العزلة والانعزال لدى المجتمع الصّوماليّ في الغربة

 

ينتشر الصوماليّون في كل أنحاء العالم، لا يهم مكان تواجدك في العالم فمن النّادر جدًا ألا تلتقي بصوماليّ في تلك المنطقة!

لكن الغريب هو انطواء الصومالي وانعزاله في المجتمعات التي يقيم فيها وهذا مما يدعو للدهشة والتساؤل فالصومالي بطبيعته شديد الاختلاط، محبٌ للاطلاع على أحوال الآخرين والتّعرّف عليهم وقد تكون هذه أولى الاختلافات التي يلاحظها الصومالي داخل المجتمع الصومالي في الغربة، فطبيعة الصومالي القادم حديثًا من الصومال شديد الانفتاح حتى إذا ما اعتاد الغربة قليلًا وألفها ألف معها الانعزال كذلك.

وقد تكون أسباب هذه العزلة في بلاد الغرب هي:

-اختلاف اللغة.

-اختلاف الديانة.

-الاختلاف الحضاريّ وقد يكون هذا امتدادًا للاختلافين اللغوي والدينيّ لكن ليس بالضرورة تابعًا لهما.

و كنتيجة للاختلافات السابقة تتشكّل أسبابٌ أخرى لعدم اختلاط الصومالي بمحيطه ناشئة غالبًا من سببين رئيسيين هما:

-التخوّف من عدم القبول.

-التخوّف من التأثّر.

اختلاف اللغة :

فعامل اللغة أساسي في التواصل بين البشر، فيكون عازلًا كبيرًا خاصة حين تكون أغلب النساء أمهات وعاملاتٍ في المنازل فتقل بذلك فرص اختلاطهنّ وتعلمهن لغات البلدان التي هاجرن إليها فتعتمد بذلك كليًا أو جزئيًا على مساعدة أبنائها في الفهم والتواصل مع الغير.

ومن الملاحظ كذلك أن نسبةً كبيرة من المهاجرين الأفارقة أو الآسيويين في الغرب يتحدّثون الإنجليزية لاعتمادها لغةً رسمية في التعليم في بلدانهم كسياسة تبعيّة في البدان المحتلة من قبل بريطانيا غالبًا، أما التعليم في الصومال فقد اعتمد اللغة الصومالية فقط في الفترة الأخيرة قبل اندلاع الحرب الأهلية فيها، فبرغم وجود عدد لابأس به من المتعلمين بلغاتٍ أخرى إلا أنه وتأكيدًا للهويّة والقومية الصومالية فقد اقتصر التعامل بلغتنا.

ومن هنا فعزلة الأمهات تليها عزلة كاملة للعائلة، كون هذه الأم لا تستطيع التعامل مع أصدقاء العائلة أو جيرانها من غير الصوماليين فتكتفي هي والعائلة مع من يستطيعون التفاهم معهم جميعًا.

اختلاف الديانة :

في الآونة الأخيرة مع الصحوة الإسلامية في المنطقة عمومًا وفي الصومال على وجه الخصوص ودعوات العودة إلا أصل الدين ونبذ ما ليس منه، فهم البعض بأن التّعامل مع الأشخاص من الديانات الأخرى محرّمٌ أو مكروه وهي فكرةٌ مغلوطة تمامًا لكن مفهومة لمن يعيش في الغرب ويرى استمامة الآباء للحفاظ على هويّة أبنائهم الدينية مما يدفعهم للمغالاة فيها في الكثير من الأحيان، فالأم حين تلاحظ بأن لأبنائها الكثير من العلاقات مع غير المسلمين تبدأ بالقلق عليه من الخروج عن هذه الهويّة.

ولا ينطبق ذلك على الصوماليين في الغرب فقط، فالكثير منهم في افريقيا يواجهون ذات المشكلة، فالجارتان إثيوبيا و كينيا رغم قربهما العرقيّ من الصوماليين فالاختلافان الديني واللغوي قائمان هنا يحاصران الصوماليّ فيجد نفسه مرةً أخرى ينكمش على ذاته مخافة فقدان هويّتيه هنا.

