حسن الترابي.. الشخصية البارعة في الفكر والسياسة

انتقل الى رحمة الله الزعيم والمفكر الاسلامي  حسن الترابي صباح السبت في الخرطوم عن عمر يناهز 84 عاما اثر اصابته بذبحة قلبية.

واثار خبر وفاة المفكر حسن الترابي حالة من الهلع والفجع في اوساط الامة السودانية والاسلامية والعالمية نظرا لدور الشيخ الكبير في داخل الامة وخارجها ولافكاره وآرائه وقيادته لفكر التجديد الاسلامي ومساهماته الفكرية والعلمية .

ولد الترابي في مدينة كسلا بشمال شرق السودان من عائلة دينية من الطبقة المتوسطة في عام 1932م، وتتلمذ على يد والده الذي كان شيخ طريقة صوفية.

حصل على اجازة الحقوق من جامعة الخرطوم ، ثم على الماجستير من جامعة اكسفورد البريطانية في 1957م ، ودكتوراه من جامعة السوربون الفرنسية  عام 1964م.

والى جانب الفرنسية والانجليزية، يتحدث الترابي الالمانية بطلاقة مما يسهل عليه الاتصال بوسائل الاعلام وبالمفكرين والمؤثرين في السياسة الدولية ، حيث كان الكل يريد التحدث والجلوس معه  .

كان الشيخ مدرسة علمية قيمة ، انبرى للفكر الاسلامي وسعى الى الحث على التفكير والاجتهاد المعاصر والاقتباس من النصوص والمقاصد الشرعية.

كان الشيخ مدرسة في العلم والفقه الاسلامي ، فقد انضم الشيخ الى مدرسة جماعة الاخوان المسلمين عام 1969م واصبح من زعمائها في السودان ، إلا انه انفصل عنها فيما بعد واتخذ سبيله مستقلا ، وانبرى الشيخ  الى نشر الفكر الاسلامي وتربية الشباب الاسلامي وتأهيلهم لقيادة المجتمع في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وقد نجح الشيخ في اخراج اعداد هائلة من الشباب الاسلامي المتدرب على يديه وعلى مساعدي الشيخ، حتى اصبحوا رواد السودان وقياداته العليا.

ورغم مكانة الشيخ في الفكر الاسلامي الا ان هناك جدل كبير بين اوساط المجتمع الاسلامي لبعض الفتاوى التي ادلى بها الشيخ ، والتي لقيت معارضة قوية من قبل بعض العلماء الاسلاميين والذين رأو تطاول الشيخ على الفتاوى والفكر الاسلامي وانتهاجه نحو توسيع الاجتهاد وعدم تقييده وطرق استنباطه للنصوص الشرعية وافتائه بفتاوى تخرج عن السياق العام للفتاوى الاسلامية وتتعلق بمسائل في ابواب العقيدة ، واستخدامه مصطلح القياس الواسع .

فقد نظر الترابي الى الفكر الاسلامي بأنه “قديم” وكان استجابة لعصور خلت لم تعد موجودة في الوقت الحاضر ، فالتجديد عند الترابي يجب ان يصل ويمتد الى كل جوانب الشريعة ، ليصل الى اصول الفقه نفسها ، وهو ما رفضه علماء اجلاء وقدموا نقدا علميا لمنهجه.

وأثيرت اقوال مختلفة حول الترابي ، فيرى انصاره ان الشيخ شخصية محنكة وبارعة  في الفكر الاسلامي وقادرة على التجديد وبارعة في تحريك الاعلام وخطيبا مؤثرا وداعية ، في حين يراه خصومه شخصا له طموح لا يحد ويتفوه باقوال وافكار تخالف الشريعة ومقاصدها النبيلة.

اما في الجانب السياسي فكان للترابي دور كبير في السياسة السودانية وفي الوطن العربي والاسلامي، فقد أيد الشيخ الرئيس السوداني الراحل جعفر النميري بعد موافقة الاخير على تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان .

وبعد سقوط نظام الرئيس جعفر النميري في 1986م شكل الجبهة القومية الاسلامية وترشح الى الانتخابات لكنه فشل.

وقد ساند الشيخ الترابي الرئيس السودان الحالي عمر حسن احمد البشير في ثورة الانقاذ عام 1989م ، وكان من اهم الداعمين للرئيس والمساندين له في الاطاحة بحكومة الصادق المهدي.

وبعد استيلاء الرئيس البشير على الحكم عام 1989م كان الشيخ من اهم المقربين للشيخ ، وكان من اركان صناع القرار السوداني في ذاك الزمن ، حيث كان للرجلين علاقات متينة وقوية ، حتى اصبح حسن الترابي رئيسا للبرلمان السودان عام 1996م ، واختير امينا عاما للمؤتمر الوطني الحاكم في 1998م.

إلا ان العلاقات بين الرجلين لم تدم على النحو المرجو، حيث ان البشير امتعض للصلاحيات الكبيرة التي تمتع بها الترابي ، ولمكانته الكبيرة في المؤتمر الوطني ، وقد صوت النواب على تعديلات هدفها الحد من صلاحيات رئيس الدولة ، مما أثار حفيظة عمر البشير واصدر قرار بتعليق بعض مواد الدستور واعلان حالة الطوارئ وتجريد الترابي من رئاسة البرلمان السوداني في عام 1999م.

واسس الترابي في  عام 2001م حزب المؤتمر الشعبي السوداني المعارض ، وصار اكثر المعارضين السودانيين شراسة في مواجهة حكومة البشير.

ومن هنا بدأ التوتر وانقطعت العلاقات الحميمية بين الرجلين ، واصبح حسن الترابي من اشد المعارضين للرئيس السوداني ، واصبح الترابي صديقا للسجن نظرا لافكاره وآرائه المعارضة للرئيس السوداني عمر البشير،فقد تعرض للسجن لعدة مرات ، الا ان هذا لم ينهه ولم يوقفه عن معارضته للرئيس السوداني .

الا ان الشيخ رحب بالحوار الوطني الذي اطلقته الحكومة السودانية في اواخر عام 2014م ، ودعى الى تلبية دعوة الحكومة السودانية والعمل من اجل الاستفادة من الحوار الوطني السوداني، محذرا بأن امر السودان اصبح في يد القوى السودانية اما ان تحيله الى فوضى او إلى بلد مستقر ، ودعا الترابي الى تشكيل حكومة تدعم الحريات في البلد .

وقد شهدت السنوات القليلة الماضية تقارب بين الترابي والرئيس السوداني عمر البشير بعد 15 سنة من القطيعة ، اعتقل خلالها اكثر من مرة لأسباب مختلفة من بينها التخطيط لانقلاب عسكري على البشير، وانخرط الجانبان في المؤتمر الوطني وسعوا الى توحيد الجبهة الوطنية الداخلية والسعى نحو المصالحة السياسية وانجاح الحوار الوطني بين كافة اطياف المجتمع السوداني.

رحمك الله رحمة واسعة والهمك فسيح جناته … فقد تركت حملا ثقيلا وكنت نجما ساطعا في الفكر والسياسة.

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى