جماعة ” الأهل” تفك رموزها لأول مرة (4-5)

قصة الوصول إلى القمر! وأشياء أخرى

ضمن كاتبنا المذكرات قصصا مثيرة ذات دلالة تصور الواقع النفسي والمشاهد الذي تحركت في الجماعة، وهي قصص تصور العاطفة الجياشة لدى الشباب المتحمس، وهي قصص على طرافتها تحمل دلالات بعيدة المدى عن اعتمال مشاعر حب الإسلام ومقاومته كل ما من شأنه أن يضعف كيانه. وتدل أيضا على الهموم التي كانت مسيطرة على الحركة الإسلامية الوليدة ” اتحاد شباب المسلمين”.

ومن ذلك الجدل الظريف الذي تجاوزه الناس يومنا فيما يتعلق بالوصول إلى القمر، وهي حادثة “مركبة أبولو11 ” وقصة الوصول إلى القمر..وكيف تفاعل معها الشعب الصومالي بين مؤيد ومعارض قال صاحب المذكرات :

” أعلنت الحكومة الأمريكية أن مكوك الفضاء بقيادة (آرم استرونغ) وصل إلى القمر عام 1969م ولسان حالها يقول آنذاك: إن قوة أمريكا وهيمنتها العالمية تجاوزت الحدود الأرضية إلى العوالم الأخرى، وبالتالي بإمكان أمريكا بعد اليوم الغزو على الكرة الأرضية من العالم الخارجي كالعفاريت…فخلفت الحادثة ضجة كبيرة في العالم بين مؤيد مستسلم متفاعل مع الحدث، وبين معارض غاضب منكر لها..وهكذا كان الحادث يلعب دور الانبهار بالولايات المتحدة والاعتراف لها بالفوقية.. وكانت هناك في القرن العشرين قضية أخرى مثيرة للجدل ذات علاقة بالموضوع وهي ” موقف المسلم من العلوم التجريدة والنظريات الحديثة” التي كان الغرب يستخدمها كآية ومعجزة في عبقريته وتقدمه وغزوه..وكانت رؤية بعض الشباب من هذه القضية متقاربة مع التوجهات التقليدية المذكورة، مع أن البعض كان يرى نوعا من الازدواجية بين العلوم التي يتلقاها في المختبر، وبين رفض بعض المتدينين الذي هو ينتمي إليهم..كانت الطليعة أو الأحرى قائدها يرى في ذلك الوقت أن ادعاء وصول القمر لا يعدو على غطرسة فرعون الذي قال في زمانه ” وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب….إلا في تباب)[ غافر:36-37]. وكانوا يقولون إن الوصول إلى القمر كذب في كذب، وكانت هناك صيحات شبيهة تأتي من العالم الإسلامي. وفي هذه الحالة أفتي قاضي القضاة ( علي صلاة) الصومالي بصحة مزاعم الأمريكان، وأن آية من كتاب الله تؤيد إمكانية الوصول إلى القمر وكان رأيا تفرد به، واستدل قوله تعالى ” يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان”[ الرحمن:33]. أي بقوة. وقال: الأمريكان وصلوا إلى القمر بالقوة والعلم على حسب تفسيره. أعجبت هذه الفتوى الأمريكان، وعُلِقت الآية الكريمة على لوحة الإعلانات في السفارة الأمريكية في حي شنغاني بمقديشو، واستلم الشيخ جائزة ” الجنسية الأمريكية” من الولايات المتحدة بسبب هذه الفتوى الدينية المؤيدة لقوة أمريكا،… واستقبل في جميع الولايات الأمريكية كمنجم عالمي، وعاش في أمريكا حتى وافته المنية فيها قريبا. اعتبر بعض الشباب هذا التفسير تلاعبا وإهانة لكلمات الله يستخدمها عدو لا يؤمن بها لأغراضه الخاصة أو لخيانته العظمى حسب رؤيتنا آنذاك ، وأن على الجماعة أن تنقذ الآية الكريمة (الأسيرة) من العدو الذي اختطفها بالقوة من السجن المهين، واقترح بعض الشباب الهجوم على السفارة، وكسر الزجاج وجهزنا كتيبة مسلحة بالعصي لهذا الهجوم، وتحركت المجموعة حتى وصلت إلى السفارة ( بعد أضحكهم أميرهم عبد الكريم حرسي بالظرائف وأشربهم أكوابا من الشاي فهدأت حماستهم قليلا)  فوجدت مكتظة بالبشر كالجراد ، والجدال يدور بين مؤيد للحدث وغاضب رافض، وهكذا كانت أزقة مقديشو كلها ليلا ونهارا إذا كانت الحادثة تزامنت في الليالي المقمرة..وأصبح الجدل حولها حديث الساعة، وكان فيلم وصول القمر يعرض في المركز الثقافي في السفارة يتفرج الناس به مجانا والنزاع في عنفوانه بين الداخلين والخارجين…وبينما المجموعة تلوَح بالعصي استعدادا للمعركة فاجأهم أمير الجماعة عبد الكريم حرسي -الذي كان أكبر منهم سنا وأكثر تجربةو قد تظاهر ولا بالموافقة- قرارا بالانسحاب قائلا:” لا داعي لاقتحام السفارة، بل نرجع سالمين غانمين”، وذكر أنهم فيما بعد اقتنعوا بتفسير الشيخ محمد معلم الذي هوَن من شأن المسألة وقال للشباب المتحمسين بحكمة:” إن القمر ليس بعيدا عن الأرض كما قال علماء الفلك أنفسهم ، وأن الوصول إليه يعتبر بالنسبة للمجموعة الشمسية الأخرى كمن خرج من بيته إلى فنائه، وأن أقطار السموات والأرض أوسع بكثير مما نتصوره، ولا يمكن بأي حال تجاوزها” وقال أو موسى: ” اقتنعنا بجوابه ووضعنا الحدث عنا جانبا وقرأنا كثيرا قوله تعالى ” فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ”  ص:101-106، مخطوط، باختصار وتصرف)).

