مشاريع إعادة بناء البنية التّحتية في الصومال… التّحدّيات والفرص

بانهيار الحكم المركزي الصومالي أوائل التسعينات من القرن المنصرم، تعطلت كلّ نظم الحياة بمختلف مجالاتها العمرانية والإنشائية والتّعليمية والاقتصادية والتجارية، وصار الوضع في البلاد مأساويا، حيث أصبحت البنية التحتية الأساسية لإدارة عجلة حياة المجتمع مفقودة.

ورغم هذه الظروف القاسية التي أصبحت جزءا من حياة الشعب، كانت هناك محاولات عديدة لإعادة نظم الحياة الطبيعية إلى الصومال سواء كانت هذه المحاولات من قبل المجتمع المحلّي أو الأفراد الوطنيين الغيورين، أو الجهات الإقليمية أو الدّولية التي كانت تسعى إلى إيجاد شيء من النظام يمكن أن يؤسس لإعادة الهياكل الفنّيّة التي تدعم المجتمع وتؤدّي إلى تمكين حياته وتحسين ظروفه، سواء المتمثّلة منها في إعادة الأمن وتكوين أو إيجاد هيكل حكومي يقوم بتسيير شؤون البلاد، ويتولّى مهمة إعادة بناء الصومال من جديد.

إنّ الجهود التي كانت تبذلها الجهات المختلفة والتي كانت تسعى إلى إعادة الصومال إلى الحياة الطبيعية وإنعاشه، مرّت بمراحل مختلفة، وكان يتم في كل مرحلة عدد من الإنجازات التي تمهد الطريق لتحقيق إنجازات أخرى حتّى وصلت الحياة إلى ما هي عليه اليوم.

وليس معنى ذلك أن الصومال تخطى جميع التحدّيات التي تواجهه في سبيل إعادة بناء البنية التحتية، بل هناك بعض التحدّيات التي ما زالت في طريق إعادة بناء البنية التحتية ومنها:

  1. استشراء الفساد: ففي التقرير الأخير الّذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية بعنوان مؤشر مدركات الفساد لعام 2018م، “والّذي يستند إلى 13 استطلاعا وتقييما للفساد، أجراه خبراء لتحديد درجة انتشار الفساد في القطاع العام في 180 دولة وإقليما، عن طريق إسناد درجة تتراوح بين 0 (الأكثر فسادا) و100 (الأكثر نزاهة)” ورد فيه أن الصومال قد احتلت المركز الأخير (180) برصيد (10%) وهذا دليل على مدى استشراء الفساد في الصومال، مما يؤثّر سلبا على عمليات إعادة بناء البنية التحتية؛ إذ أنه يؤدّي إلى فقدان ثقة المستثمرين الأجانب والمواطنين في الاستثمار بالوطن لخوفهم على أموالهم من أن يطالها أثر هذا الفساد، مما يعني إيقاف عجلة التطوير والتنمية في البلد.

وللتغلّب على هذه المعضلة لا بدّ من القيام بالآتي:

  • إنشاء هيئة رقابية فعّالة: ويحبّذ أن تكون هذه الهيئة مكونة من نسيج اجتماعي شامل لمممثلين عن مختلف الأطراف المعنيّة من: الحكومة، المستثمرين أو القائمين على إعادة بناء البنية التحتية، منظمات المجتمع المدني، وكلّ من له علاقة بالعمليات التطويرية. وبعد إنشاء هذه الهيئة الرّقابية لا بدّ من توضيح سلطاتها وصلاحياتها حتّى تسهل محاسبة جميع الأطراف المعنية بالقضية التطويرية.
  • إشراك القانونيين المستقلين في توقيع الاتفاقيات وإن بصفة مراقبين: وتساهم هذه الخطوة في الحدّ من استشراء الفساد كما تُطمئن المستثمرين والمستفيدين من العمليات الاستثمارية.
  1. غياب رؤية وطنية موحّدة: إن من التحدّيات التي تواجه عمليات بناء البنية التحتية غياب التوافق الوطني في العمليات التي تجرى في الصومال، فهناك بعض الإدارات الإقليمية التي ترى أن الحكومة المركزية تحجمها وتقلّص حصّتها من أعمال إعمار البنية التحتية لتستأثر بها لفائدة الولايات الموالية لسياساتها، سواء فيما يتعلّق بالإدارة السياسية العامة، أو فيما يخصّ إدارة مشاريع بناء البنية التحتية، في حين أن الحكومة المركزية تتهم بعض الولايات الفيدرالية بشق عصا الوحدة، والارتماء في أحضان قوى أجنبية مما يجعل سيادة الوطن واستقلاله في خطر، وعليه لا بدّ من مواجهة هذه الولايات حكومة وشعبا وردّها إلى جادة الحقّ والصواب. هذا التّراشق بالتهم بين المركز والولايات سيؤدّي إلى اختلاف في الرّؤية الوطنية يعرقل بالنتيجة سلامة سير عمليات بناء البنية التحتية.
  2. مشكلة الأمن: يبقى الأمن تحدّيا كبيرا يواجه تطوّر الشعب الصومالي وتقدّمه، ويصعب تحقيق أيّ إنجاز على الأصعدة الأخرى ما لم تتوفّر أرضية صلبة من الأمن والسلام، وعليه لا بدّ قبل الإقدام على أي أعمال بنائية أوإعمارية من البحث عن طرق لاستتاب الأمن في ربوع البلاد غير الطرق التّقليدية التي لم تجد حتّى الآن مكسبا أمنيا حقيقيا.

ورغم هذه التحدّيات التي تواجه مسيرة إعادة بناء البنية التحتية في الصومال إلا أن هناك عوامل تشجع المستثمرين على الاستثمار في مشاريع البنية التحتية منها:

  1. الموقع الاستراتيجي للصومال: لوقوعه في منطقة استراتيجية من القرن الأفريقي أكسبت الصومال أهمية جعلت دول العالم تبحث لنفسها عن موطئ قدم فيه. هذا التسابق الدّولي والإقليمي على الصومال يمكن أن يستغله الصومال لصالح إعمار بناه التحتية وتدعيمها، وذلك بمقايضة كلّ من يرغب في إيجاد موطئ قدم له في الصومال سواء على شكل شركات اقتصادية أو تجارية أو على شكل قواعد عسكرية أو أمنية بحصص إعماريّة من قطاعات البنية التحتية وفق شروط غير تعجيزية وغير مفرّطة في استقلالية الوطن وسيادته. فمثلا، أن يشترط تعبيد طريق بطول معين من الكيلومترات، أو إنشاء مشاريع تنموية تمكّن نسبة معيّنة من الشباب العاطل من العمل، أو إنشاء مرفق معين أو صيانته أو تجهيزه ونحو ذلك من حصص إعمارية إذا تقدّمت دولة ما بطلب إقامة قاعدة عسكرية لها في منطقة من الصومال، أو تقدمت شركة استثمارية بطلب استثمار في مجال من المجالات الاقتصادية. وبهذا التبادل تتحقق مصلحة الطرفين من المشاريع التي تنفذ في الصومال. وهناك بعض المشاريع التنموية التي تمّ تنفيذها من قبل بعض الدول الشقيقة أو الصديقة للصومال مثل تركيا التي قامت بتعبيد بعض طرق العاصمة وأسست بعض المدارس ليستفيد منها الطلاب الصوماليون، وقطر التي تنفذ مشروع تعبيد طريقين أحدهما يصل مقديشو بأفجوي ويبلغ طوله حوالي 30كم، والآخر يصل مقديشو بجوهر ويبلغ طوله حوالي 90كم، وغير ذلك مما تم تنفيذه أو هو قيد التنفيذ أو تمّ الاتفاق عليه لكن لم تبدأ مراحله التنفيذية مثل ما يتعلّق بتنقيب البترول الصومالي. وكلّ هذه المشاريع تساهم في بناء البنية التحتية للصومال.
  2. تحسّن الوعي الوطني: يلاحظ تحسّنا في الوعي الوطني الصومالي؛ حيث ظهرت في الآونة الأخيرة شركات تجارية صومالية تهتم بتحسين البنية التحتية في الوطن. حيث يوجد شركات خاصة تمتلك سيّارات إطفاء تساهم في إطفاء الحرائق التي تشب في الأماكن العامة والخاصة بشكل تطوعي، فإذا تمت الاستفادة من هذا التوجه الوطني لتلك الشركات وتوجيهه ضمن خطّة تطويرية عامة، فإنّه من الممكن أن تتم إعادة بناء الصومال كلّه من جديد عبر المجهود والأيدي الوطنية.

وختاما ينبغي أن تتصف سياسة الحكومة بالمرونة التي لا تفرط في استقلالية الوطن وسيادته فيما يتعلّق بمعالجة القضايا الحساسة ذات الفروع المتشعبة، وأن تأتي بحكمة تستطيع من خلالها التعامل مع كلّ من يرغب في المساهمة في بناء البنية التحتية دون الإضرار بالمكاسب الوطنية.

عمر محمد معلم حسن

الكاتب عمر محمد معلم حسن باحث أكاديمي وكاتب صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى