ظاهرة الجفاف المتكررة في البلاد : الأسباب والنتائج

لتحميل الصدى أنقر على: صدى الأسبوعpdf

تشهد أجزاء واسعة من منطقة القرن الأفريقي خاصة الصومال و إثيوبيا وجيبوتي موجة جفاف وصفت بأنّها الأسوأمن نوعها منذ عام 1984، من حيث اتساع رقعة المناطق المتأثرة بها وحجم الأضرار الناتجة عنها والمترتبة على حياة البشر والمواشي معا.

نتناول في هذا الإصدار من الصدى أسباب هذا الجفاف وعلاقته بظاهرة النينو، كما أننا نسلّط الأضواء على النتائج المترتبة عنه، إضافة إلى تقدير استجابة الإدارات المحلية والحكومات الإقليمية لهذا الجفاف والجهود المبذولة حتى اللحظة في إغاثة المنكوبين والمتضررين.

خلفية عامة

يمكن تعريف الجفاف بأنه “حالة ناتجة عن هبوط تساقط الأمطار السنوية لفترة زمنية طويلة، وتسمى هذه الحالة أيضا القحط، وأثناءها تجف الأنهار والآبار والبرك، فتنخفض الموارد المائية للمزروعات والصناعات والأشخاص إلى الحد الأدنى، وتكشط الرياح القشرة الفوقية للتربة، كما تذبل المحاصيل الزراعية في المناطق التي لا تسقى بواسطة الري وتنفق (تموت) الماشية”[1]

فهذه الظاهرة معروفة بالجفاف وتسبب كوارث المجاعة والنزوح ومن ثم التنازع على ما تبقّى من الموارد الشحيحة أصلا، وقد شهد الصومال خلال تاريخه المديد كثيرا من حالات الجفاف، وأشهرها في تاريخه الحديث ثلاث حالات هي:

جفاف “جمعة باستو” أي جمعة المعكرونة عام 1964 ، وقد أخذت التسمية من نوع المساعدة الغذائية التي كانت توزعها الحكومة على المتضررين ثم جفاف “دبطير” مابين عامي 1974- 1975 والذي ضرب أجزاء من أقاليم توغطير وسول ونوجال والأقاليم الوسطى من البلاد، وقد استطاعت الحكومة العسكرية الاستجابة لتلك التحدّيات بإطلاق حملة نقل المتضررين في ذلك الجفاف وتوطينهم في المناطق الزراعية في الأقاليم الجنوبية.

تليها موجة الجفاف التي ضربت البلاد وخاصة المناطق الجنوبية عام 1992 والمعروفة باسم”عغوبرر” والتي تعنى بالعربية “تورم الأقدام” إشارة إلى الظاهرة التي ميزت هذا الجفاف والناتجة من أثر نقص الفيتامينات أثناء المجاعة، وقد أثرت  هذه الموجة المناطق الجنوبية التي كانت تشهد حينها صراعات مريرة في أنحاء مختلفة من البلاد وبين مليشيات متفرقة، أشهرها الحرب بين مليشيات الجنرال عيديد ومليشيات الرئيس الانتقالي يومها السيد علي مهدي محمد في مقديشو. والحرب بين مليشيات المؤتمر الصومالي الموحدUSC بقيادة الجنرال الراحل محمد فارح  عيديد وبين أنصار الرئيس الراحل محمد سياد برى في المناطق شمال غرب العاصمة مقديشو ابتداء من أفجوي وصولاً إلى مناطق جذو وجوبا السفلى، مما كان له أثره في حدوث مجاعة كبرى في البلاد نتيجة تعطل النشاط الزراعي لعدة مواسم لعدم الاستقرار وحركة النزوح الكبيرة للأهالي في ظل النزاعات المنتشرة على امتداد المناطق الجنوبية وما رافقها من عمليات قتل جماعي قبلي ونهب المليشيات مخزون المحاصيل الزراعية في القرى وتدمير المطامير وحرق المنازل، حيث حدثت كارثة إنسانية محزنة بحيث أن مدينة مثل بيدوا حاضرة إقليم باي عرفت “بمدينة الموت” لكثرة أعداد الموتي من بين المتضررين المتأثرين بذاك الجفاف في المدينة، ولم تكن تلك الحالة مقتصرة على إقليم باي وحده، بل شملت كل المناطق الجنوبية بما فيها العاصمة مقديشو التي  كانت قبلة لجزء كبير من النازحين لكنها لم تكن أسعد حالا  من مناطق النزوح الأخرى  في تدهور الأحوال الأمنية والنقص الحاد في الأغذية وتفشى الأوبئة والأمراض، وسوء التغذية، الأمر الذي أدى الي تدخل المجتمع الدولى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة لحماية المساعدات  الإنسانية من نهب المليشيات وتأمين وصولها إلى المتضررين في عملية مابات يعرف لاحقا بعملية “إعادة الأمل” والتي بدأت مطلع ديسمبر من عام 1992،ثم جفاف عام 2011 والتي لفتت اتنباه العالم إلي الصومال.

العلاقة بين الجفاف وظاهرة النينو

ظاهرة الجفاف مرتبطة بشكل وثيق حسب الخبراء بالنينو، وكان من المتوقع أن تكون لها في هذا العام قوة مطردة وفق خبراء في الأمم المتحدة كما تنبأت دراسة أن تكون منطقة القرن الأفريقي شديدة التأثر بها   وشديدة الصعوبة على المزارعين والرعاة الذين يعتمدون على مياه الأمطار. وقد ضعفت قدراتهم على مواجهة الشدائد،ويواجهون اختبارا صعبا([2])

عدم انتظام الأمطار

تتميز منطقة القرن الأفريقي ومنها الصومال بقلّة الأمطار، وعدم انتظامها ومضمونيتها، فهي أمطار  “زوبعية تأتي لفترات قصيرة وفي مساحات محدودة”. وموسميّة متذبذبة تهطل غالبا في موسمي الربيع والخريف، كما تسقط كمّيّات من الأمطار في موسم الصّيف في المناطق الساحلية في الجنوب فحسب،وتتراوح كميات الأمطار المتساقطة في البلاد مابين 50 مل إلي 800 مل، تزداد كلما اتجهنا من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب([3])

هذه الأمطار غير المنتظمة من الأسباب المباشرة لموجات الجفاف المتكررة في البلاد، لكننا ينبغى أن نعرف أنّ الاستفادة من مياه الأمطار – حتى في حال ما إذا هطلت بغزارة – قليلة جدًّا، كماأن المساحات الشاسعة الصالحة للزراعة غير مستغلة لأسباب نذكرها عند الحديث عن دور المنظمات الدولية في صناعة المجاعة.

يضاف إلي ذلك عوامل التعرية وانجراف التربة والتصحر بفعل قطع الأشجار لاستخدامات متنوعة.

إنعدام الأمن الغذائي

فالمقصود بالأمن الغذائي هنا هو النسبي ويعنى:” قدرة دولة ما أو مجموعة من الدول على توفير السلع الغذائية كليا أوجزئيا، ويعرف ايضا بأنه قدرة قطر ما أو مجموعة أقطار على توفير احتياجات مجتمعهم أو مجتمعاتهم من السلع الغذائية الأساسية كليا أو جزئيا، وضمان الحد الأدنى من تلك الاحتياجات بانتظام”.([4])

فالواضح من هذا التعريف أن الصومال لايستطيع توفير إنتاجية تغطّي احتياجاته من السلع الأساسية، كما لايستطيع تأمين التوزيع العادل لمنتجاته وتوفير السلع الضرورية في الأسواق بشكل دائم وبأسعار مناسبة.

فاليوم يواجه أكثر من855،000 إنسان صوماليّ حالة من انعدام الأمن الغذائي الحاد حسب تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الفاو،كما يعيش مايقارب 214700 من الأطفال دون سن الخامسة حالة من سوء التغذية الحاد بناء على نتائج 39 من المسوحات الميدانية أجرتها وحدة الأمن الغذائي وتحليل التغذية في الصومال المعروفة اختصارا بـ (FSNAU)وهو مشروع تديره منظمة الفاو وشركاؤها في البلاد.وهذا مؤشر خطير  جدا وخاصة إذا علمنا أن هذه الدراسة صدرت أواخر أغسطس من العام المنصرم، أي قبل بداية موجة الجفاف الحالية التي تضرب أجزاء واسعة من البلاد. وسنتعرض للوضع الإنساني الخطير عند حديثنا عن إفرازات الجفاف في بعض المناطق.

غياب التخطيط الحكومي

تحدث موجات الجفاف فى ظل غياب تام لدور الحكومة المركزية، فقد كان من الواجب على الحكومة الصومالية أن تخطط لمواجهة مثل هذه الكوراث، خاصة وأنها تكررت في غضون سنوات، مما يستدعى الاستعداد لها مسبقًا ووضع استراتيجية شاملة لمنع تكرارها بتوظيف وتسخير الإمكانات المتاحة لمواجهتها.  فالهيئات القومية والوزارات المعنية بدرء الكواراث غير مستعدّة للتعامل مع مثل هذه الحالات بالجدّية اللازمة وقد حصرت مسؤوليتها في صيحات الاستغاثة والنداءات التي يطلقها بعض المسؤولين عند حلول الكوارث، دون وجود التفكير أوالعمل على التخطيط الشامل لدرء هذه الكوارث ومنع تكرارها وإيجاد آلية لمواجهتها بالصورة مثلى وأكثر فاعلية.

وممّا يثير الاستغراب بخصوص التعامل من قبل الحكومة مع كوارث الجفاف باللامبالاة السكوت الذي تلوذ به الحكومة حتى الآن إزاء جفاف ونضوب مياه نهر شبيلى، والذي لم يحدث في التاريخ الحديث إلامرة واحدة في عام 1984 بسبب الجفاف الذي ضرب دولة المنبع، لكن أسباب نضوبه هذه المرة مختلفة، حيث جاءت نتيجة للخزّانات والسدود الأربعة التي أقامتها إثيوبيا على نهر شبيلى. وفيما نعلم لم تعر الحكومة هذه المسألة أي اهتمام يذكر، والأخطر من ذلك عدم وجود اتفاقية تنظم استخدام مياه نهري جوبا وشبيلى بين اثيوبيا(دولة المنبع)والصومال(دولة المصب) حسب ما أفادني خبير في القانون الدولي.

دور المنظمات الدولية في صناعة الجوع

تتهم منظمات الإغاثة  الدولية العاملة في البلاد بأنها تلعب دورا محوريا في صناعة المجاعة بسبب من خلال سياساتها المشبوهة في مساعدة المحتاجيين. عندما يتعمّد مثلا برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بتوزيع المساعدات الغذائية في القرى والمناطق المتضررة بالترامن مع موسم الحصاد، ممّا يؤدى إلى انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية في الأسواق المحلية، مما يؤثر سلبا على معنويات المزارعين الصغار ويؤدّى الى عزوفهم عن الزراعة في المواسم القادمة، وهذه السياسة من المنظمات الإنسانية من شأنها أن تعطل الإنتاج الزراعي بالبلاد، وتساهم في صناعة الندرة وعدم الأمن الغذائي ومن ثم المجاعات المتكررة، وهذا ما نقصده بصناعة الجوع.

ومما يثير التساؤل غياب دور الحكومات المحلية في مراقبة ومتابعة عمل المنظمات الإنسانية التي تؤدّي عملها بهذه الطرق المشبوهة؟ وكأنها غير معنيّة  بهذه المنظمات التي تعبث بالأمن الغذائي الوطني؟! والجدير باالذكر أن المنظمات الإنسانية تطلق صيحات تحذيرية عن قرب مواعد الجفاف مع أنها لاتقدم أيّ مساعدات تذكر، مما يثير الشكوك والارتياب حول جدّيتها وصدقيتها.