الداعية المدخن!!

من الظرائف أن الناشط في اتحاد الشباب المسلمين- الأهل لاحقا- عبد القادر شيخ محمود –أمير الحركة لاحقا- تكلم مع عمه إبراهيم حرزي الذي أراد أن يسافر إلى مقديشو لمساعدة قريب له في حملة الانتخابات البرلمانية عام 1969م فشرح له موقف الإسلام من الحاكم الذي لا يحكم بكتاب الله، وأن تلك المسألة تتعلق بالكفر والإيمان وقال له: حفظا لدينك ولعقيدتك ولآخرتك تنازل عن مساعدة نائب لنا في البرلمان، فاقتنع الشيخ إبراهيم حرزي بما قال له ابن أخيه الأصغر منه سنا، وتنازل عن مشاركة هذا العمل ومساعدته، ولكن عبد القادر كان يشرب الدخان ولا يستغرب أحد في ذلك الزمن لمن يدخن إذ كان دليل التمدن، فقال له: إنني مقتنع بكل ما قلت واستدلالك بآيات من الذكر الحكيم واضح وضوح الشمس، وسأعاهدك أمام الله أنني لن أشارك بعد اليوم مساعدة من يدخل في البرلمان؛ لكن يا ابن أخي هذا المستوى العالي من الدعوة لا يليق لمن يشرب الدخان، فقال: هذا آخر عهد لي في الدخان، ورمى الدخان الذي عنده، ثم أوقف جميع المنبهات حتى الشاي والقهوة ” ( مذكرات أو موسى، ص: 129، مخطوط ).

 حملة ضد ” الكوميديا الإلهية”!

أورد عبد القادر أو موسى في مذكراته القصة التالية ” قامت الجماعة بحملة ضد كوميديا الإلهية Divina Commida للأديب الإيطالي دانتي المتوفى عام 1320م وكان شعرا مقررا في بعض المدارس الإيطالية، كمادة دينية تدرسها الراهبات للطلبة اقتبس الأديب الإيطالي المعومات عن قصة الإسراء والمعراج، ونظم شعرا بلغته الإيطالية، وفي تجواله المزعوم في الجحيم يعاين دانتي النبي محمد-صلى الله عليه وسلم- وعليا-رضي الله عنه- في الدائرة التاسعة من الجحيم ( الدرك الأسفل) قرب الشيطان، حيث حشر مثيروا الصدامات والانشقاقات الدينية. وكانت الراهبات يوزعن المناديل على الطلبة لمسح الدموع عن العيون أثناء إلقاء درس الشعر المذكور الذي يتحدث عن النار وأهوالها. قاومت الجماعة هذا الشعر الملعون، وطلبت من وزير التربية والتعليم آنذاك إلغاء هذا المقرر من المدارس، وقادت ضجة كبيرة، ومظاهرات عمت المدارس، واجتمعت مع الوزير في لقاء علني في شبيلى، رفضت الجماعة خروج الوزير من القاعة حتى يستمع شكواها فاضطر إلى استماع الشكوى مما أدى إلى إصدار قرار بشطب العبارة المسيئة للرسول-صلى الله عليه وسلم- وإلى أمير المؤمنين علي-رضي الله عنه- فقط من المقرر، معللين بذلك أن هذه المدارس أسست بأموال شعب مسيحي، ولا يمكن أن تستمر إذا لم يساعدها هؤلاء، وما فعلوا ذلك إلا لتأسيس مدارس يكون الإنجيل من مواده. لكن الجماعة لم تقتنع بهذا القرار بل واصل الإخوة في المظاهرات والخطب في الأماكن العامة، وامتنع الطلب عن دخول الفصول، طالبين بإلغاء الكوميديا الإلهية من المقرر، وليست فقط العبارة المسيئة للرسول-صلى الله عليه وسلم – ولصحابته الكرام، فاضطرت الوزارة إلى إصدار أمر إلغاء المقرر المهين ( مذكرات أو موسى، ص112-112، مخطوط) ويقصد بالجماعة هنا ( اتحاد الشباب المسلمين الذي سمي بالأهل في وقت لاحق وقد أنشئ عام 1968م.

وللحديث بقية

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى