عرض كتاب: عن المصلح الراحل الشيخ محمد معلم حسن –رحمه الله –

صدر في شهر فبراير الماضي (جمادى الأولى 1437هـ) كتاب عن سيرة الداعية المصلح الشيخ محمد معلم حسن –رحمه الله- بعنوان (( الشيخ محمد معلم ، العامة المفسر، والداعية المجدد في الصومال)). والكتاب من تأليف الدكتور عبد القادر معلم جيدي، وقد صدر من شركة مطابع السودان، ويبدو أنه في الأصل رسالة عملية لنيل درجة عليا جامعية طورها إلى مؤلف مستقل فيما بعد.

والكتاب من القطع المتوسط تبلغ عدد صفحاته196 صفحة، وقد قدم له أ.د. حسن مكي مدير جامعة إفريقيا العالمية سابقا بمقدمة أشاد فيها بالمصلح الداعية الشيخ محمد معلم ، وأبان فيها عن مكانته عند أبناء الصحوة في بلده التي تضاهي مكانة ابن باز في أهل الجزيرة العربية ، ومتولى الشعراوي عند أهل مصر، والشيخين عوض الله صالح وحسن عبد الله الترابي عند أهل السودان، وهذا يفيد أن شهرة المصلح محمد معلم تتجاوز عند حدود أبناء بلده.

 تنظيم فصول الكتاب

 قسم الباحث الكتاب إلى مقدمة ضافية وخمسة فصول وأبحاث فرعية، وثلاثة ملاحق

  •  يبحث الفصل الأول عن مراحل حياة الشيخ، نشأته ودراسته وجولاته العلمية داخل الصومال وخارجها.
  • في الفصل الثاني يتحدث عن دور الشيخ محمد معلم في نشر الدعوة الإسلامية ودروسه في التفسير في مسجد المقام بمقديشو.
  • في الفصل الثالث تطرق المؤلف إلى ممارسات نظام سياد بري ضد الصحوة الإسلامية وإعدام العلماء واعتقال الشيخ محمد ومعاناته. وفي نفس الوقت تضمن إبرازا شديدا لدوره المشرف في مواجهة حملات التشكيك عن ثوابت الإسلام التي قادها رموز الثورة.
  • وفي الفصل الرابع ركز الباحث على دور الشيخ محمد معلم في فترة ما بعد انهيار الدولة المركزية في الصومال، في إخماد الفتن وفي التوجيه العلمي والقانوني.
  •  أما في الفصل الخامس فقد احتوى على شهادات مشاهير علماء الصومال، الذين ربطت بهم الشيخ علاقة التتلمذ أو الزمالة أو المعايشة عن قرب في شتى مراحل حياته الدعوية والعلمية.

ومن حيث المراجع فقد خلت هذه الطبعة من ثبت المراجع والمصادر ؛لكنها موضحة في الهامش وجلها مصادر أولية تتمثل بالمقابلات الشفهية المباشرة مع عدد من العلماء والدعاة، وقد بلغ عدد التعليقات في هامش الكتاب برقم متسلسل 213 هامشا أغلبه بيان للمصادر. كما ازدان بملاحق هي شهاداته وخطابات أخرى، وصورترجع إلى الفترة التي كان فيها مبتعثا في جمهورية مصر العربية.