وضع خطير وإفرازات أخطر

تشير التقارير إلى خطورة الوضع الإنساني في المناطق المتضررة بسسب موجات الجفاف؛ حيث أن مايقارب 4.7 مليون شخص إضافي من سكان الصومال أي مايعادل38% من مجموع سكان البلاد البالغ عددهم 12مليون نسمة يكون بحاجة إلى مساعادة إنسانية من الآن وحتى حزيران/ يونيو من هذا العام بسبب انعدام الغذاء، وأن الأطفال وفئات المسنين يعانون من سوء التغذية، ومما يزيد المعاناة ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الضرورية في الأسواق المحلية. وحسب المنظمات المحلية غير الحكومية العاملة في المناطق المتضررة فان 58000 من الأطفال سيواجهون خطر الموت ما لم يتم إنقاذهم بصورة عاجلة.

وتأتى كل هذه التطورات في ظل ظروف إنسانية بالغة التعقيد تشهدها مناطق من إدارة أرض الصومال وبونت لاند ومناطق من سول وسناج، وأجزاء من منطقة جنوب ووسط الصومال، بالإضافة إلى المدن والقرى الجنوبية الواقعة تحت سيطرة حركة الشباب، حيث طردت الشباب منذ زمن بعيد المنظمات الدولية والمحلية العاملة في مجال الإغاثة من مناطق سيطرتها، وقد جعل جفاف ونضوب مياه نهر شبلى، شتاء هذا العام قاسيا على سكان الجنوب وصغار المزاعين في المناطق التي يمر بها نهر شبيلى الذي يعتمدون عليه في نشاطهم الزراعي.

الجهود المبذولة

بذلت الحكومات المحلية جهودا جبارة لإغاثة متضررى الجفاف في مناطق أرض الصومال وبونت لاند، وهناك مساهمة من بعض الدول العربية الشقيقة منها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في تخفيف وطأة الجفاف عن المواطنين بإرسال مساعدات عينية،

كما أطلقت هيئة علماء الصومال دعوة إغاثة في مؤتمر صحفي عقدته في فندق سفارى في مقديشو في 22 خلال آذار/ مارس الجارى، فقد دعت الهئية كلاًّ من المنظمات الخيرية وخاصة العربية والإسلامية والتجار والمغتربين من الشعب الصومالي إلى إغاثة المتضررين بالجفاف في المناطق الشمالية والشرقية، والوقوف إلى جانب إخوانهم ومساعدتهم في تجاوز هذه الأزمة الإنسانية.

ولم تدّخر الشركات التّجارية الكبر ى في البلاد جهدا في إغاثة المتضررين، فقد ساهمت بتبرّعات سخية للمناطق المتضررة.

كلّ هذه جهود بذلت على صعيد الإغاثة والعون الإنسانيّ للمناطق المتضررة إلّا أنّ هذه الجهود ينقصها التنسيق والتنظيم حتى تحقق غرضها على أفضل وجه. وكانت النتيجة أفضل والمواجهة على قدر التحدّي لو وجدت آلية لتكاتف الجهود وتوحيدها، وتكوين لجان شعبية مشتركة ونزيهة تدير المساعدات الإنسانية وتشرف على توزيعها بدلا من العشوائية التي يتمّ بها الأمر الآن.

المراجع

[1] بسام حسن المسلماني،المجاعة في الصومال الأسباب و الأثا في مقوقع لها انلاين http://www.lahaonline.com/article

[2] انظر وكالة الامم المتحدة للأنباء الإنسانية https://www.irinnews.org/ar/report/5164/%D8%B6%D9%8A%D9%81-%D8%BA%D9%8A%D8%B1-%D9%85%D8%B1%D8%BA%D9%88%D8%A8-%D9%81%D9%8A%D9%87-%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%86

[3]http://gohina.yoo7.com/t446-topic المجاعة في الصومال أسبابها والأثار المترتبة عليها،محمد ابو اليزيد صالح، موقع منتدى النيل،انظر على الرابط التالي:

[4] محمد ولد عبد الائم مفاهيم تتعلق بالأمن الغذائي موقع الجزير http://www.aljazeera.net/specialfiles ة

زر الذهاب إلى الأعلى