حقائق مؤلمة عن واقع الثروة البحرية في الصومال

doomanالحقيقة القائلة ان الصومال يمتلك ثروة بحرية يمكن أن تشكل مصدر أمن غذائي يوازي النفظ والغاز، باتت اليوم على المحك. وتلك الحقيقة لا محالة زائلة خلال العشر السنوات القادمة اذا استمر الوضع في قطاع الصيد البحري في البلاد على حاله؛ لأن الساحل الصومالي الذي اشتهر بوفرة الأسماك والثروة البحرية، يتعرض اليوم لنهب ممنهج، وتدمير مقصود.

يقدر سفن الصيد الأجنبية في ساحل البلاد الممتد من خليج عدن شمالا وحتى السواحل الكينية جنوبا ما يزيد عن ٣٥٠ باخره تستعمل مختلف أنواع الصيد الممنوع دوليا وخصوصا طريقة الصيد بالجرافة التي تعد من طرق الصيد المدمرة للبئية البحرية والشاباك الخطيرة التي تعتبر أحد الأسباب الرئيسية وراء استنزاف الثورة السمكية حيت تؤدي هذه النوعية من طرق الصيد الممنوعة، الي تجريف الأسماك بكافة أحجامه دون استثناء. وللأسف تعمل كثير من هذه السفن بتصاريح رسميه أصدرتها جهات رسمية  في كل من بونتلاند وأرض الصومال والحكومة المركزية دون الرجوع الى أسس علميه تضمن النزاهة والشفافية.

حقائق مؤلمة

 اتفق كثير من خبراء الصيد البحري على أن الاستمرار بالعمل في الاصطياد بهذه البواخر الى نهاية العام٢٠١٤ او منتصف العام ٢٠١٥م  سيشكل كارثة بئية تؤدي الي اختفاء انواع كثيرة من الثروة السمكية في البلاد وتدمير الحياة البحرية في المياه الصومالية وبشكل يمنع العودة الى طبيعتها حتى بعد مائة عام (١٠٠سنة) حتى ولو تم توقيف هذه البواخر لمدة ١٠٠ سنه. ووفقا للهؤلاء الخبراء فتلك البواخر التي تمرح اليوم في المياه الاقليمية الصومالية، قد تم ايقافها في ٩٠% من بلدان العالم وبقية ١٠% من بلدان العالم التي تسمح لها بالعمل فتسمح لها بالعمل وفق انظمة وقوانين خاصة وتخضع لعمليات مراقبة مكثفة، وتفتيش دقيق.

فكثيرا من الصيادين الصوماليين انقضت ارزاقهم، ومن يقوم بزيارة الي بعض سواحل البلاد فسيرى ما لاتصدق عيناه وسيرى حقائق مؤلمة وقصص صادمة. فسيرى كيف انقضت آجال الاسماك  والحيوانات البحرية الثمينة نتيجة استعمال السفن الاجنبية بالديناميت والمواد السامة بشكل عشوائي في واضحة النهار أمام مرأى ومسمع سلطات ومسؤولي تلك المناطق، أضف إلى ذلك إستعمال الشباك المحرم دوليّا والممنوع صيد الأسماك به الذي يجلب من الدول الاروبية اضافة إلى ذلك بعض البواخر التي تصطاد في الاماكن التي تتوالد فيها الاسماك وهو الأمر الذي تسبب الي تدمير الثروة البحرية كليا وبصورة يستحيل عودتها مرة ثانية حتى ولو تم المنع على الاصطياد في هذه الأماكن.

محمد الأمين صياد صومالي يعمل في هذه المهنة(26 عاما) ويبلغ من العمر 47 سنة، ويقيم في منطقة الجزيرة بضاحة مقديشو، وهو نائب رئيس جمعية الصيادين في تلك المنطقة، يقول: “أننى رايت بأم عيناي في مدينة بربرة وهبيو- خلال عملى في تلك المنطقة- سفن إيرانية عملاقة على متنها حراس صوماليون يحملون أصلحة نارية، وتقوم هذه السفينة بجرف قاع البحر، كأننا تقوم بإستصلاح أراضى زراعية، تجرف كل شى”.

ويضيف محمد قائلا: “قبل عشرة سنوات  كنا نصطاد في عمق تستطيع أن تشاهد من خلاله اليابسة، وكنا نحصل أسماكا كثيرة، لكننا اليوم مضطرون إلى الذهاب أبعد من ذلك، وربما نعود إلى اليابسة من دون سمكة، وهذا دليل على أن بعض الأسماك في طريقها إلى الزوال”.

الحكومة المركزية متواطئة

وما يثير الحزن والأسى أن عمليات النهب وتدمير خيرات البلاد تحدث في ظل وجود حكومة مركزية تحظى بالاعتراف الدولي بل وبتواطؤ من افراد داخل الحكومة والادارات الاقليمية في كل من جروي وكسمايو والاقاليم الوسطى والتي تعطي للشركات الاجنبة تراخيص بشكل يندي جبين الحياء خجلا ودون مراعاة للمعايير الدولية والقوانيين العاليمة للصيد البحري. فقد ابرم الصومال خلال السنوات الماضية عقودا مع شركات اجنبية خاصة بغية تشكيل قوات خفر سواحل لمكافحة القرصنة واحكام السيطرة على المياه الاقليمية للبلاد ومواردها البحرية، حسبما اعلنت عنها مصادر في الحكومة الصومالية، لكن كل ذلك كان يتم في الخفاء أو ما كان في طي الكتمان اكثر بكثير مما تمّ الاعلان عنه .

في العام الماضي ابرمت الحكومة الصومالية اتفاقية مع شركة “أتلانتيك مارين اند اوف شور غروب” ومقرها في هولندا لكن هذه الاتفاقية تمت وعلى طريقة السلف الطالح في الخفاء وبصورة يثير الشكوك والتساؤل، لا احد يعرف تفاصيل المضمون الحقيقي لتك الاتفاقية، وماهي آليات التنفيذ ومعايير المراقبة من اجل سلامة سواحلنا وحماية ما فيه من ثروات نفيسة. فمثل هذه الشركات عكس ما تعلن عنه الحكومة فانها تقوم غالبا بالاستغلال على الثروات البحرية على طول سواحل البلاد بل تقوم  بعضها بالقاء النفيات السامة ومخلفات مصانع تلك البلدان.

 غالبا تؤكد الحكومة في بياناتها بعد عقد الاتفاقيات مع الشركات الاجنبية على انها “ستبني وتشرف وتسير اسطولا من خفر السواحل” لكنها لماذا لم تتوفر تفاصيل حول حجم وقدرات ومهلة تلك الأعمال أو على الأقل الشق المالي للاتفاق. وكذلك تقول انها (أي الشركات الاجنبية) ستحمي مناطق صيد السمك من سفن الصيد الاجنبية غير القانونية” والموارد الطبيعية للصومال التي تتمتع باحدى اكبر الواجهات البحرية في القارة الافريقية الان حاميها هو حرميها. 

تراخيص الصيد في متناول الجميع

ومما يثير العجب أن السفن الأجنبية التي ترتكب المجازر بحق الثروة السمكية في بلادنا تحصل معظمها على التراخيض من الانظمة الحاكمة في البلاد  دون أن تستدعي ذلك غيرة المؤسسات التشريعية والقضائية في البلاد ولا حتى من منظمات المجتمع المدني من اجل الضغط على الوزارات والمؤسسات المعنية لفتح تحقيق شامل في قطاع الصيد البحري في بلادنا خصوصا مراكب الصيد الاجنبية التي تعوم في عباب البحر من دون رقيب ولا حسيب.

هكذا صارت ثروتنا في المزاد العلني. هل يصدق احد أن هناك صوماليين يذهبون الى اليمن والتايلاند والصين، وكوريا، بغرض عرض تصاريح اصطياد لبواخر وهم جالسون في الفنادق والمقاهي ينادون باعلى صوتهم من دون خوف ولا استحياء، من يريد تصاريح اصطياد في الصومال من يريد تصاريح اصطياد في الصومال.. وبدون ايضا اي ضوابط او قوانين الاصطياد التي تشمل بعض بنوده :

١-.اول شرط من شروط الاصطياد ببواخر الجر (الجرف) في كل بلاد العالم ان يوجد جهاز رادار (ستلايت)على كل ظهر باخرة يعطى لها ترخيص ويكون هذا الجهاز مرتبط بكمبيوتر مركزي يتواجد في مبنى وزارة الاسماك وعليه مراقبين يتابعون هذه الباخره اين تصطاد وعلى بعد كم من الساحل، لان معظم الدول يكون اللاصطياد على بعد 5 الى 12 ميل بحري عن الساحل واي باخره تخترق هذه المسافه وتقترب من الساحل يتم توقيفها ومصادرتها ومصادرة حمولتها من الاسماك وذلك لاجل عدم تدمير الشعاب المرجانيه والقضاء على الاسماك التي يترزق منها عشرات الالاف من الصيادين التقليديين 

٢- قبل خروج اي باخرة اصطياد الى البحر لبداء العمل يجب ان تدخل الى مواني البلاد ويتم طلوع مراقبين على ظهر هذه الباخره في الميناء وفحص انواع الشباك الي عليها وهل هي من الشباك المحرمه دوليا وكم فتحت الشباك وذلك للسماح للاسماك الصغيره من الخروج عبر الفتحه لكي لا يتم ابادة نسل الاسماك في البحر

٣- أن يتم فحص طول الباخره وعرضها وقوة المحرك لكي يتم تحديد المسافه من الساحل لهذه الباخره حسب طولها وعرضها وقوة محركها كلما كانت الباخر اكبر تكون ابعد مثلاً في اغلب بلدان العالم 

٤- طول الباخر اكثر من ١٨متر تصطاد على بعد 5ميل بحري من الساحل واذا طولها اكثر من ٣٧متر يكون بعد 12 ميل بحري من الساحل والمحرك اكبر من ١٢٠٠ حصان يكون بعد 12ميل بحري من الساحل..

