السفير الذي غير مجرى تاريخ الصومال(3): الوحدة بين الشمال والجنوب

رحلة في الذاكرة مع السفير عبدالله آدم أحمد 

واصل السفير حكايته مع الصومال، وتحدث هذه المرة عن الوحدة بين الشمال والجنوب وقال : كما تعرفون أن الصومال ضمن الدول التي تم تقسيمها في مؤتمر بارلين وأصبحت خمسة أجزاء ، وعندما عدت من الدراسة وجدت النضال مستمر ضد الانجليز وانضممت إلى الحزب SNL رابطة الوطنية الصومالية في شمال الصومال.

أما جنوب الصومال فكان تحت وطأة الإستعمار الايطالي ولم نكن نعرف شيئا عن الجنوب فقط كنا نسمع من الاخبار ومن أراد الذهاب الي جنوب الصومال يأخذ تاشيرة الدخول كإذن مسبق؛ لأن في الشمال كنا نستخدم جواز السفر البريطاني وأن الجنوبيين كانوا يسافرون بجواز السفر الإيطالي وكنا نسمع عن النضال المستمر في الجنوب وحزب الشباب الوطني، والقائد المناضل عبدالله عيسي ، وكانوا تحت نظام الوصاية الأممية ويتم تقرير مصيرهم بعد سنين، لكن نحن الشماليين مازلنا تحت الاستعمار البريطاني ولاندري متي نسأخذ الاستقلال.

حاول بعض الساسة ان يخدعو الإنجليز، واقنعوهم بان يقوم الشمال بإحتواء الصومال الخمسة ويكونوا قادة الصومال الكبير تحت وصاية بريطانية لكن قدسبقنا رجل الاعمال” إسماعيل نحر” حيث اجمع بعض اعيان القبائل الشمالية وقادهم الي الجنوب عام ١٩٤٨م ليحمل لواء الوحدة والفضل لمن سبق، لكن رغم تتباين الأفكار شاءت الأقدار أن حمل إسماعيل نحر نفس الفكرة التي روجناها للإنجليز حين طلبتا الاستقلال، ونجمع الصومال الكبير تحت الحماية البريطانية ، لكن بالرغم من اقتناع عبدالله عيسي بفكرة إسماعيل نحر بتوحيد الصومال الخمسة الا أن أعيان القبائل في الجنوب رفضو فكرة إسماعيل نحر . وقالو نحن لانرضي غير الايطاليين، وشككوا في القضية وظنوا ان الانجلير إشتري عبدالله عيسي. ولذلك لم ينجح مشروع إسماعيل نحر.

لكن يقال والله اعلم بالحقيقة حين زار محمد حاج ابراهيم عقال الي بريطانيا قال للبريطانيين نحن نسعى إلى ضم الصومال الجنوبي تحت الحماية البريطانية شرط ان تعطوننا الاستقلال قبلهم ونضمهم الي حضن محميات البريطانية هكذا سمعت غير أني لم أري شئ مكتوب يؤيد هذه الرواية، وربما كان هذا بخداع الانجليزي فوافق الإنجليز بتلك السياسة، لأنه كان يحلم منذ زمن بعيد ان يأخذ زمام الصومال الكبير ويطرد الإيطاليين. بينما إقترب موعد الإستقلال للجنوب ونحن لاندري كيف يكون مصيرنا ومتي نحتفل بالأستقلال وبالتالي قررنا ان نذهب الي الجنوب لنعلن الانضمام اليهم وحين ينالون الإستقلال نكون معهم، ويكون مصيرنا مرهون بمصيرهم.

بينما نحن نناقش بتلك الافكار حول الإنضمام والوحدة مع الجنوب قدم الينا قائد المعارضة الجيبوتية ” محمود حربي ” من الجنوب الصومال عام 1959. وقد ذهب الي الجنوب من أجل الوحدة مع الصومال الايطالي تشاور مع قادة الجنوب، لكنه لم يجد الترحيب فكان الجنوب مشتغل بسياساته الداخلية صراع السلطة بين دارود و هوية.

فقال لنا “محمود حربي” يا اهل الشمال قدمت الآن من جنوب الصومال وهم يفكرون بأشياء تافهة، صراع داخلي، وافق محدود فلاتورطو انفسكم بمأساة الجنوبين نحن لم نقهم ماذا كان يقصد ولم نذهب من قبل الي الجنوب أو الصومال الإيطالي فقط كنا نسمع الأخبار ونضالهم وحزب SYL. وحين ذهبنا الي الجنوب، إقترحنا نفس الموضوع الذي قدم إسماعيل نحر وعلمنا لاحقا مشروع إسماعيل وكتبنا بعض البنود للوحدة وقلنا لهم ان تاريخ إستقلالكم معروف وبتوقيت معين و نحن لانعرف تاريخ إستقلالنا لكن ربما نسبقكم بنيل الإستقلال. وقد لاحظنا أشياء غير متوقعه رغم أننا لانقهم الواقع السياسي في الجنوب ولمسنا منافسات حادة بين قبلية هوية ودارود ونحن لانعرف شيئا عن تلك الصراعات ، رأينا تنافسا شديدا  بين محمدفارح عيديد و عبدالله يوسف اللذين كانا من قيادات الشرطة ويتنازعان في القيادة وكل واحد يقول للأخر “انت تحت أمرتي”.

بعدما عدنا الي هرجيسا وتسارع الزمن ووعدنا الإنجليز انه سيمنحنا الإستقلال قبل الحنوب علي أساس ان ينضم جنوب الصومال الي شمال الصومال وهذا ماكان يريد الانجليز . اما نحن سياستنا كانت خدعة للانجليز فقط ان نجد نقرير المصير والإنضمام الي الصومال الكبير لان جارتنا ايثوبيا كانت تريد ان تبتلعنا ولولا الانجليز لاصبحنا جزء من ايثوبيا، فقدكان يريد هيل سلاسي ان يضم الصومال الشمالي الي ايثوبيا .

جاء توقيت الاستقلال يوم 26 يونيو . رفعنا علم الصومال الازرق ورفعت العلم بيدي وعلم الازرق لم يعترص عليه احد لان فيه نجمة خماسية تشير بالصومال الخمسة والشعب في الشمال متحمس اقصي انواع الحماس . وكان الانجلير سعيد لاننا رفعنا راية الوحدة لنجمع الصومال الكبير رفعنا العلم في الشمال ومن ثم توجهنا الي الجنوب مقديشو وكان الوفد يتكون من:

١- محمد جاج ابراهيم عقال

٢ -حاج ابراهيم نور من بورما

٣- علي جراد من سول

٤- احمد حاح دعالي احمد كيسي

٥- عبدالله ادم احمد

وصلنا إلي مقديشو وتهب علينا نسيم الحرية والشعب الجنوبي ترصو في الشوارع، خرجو عن بكرة أبيهم الي الشوارع لترحيبنا من المطار الي مقر الضيافة وتري البشاشة في وجوههم والتصفيق واخيرا حملو سيارتنا ونحن في داخل السيارة من شدة الحماس حين وصلنا المقر دخل علينا “عبدالله عيسي” وكان لايتكلم كثيرا كان في لسانة تعتعه shig shig . فقال لنا مرحبا بكم في بلادكم وبين شعبكم وخرج ثم أخذ الكلمة وزير الاشعال العامة ” عبدالنور” من قبيلة رحن وين. بدأ يتكلم بلهجة غريبة علينا ونحن لم نفهم منه شئ وحين إنتهي من كلمته سلم علينا وخرج ونحن لم نفهم منه شئ ولو بكلمة فتسائلنا مستغربين باي لغة تحدث الرجل فقال حاج ابراهيم عقال هذه اللغة ليست لغة ايطالية ولا اللغة العربية لكن لا ادري فقال حاج ابراهيم نور وكان تاجرآ يزور الجنوب سابقا هذه لغة اهل “بيدوة” ذهبت مرة الي بيدوة لشراء الجلود وكانو يتحدثون مثل هذه اللهجة. المهم نحن لم نفهم شئ سوي كلمة عبدالله عيسي وبعد قليل دخل علينا “موسي بقر “ وهو يقود وفدا بعد التحية والترحيب القي كلمته وأدخل فيها امثال وابيات واشعار “سيد عبدالله محمد حسن ” وامثال للإبل والاغنام لم نفهم كثيرا . لم نعرف من هو المسؤل الحقيقي من الوفدين ففهمنا من خلال كلمة وفد موسي بقر ان هناك صراع علي السلطة لكن إستغربنا باي دبلوماسية تعاملو معنا لم نجد شرحا وافيا لمايحدث وحتي لم نجد نبدة عما يجري للواقع وإستعداد الاستقلال وعلمنا لاحقا انهم همشونا ولايريدون الحديث معنا، لان هناك أيضا وفد آخر قدم من الشمال “ميكل ماريانو” و “جرده حسين” وهو من حرب NUF الجبهة الوطنية المتحدة. وميكل ماريانو كان يرافق عبد الله عيسي في مؤتمرات الأمم المتحده . لكن حزبهم في شمال يمثل في البرلمان ١٪ اما نحن حزبنا ٣٣٪ من المجلس في الشمال ونحن جئنا علي أساس قرار من مجلس الشعب ” الوحدة دون قيد او شرط لكن الحق يقال ادم عبد الله عثمان لم يرد الإنضمام في تلك الحظة وقال لنا بملئ فمه : ارجعوا فنحن لسنا في حالة إستعداد وأجلوا قضية الإنضمام حتي نرتب بيتنا من الداخل خليكم مع الانجليز واشحتوه ونحن نشحت مع الإيطاليين حتي كل واحد منا يقوي عوده وايضا حزب SYL بعثوا لنا وفودا قبل الإستقلال يقول لنا أجلو الوحدة لأنهم كانو يعرفون ما يحدث في الداخل من صراع في السلطة وايضا حزب ميكل ماريانو يؤمن نفس النمط تأجيل الوحدة لخمس سنوات، لكن لم نستطع التاجيل فحماسة الشعب وصلت منهي الدرجة ونحن ايضا كنا متحمسين لأن بعضنا من خريجي القاهرة واليمن وكنا متحمسين بفلسفة جمال عبد الناصر، وبمشروعه “الوحدة العربية” كمشروع فلسفي ناصري لكن قد عرفنا لاحقا سبب الذي ألح علينا ادم عبدالله عثمان لتأجيل الوحدة

وعلمنا ان هناك خطين في الساحة الجنوبية للصومال الايطالي لايلتقيان

” مجرتين” و “هوية ” وهناك ايضا خط آخر اسميه الخظ “المكيافيلي” طبق الإيطالين. “حاج براكو ” و “عبدالقادر سوبا ” اما عبد القادر سوبي كان متحمس للفدرالية وحتي هذه اللحظة لم نعرف من يحكم الجنوب. أما المعارضة كان يرئسها موسي بقر وقال للوفد الشمالي نطيح هؤلاء ونتقاسم السلطة بيننا نحن من دارود وانتم من اسحاق وحين علم عبدالله عيسي السر قام بركل موسي بقر وكان في المجلس وعزله من وزارة الداخلية ونحن لم نفهم بعد مايحصل في الجنوب مستغربين لم نري من يفكر بالوطن ولا الامة فالكلام كله هوية دارود.. هوية دارود.. عبدالرشيد و عبد الرزاق فلواعطي المنصب لشخص هوية فيكون نأئبه دارود وفي المنصب المقابل يكون نفس النمط لو اعطي منصب لدارود ويكون لنائب من هوية فلم نجد نحن موطأ قدم للسياسة الصومالية . فعلى سبيل الميثال : عين جنرال داؤد قائد للجيش ونائبه محمد سياد بري، وعين محمد ابشر في الشرطة ونائبه حسين كلمية. أما نحن لم نجد موطئ قدم لسياسة الصومال الكبير وللقادمين من الشمال، بينما محمد حاج ابراهيم عقال كان يحلم ان يكون رئيس للجمهورية الصومال الكبير يعني الرئاسة للشمال، ورئاسة الوزراء للجنوب، وعلي أساس أن الشمال حمل لواء الوحدة. 

في كلمته للوفد الشمالي قال ادم عبدالله ” العاري لايغني عن اخيه العاري” فغضب عقال وقال خلونا نتحدث مع الشعب ونقول لهم قدمنا اليكم من الشمال للوحدة ولم نستطع ان نحققة مع ساستكم. لكن منعوهم من المخاطبة للجمهور .

فأستمر الجدل والنقاش وطال النقاش واخيرا قلنا أين أوراق المفاوضات القديمة فقالو ياسوبي أين الأوراق .

إخوننا في الجنوب لم يعطو اهمية للشمال لأن الصراع الداخلي أكبر من كل شئ واول يوم في الاستقلال في جلسة مجلس التشريعي بدات الجلسة بالتصفيق والكلمات اليسيرة وكنا ننتظر الوفد الجنوبي ان يعرض الأوراق واتفاقيات الوحدة التي سبق ان جمعناها عندهم قبل الاستقلال، لكن لم يحصل وبعد التصفيق قالو: ادم عبدالله عثمان رئيس الجمهورية وكنا نتوقع كوفد من الشمال بان يكوم محمد حاج ابراهيم عقال رئيس الوزاء طالما الجنوب اخذ الرئاسة لكن أمامنا واقع سياسي مختلف وأمامنا موسي بقر ودارود. لكن ادم عبدالله عثمان لم يراع الصومال الكبير ومشروع الوحدة الذي من اجله جئنا اليه وكان أمامه” دارود” فزوجته كانت ابنة موسي متان. ومحمد ابشر صهره وعبد الرشيد قرابه عن طريق الزوجة ويكونون اخوال ابنائه، وبالتالي قال ورئيس الوزراء يكون عبد الرشيد وانتم ياوفد الشمال ستجدون رئيس البرلمان لم يفكر الرئيس بأن وفدا قدم اليهم من الشمال وحزب الحاكم ذو الاغلبية مع الشعب بوحدة دون قيد او شرط حقا اصابنا بالاحباط واصبحنا نتسائل كيف سنعود الي الشعب وعندما سمع الشعب اصيبوا بخيبة امل. قلنا في نفوسنا اين ذهبت وثائق الوحدة وكانت من ضمن الاتفاق لو اصبح للجنوبيين منصب فالمنصب الثاني يكون للشماليين وبعدها عين عقال وزير الدفاع واصبحنا لانملك شئ كأننا اسيرين في الجنوب ولاندري باي وجه نعود للشمال كانت وحدة عمياء ومع مرور الايام إزاد الحسرة وإنعدم العدالة في المناصب الحكومية حتي قمنا بإنقلاب في الشمال لتصحيح أخطأئنا ولم ينجح ويكون الحديث التالي عن هذا الانقلاب… عوامله وأسباب فشله.

يحيي عبد الرحمن طحلو

يحيي عبد الرحمن طحلو حاصل على: • ماجستیر في العلاقات الدولیة . اكادیمیة السودان للعلوم • ماجستیر في الدراسات السلام والتنمیة (ماجستیر مصغر ) جامعة الخرطوم معھد البحوث والدراسات الإنمائیة 2014م • دبلوم العالي في الدراسات الدبلوماسیة مركز القومي للدرسات الدبلوماسیة التابع لوزارة الخارجیة لجمھوریة السودانیة 2014م • بكلاریوس الشریعة والقانون كلیة الشریعة والدراسات الاسلامیة جامعة افریقیا العالمیة 2011م • دبلوم مھني في العلاقات الدولیة والدراسات الدبلوماسیة . معھد البحوث والدرسات الإنمائیة جامعة الخرطوم 2013م
زر الذهاب إلى الأعلى