقة جدا وكأنهم يضيقون بذلك بابا واسعا فتحه الله لعباده، وبالتالي هذه الاختزال يكون له أثره السلبي على المجتمع .

ولعل أكثر ما ينقص دعاتنا اليوم هو فقه الواقع ومحاولة مجاراة واقع الناس فلا ينفع الدعاة والعلماء تعمقهم في العلم الشرعي وحفظ المتون من ألفها إلى يائها ما لم يتفقهوا بفقه الواقع ويحاولوا استنباط وتنزيل النصوص على الواقع الذي يعيشه الناس بدل العيش في حقبة زمنية مضى عليها الزمن، حيث مما لا شك فيه أنه ما من أحد ألف كتابا من الكتب إلا وكان قد تأثر بالبيئة  التي عاش فيها فترة تأليفه الكتاب. ولا شك أيضا أن البيئة التي يعيشها هذا الداعية الذي يقرأ هذا الكتاب ويعظ به الناس تختلف باختلاف كبير عن البيئة التي عاش فيها صاحب هذا الكتاب وقديما قال الفقهاء أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .

مجتمعنا اليوم يحتاج أكثر ما يحتاج إلى دعاة مصلحين يخاطبون جميع طبقات المجتمع بما فيهم العامل الكادح والمعلم المربي والأم التي تتعب في تربية أبنائها والشاب الذي يكافح من أجل بناء مستقبله واليتيم الذي فقد والديه ولم يجد من يعوله والمطلقة التي تركها زوجها وحدها تواجه مصيرها المحتوم مع أطفال صغار لم يقم الزوج بدوره تجاهم، كل هؤلاء من اطياف المجتمع ينبغي على الداعية أن يوجه إليهم خطابهم ويحاول أن يشاركهم همومهم بدل العيش بمعزل عن المجتمع وهمومهم ومشاكلهم.

يحتاج المجتمع إلى دعاة يفهمون النصوص الشرعية ومقاصدها  فهما سليما ووسطيا بعيدا عن الإفراط والتفريط، ويعملون بالقياس الصحيح المكتمل الأركان بعيد عن الإرتماء في أتون الجمود والإنغلاق الفكري لأن نصوص القرآن والسنة  محصورة ومواضع الاجماع معدودة  والوقائع والأحداث غير محصورة، كذلك يحتاج المجتمع إلى دعاة  يستخدمون  الطرح الحكيم القريب إلى الواقع مع النتويع في أساليب الدعوة  وخاصة في عصر التكنولوجيا الحديثة، يحتاج المجتمع إلى دعاة يحفظون له هويته ويحمون له قيمه ومبادئه.

أين دعاتنا اليوم من الحديث في خطابهم الدعوي  عن التنمية الاجتماعية للمجتمع، والتكافل الاجتماعي  وتحقيق العدالة الاجتماعية واحترام قيمة الوقت وحفظ الكرامة الإنسانية والمشاركة في البحث العلمي ومحاولة اكتشاف ظرف آيات الكون، أين حديثهم اليوم  عن العمل والإنتاج والتعمير في الأرض وحث المجتمع علىى الحرص على الإكتفاء الذاتي،  هذه المفاهيم وغيرها مما يحتاجه مجتمعنا كان يجب أن تكون في سلم أولويات الدعاة ولكن للأسف تكاد تكون شبه غائبة عن خطابنا الدعوي .

إن حرص كثيرا من دعاتنا اليوم على الاهتمام بالجانب الشكلي للإسلام بدل التعمق إلى جوهر الدين ومكوناته الكثيرة جعل الكثير منهم يقبعون في واد والشعب في واد آخر، لأنه لو ألقينا نظرة سريعة إلى أحكام الإسلام ومبادئ الدين نرى أن الكثير منها مبادئ أخلاقية، هذه المبادئ الأخلاقية تكاد تكون شبه غائبة عن مجتمعنا مثل الصدق والرحمة والعدالة ومحاربة الفساد، وهذه الأمور هي التي ينبغي أن يركز عليها الداعية كثيرا بدل الاهتمام الزائد بالمظهر الذي قد يخفي وراءه طامات لا  يعلمها الله، وهذا لا يعني طبعا التقليل من قيمة  الجانب الشكلي للشعائر الإسلامية ولكنه فقط دعوة من أجل النظر في الأولويات.

وإذا حاولنا معرفة أسباب عزوف كثير من الدعاة عن محاولة معايشة واقع المجتمع وقضاياه الحية، نجد أن هناك أسباب كثيرة قد تتفاوت من داعية لأخرى فهناك من الدعاة ممن تنقصهم الجرأة للتكلم عن بعض القضايا بدافع الخوف حيث أن ظروف كل بلد تختلف من بلد آخر، وهناك من الدعاة من لا يحسون بأهمية معايشة واقع الناس ولم يرتقوا إلى مستوى الأحداث، ونستطيع أن نقول أن الكثير منهم ثقافاتهم محصورة فلا يحسنون التوجيه والدعوة إلا في أبواب معينة وألوان محددة.

حسن عبد الصمد عبدالله

حاصل على درجة الماجستير في الشريعة والقانون من جامعة إفريقيا العالمية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أكاديمية السودان للعلوم
زر الذهاب إلى الأعلى