وهناك اكثر من ٢٠ شرط اخر وللأسف جميع هذه الشروط غير موجوده نهائيا في قاموس الحكومات في بلادنا.

كارثة بيئية 

نشرت بعض المواقع العربية ان أهالي عيل الشيخ الساحلية يرون قصص مؤلمة عما تقوم به سفن الصيد  الأجنبية في المياه القريبة من منطقة زيلع في ارض الصومال. ويقول الاهالي أن تلك السفن تقوم باقتراف عمليات نهب و عبث واسعة النطاق ضد مصادر الثروة السمكية و سلامة البيئة في المنطقة البحرية الواقعة قبالة الشواطئ الجنوبية لخليج عدن بإمتداد بربره شرقاً و زيلع غرباً.

و أبلغ شيوخ من مجلس الأعيان في تلك  المنطقة أن سفن الصيد الاجنبية تقوم وبشكل مكثف بجمع أكبر كمية ممكنة من الروبيان و الأسماك و بأقصر فترة ممكنة. كما تقوم بتدمير كل شئ يعترض طريقها بما في ذلك الشعب المرجانية و الكائنات النباتية بالإضافة إلى المخلوقات البحرية الأخرى جراء استخدامها شباكا محرمة دولية وطرق خطيرة للصيد البحري

تلجأ تلك السفن وفق ما يقوله السيوخ إلى أبشع الوسائل و الأساليب لصيد الأسماك كاستخدام المتفجرات أو المصائد الضخمة التي يتم ربط أطرافها بسفينتين تسيران بنفس السرعة و الاتجاه لضمان امتصاص جميع كميات الأسماك المتواجدة في المنطقة المائية التي تفصل بين السفينتين.

ومن الأماكن التي تأثرت نتيجة لأنشطة الصيد الغير القانونية المحميات البحرية في منطقة زيلع و خاصة الجزر الصغيرة المتناثرة حول جزيرة سعد الدين الشهيرة و الواقعة على بعد حوالي 10 كم من مدينة زيلع التاريخية بالإضافة إلى جزيرة عيبات الأصغر حجماً. وكانت المنظمة العربية لحماية البيئة البحرية قد أعلنت سعد الدين و عيبات و الجزر المحيطة بها ضمن ” المحميات البحرية”Marine Protected Zone.

و ذكر خبير من الأمم المتحدة زار جزيرتي سعد الدين و عيبات أن هذه المنطقة تزخر بإمكانيات سياحية أكبر بكثير عن تلك المتوفرة في منطقة شرم الشيخ السياحية المصرية.

اين مشروع شركة “هاليداي فينتش” ؟

في بداية العام 2012 م، قدمت شركة “هاليداي فينتش” العاملة في مجال الأمن الخاص والتي اتخذت نيروبي مقرا لها بشأن إنشاء قوات دفاع ساحلي مؤلفة من 2500 عنصر ضمن إطار الحكومة االتحادية الانتقالية، تكون قادرة على تنفيذ عمليات في المياه العميقة. و كان من المتوقع أن تبلغ كلفة هذا المشروع الضخم 900 مليون دولار امريكي  على مدى عشر سنوات. وقد أعلنت شركة “هاليداي فينتش” أنه تم بالفعل التعهد بتسديد أول دفعة بقيمة ٥٢ مليون دولا أميركي.  وقد أكد وجود هذا الاتفاق وزير الدفاع الصومالي الأسبق، حسين عرب عيسى، على التو صل إلى هذا الاتفاق مع شركة “هاليداي فينتش”. والسؤال اليوم اين هذه المشروع وما تحقق ومن يضمن أن هذه الشركة لا تزال تعمل في المياه الاقليمية الصومالية؟.

توصيات 

بناء على المعطيات السابقة ومساهمة منا في إنقاذ ثروتنا البحرية، فإننا نقترح الآتي:-

1-  تشكيل لجنة وطنية تضم خبراء في العلوم البحرية والبيئة وقانونيين، تقوم بمراقبة أنشطة السفن الأجنبية، التي تقوم بالإصطياد في مياهنا الإقليمية أو التي تقوم بمحاربة مايسمى القراصنة.

2-  إعادة النظر في كافة التصاريح الممنوحة لسفن الصيد الأجنبية.

3-  تدريب خبراء وطنيين ممن يشهد لهم النزاهة، يقومون بمهة مرافقة سفن الصيد الأجنبية بهذف رصد تحركاتها وعملها في المياه الصومالية.

4-  أن تكون الحكومة المركزية المخولة الوحيدة في إصدار تصاريح الصيد للسفن الأجنية، وعدم السماح للحكومات الفدرالية والإدرات المحلية بإصدار أي تصاريح صيد لأي سفينة أجنبية.

5-  إصدار وسن قوانين وتعليمات واضحة تنظم وتضبط عملية الصيد في الصومال.

6- تشجيع الصيادين من أبناء البلد، وتأسيس جمعيات تعاونية لهم

د/عبدالوهاب على مؤمن

باحث متخصص في علم الاجتماع info@Mogadishucenter.com
زر الذهاب إلى الأعلى