-الاختلاف الحضاريّ:

ومعه الاختلاف العرقيّ كذلك، فالصوماليّ غالبًا مسلم يميل للثقافة العربيّة لتوجّهه الدينيّ كأغلب مسلمي العالم، عربيٌ لكن ليس كامل العروبة فالعامل اللغوي مازال موجودًا هُنا كذلك اختلافهم عن أغلب العرب بلون البشرة. ولأن أغلب الأفارقة قد يسعدون بأمثلة التساوي بضرب بلال الحبشيّ مثلًا في التعامل فإن الصوماليّ يأنف أن يتمّ التّعامل معه على هذا الأساس فالمساواة حقٌ طبيعي وليس عطاءً يجب أن يشكر العرب عليه في عقليّته.

افريقيٌ كذلك لسكناه و للونه لكن ليس كامل الافريقية فيضع بينه وبين باقي الأفارقة حدودًا تسبب في وجودها الطّرفان متأثرين بالاحتلال الغربيّ، فالصوماليّ لا يثق بجيرانه من الأفارقة فالجارتان إثيوبيا وكينيا مرة أخرى تجلسان على أراضٍ صومالية’ فيجد الصومالي نفسه مضطرًا للتعامل معهم بحذرٍ مضاعف فلا يأمن لهم في الغربة كما لم يستطع أن يأمن لهم سياسيًا في الماضي.

-التخوّف من عدم التقبّل:

وهو شيءٌ موجودٌ وملموسٌ عند أغلب النازحين فما دفعهم للنزوح في المقام الأول كان اختلال التوازن وضياع انتظام الفسيفساء الاجتماعية في محيطهم فالظلم المتعدّي على كل من تواجد في المناطق الواقعة تحت خللٍ أمنيّ يدفع بالهاربين منها للتعامل الحذِر محيطين أنفسهم بكل وسائل الدّفاع قبل مواجهةٍ المواقف العنصريّة، كذلك تأثرهم بروايات من سبقهم من العنصرية التي قد يواجهونها تزيد من الحذر والتخوّف المتأصّلين أساسًا من تجاربهم أنفسهم.

-التخوّف من التأثّر:

الذّوبان في المجتمعات المستضيفة هاجسٌ مخيفٌ لكل العائلات الصومالية، فما من صوماليّ كان يتخيل أن تطول مدة تواجده في الغربة لتصل إلى عقدين فكيف بها متعدّية هذه المدة لربع قرن وربما لعقدٍ ثالث فالجيل الذي وُلد وترعرع في الغربة يربّي أجيالًا جديدة الآن، ليربطهم بثقافةٍ بالكاد يرتبط بها هو في حين أن الثقافات المحيطة ليست بالكافية ولا بالمنصفة له ولأبنائه، فمثلًا في البلدان العربية والإسلامية عمومًا يكون الاختلاف العرقيّ سببًا للمضايقة والتعدّي العنصريّ في حين يكون الانتماء الديني مشكلةً واقعيةً في الغرب.

وفي كلا الحالتين لا يمكن لهذه الثقافات أن تكون بديلًا كافيًا للثقافة الأم كونها الوحيدة التي رغم عدم كمالنا فهي تحتضننا جميعًا، مضيفة لنا ومتقبلة لإضافاتنا كذلك، فالعودة لأرض الوطن وإحياء التراث الصومالي مطلبٌ ضروريّ في الوقت الحالي وفي المرحلة القادم لأمّة ذات تراثٍ عريق كالأمة الصومالية.

لكن الاختلاط بالمجتمعات المحيطة كذلك مطلبٌ مهمٌ للغاية فالتأثر والتأثير بهذه المجتمعات ضروريٌ للإثراء المعرفي والثقافي للنازحين إليها فالعائدون يحملون مسؤولية إعادة البناء والتشكيل الجديد للمجتمع الصومالي في أرض الوطن كما في الغربة وعدم التأثر والتأثير يعيدنا بشكلٍ أو آخر إلى نقطة البداية الفعلية لنهاية الانتظام الفسيسائي للمجتمع الصومالي ونقطة انفجار الحرب الأهلية فلا نكون بذلك اكتشفنا سبب الخطأ في مجتمعنا كوننا لا نحاول النظر من الخارج ولا نكون قد عالجناه من الداخل بالمشاركة في تشكيل لبِناته الآن لعدم اطّلاعنا الكامل على ثقافتنا نحن.

 

مريم محمّد محمود

طالبة علوم تطبيقية، مقيمة في مدينة لندن بالمملكة المتحدة.
زر الذهاب إلى الأعلى