تقويم عام للكتاب

  • يبرز الكتاب مدى الجهد الذي بذله مؤلفه في تقصي أخبار المصلح –رحمه الله- ويبدو أن الكاتب عايش فكرة الكتاب قبل إخراجه بفترة طويلة يظهر ذلك جليا أن بعض المقابلات تمت بفترة طويلة قبل طباعته .
  • يدهشك كثرة المقابلات الشخصية التي أجراها مع قيادات علمية وسياسية بعضهم من طلبة الشيخ والمرتبطين بدروسه والمتفاعلين معه من مختلف التيارات الدعوية ويصل عدد الشخصيات التي حاورها 80 شخصية صومالية وغير صومالية، كما قام برحلات داخل البلاد وخارجها، وكما أجرى اتصالا هاتفيا مع بعض الشخصيات، والملاحظ أن من بين تلك الشخصيات نساء ارتبطن بحلقة تفسير الشيخ في مسجد النساء في مقديشو، وكان له فكرة تأسيسه.
  • أغلب مباحث الكتاب تميل إلى سرد المعلومات مع كثرة الاقتباسات ، والسير حسب النمط المعهود في التراجم من حيث البدأ بالولادة والنشأة والتعليم والمهنة حتى الوفاة ولا نبخس الكتاب حقه إذا قلنا إن الفائدة لكانت أكمل إذا أضفى الكاتب عليه ثوب التحليل العميق للحوادث والتركيز على المنطلقات الفكرية والدوافع وربط ذلك بحركة الشيخ الدعوية أيما ربط، بل إن الكاتب أشعرنا في مقدمة الكتاب انه ” ابتعد عن التحيلات والتعليقات المطولة التي تخل بالمعنى”.ويبدو-كذلك- أنه أغفل عن التركيز على الحوار المطول الذي أجراه معه الصحافي المؤرخ محمود دلمر معه في أبريل 1994 في مقر الإذاعة البريطانية وكان حوارا غنيا باللمسات الموحية وتصوير المشاعر، وإبراز العوامل الفكرية التي كان وراء إصرار الشيخ في مراحل حياته المختلفة وتشكيل أفكاره.
  • التزم الكاتب الحيادية والاعتدال في الطرح في أبحاث الكتاب فلم يجعل الغرض من تأليف رسالته الدفاع عن الشيخ في وجه طائفة معينة، بل يصور الشيخ رحمه الله بمثابة الأب الروحي للتجديد الإسلامي في الصومال، وقد ضمن الكتاب إشارات إلى وجود اختلافات بينه وبين طلبته والمتأثرين به في بعض المسائل.
  • كشف الكتاب عن الفقر المدقع الذي نعاني منه في مجال التأليف عن حياة العلماء والمصلحين، -ومنهم الشيخ المصلح رحمه الله- وهذا يتجلى من الكم الكبير من المقابلات الشخصية في ظل غياب المادة المنشورة المطبوعة عن الشيخ بأقلام زملائه وطلابه مما يغني عن الاعتماد الكلي –تقريبا- على المقابلات . وتجدر الإشارة إلى أن ثمة القليل من الكتب التي أرخت للتجديد الإسلامي -تحديدا- ولم يهتم بها المؤلف لأسباب لم يفصح عنها.
  • من الجوانب المتميزة في الكتاب أن المؤلف لم يغفل إعطاء القارئ صورة للأوضاع الاجتماعية والدينية والسياسية والثقافية قبيل انطلاقة جهود الشيخ الإصلاحية في العاصمة مقديشو، وقد وصف الأوضاع الدينية والدعوية ” متدنية” لسيطرة مظاهر التغريب وشيوع المخططات التغريبية الرامية لاجتثاث جذور الإسلام وتغيير الهوية.
  • وأيضا من الجوانب المهمة إشارته إلى تراث الشيخ المسجل المسموع والمكتوب، وتشمل تفسيره المطول والمختصر، والعقيدة الطحاوية مسجلة، وتحفة الإخوان في علم البلاغة، والسمرقندية في البلاغة أيضا. وذكر له 5 رسائل لم تر النور بعد، وبعضها بحوث لا تتعدى 3 صفحات، ثم المحاضرات المسجلة باللغة المحلية وتبلغ 17 محاضرة ذكر أنها متوفرة في دور التسجيلات المحلية.

وأخيرا فإن الكتاب –في رأيي – غني بالمعلومات عن عصر الشيخ ويمثل إضافة جيدة إلى مكتبة (الصحوة الإسلامية) في الصومال، ومن ناحية أخرى فإن الكتاب يمثل تأريخا عاما لا يسلط الأضواء الكاشفة فقط على حياة الشيخ الراحل بل تصوير لعصره وما اكتنفه من حوادث كان لها تأثير بعيد المدى على مسيرة الشيخ الإصلاحية وهي أحداث لها مساس بالجوانب السياسية والاقتصادية والددينية والاجتماعية لمجتمعه.

أما عن الكاتب فهو الأستاذ عبد القادر معلم جيدي الحائز على الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة النيلين بالسودان، المولود عام 1966م وقد شغل في الفترة 2003-2009 مدير مركز جامعة النيلين الجامعي بمقديشو، كما التحق بالبرلمان الاتحادي في الفترة 2009- 2012م.

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى