جوهرة في القمامة 1-2

يتساءل البعض عن حيثيات هذا الموضوع وأسباب طرحه في هذا التوقيت الحرج والذي لايستطيع فيه أحدنا أن يتحدث عن الوطن وبتجرد موضوعي دون مزايدات شخصية أوحسابات مصلحية او إنتماءات ضيقة لاتعمل لصالح الوطن بل تراعي مصالح ذاتية وحسابات أفراد مستفيدين ومن يصفقون لهم ويدعمونهم بكل غال ونفيس لغرض في نفوسهم  يضحون بأغلي مايملكون لتمرير مصالح هؤلاء ومشاريعهم الشخصوية  الخاصة وطرحهم الجهوي الذي يكسونه كساء الوطن والوطنية وأبناءالوطن ويختبئون وراء هذا الستار  تحسبهم مخلصين وأصحاب مبادئ ولكنهم في الحقيقة  يخفون وراء هذا الستار  الكثير ممانجهله يدسون سمومهم وراء هذه الشعارات البراقة والجذابة التي تجذب اليهم أصحاب النفوس البسيطة ومن يجهلون قيمة الوطن والوطنية ومن ليس لديهم حسابات خاصة ومن يشتهون الظهورالسريع دون التخطيط المسبق له ودون دفع تكاليف المشوار الباهظة ومن يؤمنون بالصدف الحلوة الذين يوجد النماذج منهم بالآلاف بل الملايين في بلدنا الجبيب بل يوجد من هم أسوا من هذا  النموذج المثالي في هذه السمة.

الغريب في الأمر أن معيار التنصيب والتقلد في هذا المجتمع لم يعد واضحا. ولايراعي فيه السلم الوظيفي ولا يوجد فكرة عما إذا كان هناك تدرج وظيفي متبع في النظم الإدارية الحديثة أم لا، وإذا كان فما من تصور لطريقة نتأقلم بواسطتها مع الوصف الوظيفي  الذي هو  أنموذج شائع ومتداول في الإدارة الحديثة. بل نحن مطمئنون بالاً بأن ندخل من النافذة ونخرج من الباب مباشرة.

ولاتتوقف هذه المشكلة على كبار المسئولين  أوأصحاب المناصب العليا أوالمناصب السيادية فقط بل إن المشكلة عميقة ومتجذرة في أعماق التركيبة السكانية للمجتمع. ولذا يمكن اعتبارها مشكلة اجتماعية ذات طابع عام تمتدّ من الرئيس إلي الخفير. إذ أنّ كل من هب ودب يمكنه أن يتقلد أي منصب سيادي أو أي منصب شاغر ، ولاتوجد معاييرواضحة لقبول المتقدمين للوظائف الحكومية والخاصة. يشغل الواحد ويتنقل بين ألف وظيفة وهو غير متمتع بالمرة بمؤهلات تلك الوظائف وخبرتها العلمية المطلوبة.

دون أدني مشكلة تأقلمنا مع هذا الجو المريح. لسنا بحاجة إلي تعقيدات إدارية وقوانين صارمة ومعايير دقيقة متبعة.

إذا تابعنا الشأن الصومالي عن كثب نتوصل إلي أن الفوضي الخلاقة وغياب الضبط الذاتي والحكومي وعدم احترام القانون هي سيدة الموقف وصاحبة كلمة الفصل والأخيرة، ولاقيمة للنظام البتة كمايراه العالم أن(النظام رمز الحضارة).

الجيل الحالي والوطنية

لاشك أن الأبناء يستقون من آبائهم كل سلوك يقومون به، يحاكونهم تلقائيا تقليداً مطلقاً أعمي،  يتقمصون شخصياتهم من غير وعي مهما كانت شخصيات آبا ئهم تستحق التقمص  أو لا تستحق، فلنتساءل إذن: ماهي القيم التي يتعلمها أبناؤنا منا؟ماهي العادات والتقاليد التي يتلقونها من المجتمع؟ ماهي القدوات المثالية التي يقتدي بها أبناؤنا؟

من غير الإنصاف أن نلوم الجيل الحالي المفرّغ من القيم الوطنية لأنه لم يعش الأيام الخالدة التي يتغني بها الصوماليون والتي يبكيها الآباء والأجداد بمجرد ذكرها أوتذكرها لما كان لها من رمزية وقيمة في النفوس ولما أحيطت به من تبجيل وتقدير،  وتعليم قيمتها المواطنين المهتمين بالثقافة الصومالية الذين سمح لهم حظهم أن يشهدوا المناسبات الوطنية والأيام الخالدة من تاريخ بلدناالحبيب ويتعلموا التراث الصومالي الأصيل والأدب الصومالي والرقصات الشعبية وتقاليد مجتمعنا المجيدة.  لم يعاصر  هذا الجيل أزهي أيام بلدنا، ولم يعثروا على من يروي لهم هذه الصفحة المشرقة من تاريخنا بما يفهمون أويخاطبهم بلغتهم التي يعونها ويستوعبون بها.

يقاضي هذا الجيل الجيل الأكبر منه يدينه ويعتبره أنه أجرم في حقه إذ لم يوفرله حق التعليم المجاني كما تعلم هو بالمجان ودفعت عنه الحكومة الصومالية تكاليف تعليمه من الضريبة التي تم جمعها من المواطنين الكادحين. يشجبه وبشدة ويعتبره جيلاً أنانيًّا لايفكر إلابنفسه، وليست لديه الأهلية لحمل هموم الجيل الحالي الذي أسميه (جيل النكصة) الذي أتي إلي الدنيا وهو يتيم، تيتم وهو في بطن أمه وعند ماأنجبته وافتها المنية وتوفيت في الحال. ولكن الطفل الصغير تمسك بالحياة منذ الصرخة الأولي ولم يستسلم. فتربي بهذا الواقع الأليم ومر  بهذا الظرف العصيب ولم يجد سندا يتكئ عليه أو معينا يلجأ إليه. كان الطفل مليئا بالأمل الكبير ومستشرفا للمستقبل وكان في باله أن (من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة) ولذلك كان مصرا على تحقيق أحلامه ومواجهة كل العقبات والمصاعب بعزيمة وإصرار شديدين متجاوزا التحديات المعيقة ومتخلصا من كل المؤثرات البيئية والمثبطات الجانبية والوسوسة الذاتية بكل جدارة.

إذا الطفل الصغير شق طريقه بنفسه ورسم ملامح المرحلة  لحاله رغم التحديات المتلاحقة ، وهاهو ذا يفرض حاله وبكل عزم وصلابة.

ترعرع أبناؤنا بهذا الوضع المأساوي واللامبالاة الاجتماعية وإسقاطهم من اعتبار وحسابات الكبار . يدرك الناظر عن قرب أن هذا الجيل غير المحظوظ يعاني من أزمة جذرية عميقة للغاية من حيث لم يجد التربية الصحيحة الوطنية، ولم يتلقها من كل مدارس التنشئة الإجتماعية والتربوبة من الأسرة أو المدرسة التعليمية ناهيك بالأصدقاء والمؤسسات الإعلامية التي هي من المفترض أن تقوم بحماية الإرث القومي من الاندثار  والإسهام من جانبها في تثقيف الأجيال الصاعدة بهذا الإرث الوطني الذي يمثل رمز الوحدة والأصالة والانتماء الوطني والولاء القومي والفخر بالصومالية رغم المشاكل والإعتزاز بالوطن بكل شمم وإباء.

إذا لايوجد من يتحمل المسئولية الوطنية. الكل يلقي اللوم علي غيره؛ الأسرة تلقي اللوم علي المدرسة والمدرسة هي الأخري توجه إصبع الإتهام للأسرة والأصدقاء الذين غالبا ما يلعبون دورا سلبيا في العملية التربوية والتعليمية، والعائلة لاتساند المدرسة ولاتأخذ دورها في متابعة الولد والإشراف عليه والمعرفة الكاملة لمن يصادق الولد ويرافقهم ويتأسى بهم ويجعلهم أصدقاءه المقربين ومثله الأعلي في هذه المرحلة المصيرية من حياة الطفل وآلية انتقائه للأصدقاء والرفقاء في المدرسة وفي كل مناحي الحياة. لكن البعض يلقي اللوم علي المؤسسات الإعلامية التي لاتبث برامج هادفة توجه المجتمع وتعلمهم ثقافة بلدهم ومقوماته اللامحدودة ومقدراته من ثروة سمكية وأخري حيوانية وباقي المقدرات التي يتمتع بها الوطن والتي لاتحصي ولاتعد والتعريف بكل خصيصة وميزة يمتار به الوطن وإنشاء جمعيات متخصصة مكلفة بهذا الشأن  العام والوطني

فإذاكان الأباء غير وطنيين ولايعملون من أجل الوطن فكيف يعلمون أبناءهم ثقافة قومهم ويعرفوهم إرث أجدادهم وأفعالهم منافية لهذا الطرح والتوجيه؟ والأبناء يحاكون أفعال آبائهم التي يرونها لايعنيهم ما يملى عليهم مما لايجدونه في الواقع المعاش وحقيقة الموقف تتغني وبحرقة(ومن يشابه أبه فماظلم)

نعم شابهوهم بما يفعلونه وليس بما يقولونه المحشو بإزدواجية منقطعة النظير يحكون شيئا ويفعلون عكسه في الوقت ذاته:

إذاكان رب البيت للدف ضاربا            فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

يتساءل أبناؤنا وهم حائرون تائهون تساؤلا موضوعيا ماهذا التناقض في القول والعمل من آبائنا؟ ماهذا الانفصام في العملية التربوية؟ ولسان حالهم يلهج بالمثل العربي القائل(ماهكذا تورد الإبل).

إضافة إلي ذلك يتساءلون حائرين: أين العقلاء من أبناء جلدتنا؟ أين المستنيرون وأصحاب العقول المستبصرة؟ أليس فينا رجل رشيد؟  إلي متي سيستمر هذا الادعاء المتناقض؟إلي متي نهزأ بعقول أبنائنا المتعلمين؟ ندعي بألسنتنا وجوارحنا تكذبنا في أرض الواقع. حتي الوطنية تشتكي وتقول كفى تهكما كفى زورا وبهتانا كفاني كذبا وادعاءا بما هوغير موجود في الأصل

وكل يدعي وصلا بليلي                        وليلي لاتقر له بذاكا

وأعتقد أن الجيل الحالي غير المحظوظ انطلق مع النكصة نكصة انهيار الحكومة المركزية لم ينل حظه من الإرث الوطني والثقافة الصومالية السمحة التي تدعو الي العمل الجاد والدؤوب والعطاء المتدفق غير المشروط والعيش بكرامة وعدم الإذعان لما يملي علينا بالعلن، والتمتع بخاصية الأنفة والإباءفي وجه أعداءالوطن والصومال

على عثمان إبراهيم

من مواليد عام 1991 خريج كلية الأذاب فسم علوم الإتصال بجامعة إفريقيا العالمية، كاتب صحفي ومحلل إجتماعي
زر الذهاب إلى الأعلى