جماعة (الأهل) تفك رموزها لأول مرة (3-5)

من تكفير( الحاكم) إلى (المحكومين)

أشرنا فيما سبق إلى أن الجماعة منذ البداية كانت ثورة ضد العلمانية بكل مسمياتها من اشتراكية أو رأسمالية، وأنها أعلنت الحرب والنكير على القوانين الغربية ومنفذيها، ورفضت الاشتراك في الانتخابات وقاطعت أحزابها ومؤيديها، ثم بدأت المرحلة التي اشتهرت الجماعة باسم ” الأهل” بعد حل المنظمات الدينية ،واستمرت هذه المرحلة إلى منذ منتصف السبعينيات من القرن الميلادي المنصرم 1976م تقريبا حيث أجرت الجماعة تطويرا في منهج تغييرها وأساليب دعوتها على شكل مراجعات فكرية بعد إقامة (محاضرات حول تجديد المفاهيم) وخلاصة هذا التطور يتمثل أن فكر الجماعة تطور من قصر التكفير على (الحكام) إلى (تكفير المجتمع) بحجة الاخلال بكلمة التوحيد حيث إن لها معنى وشروطا معروفة…وأن أي غبش في التصور وفي التوحيد أو تشويه في المفاهيم والاعتقاد أو شذوذ في السلوك أو انهزام في الضمير والروح حولها يؤثر على جوهر الإسلام وجوهر الالتزام ( أو موسى، مخطوط)، وجعلوا من حيثيات تكفير المجتمع (انتشار “شطحات المتصوفين العاكفين على القبور والشرك المشاع في البلد كالدعاء لغير الله).”–علما بأن أعضاء الجماعة في بدأ أمرهم يشاركون في احتفالات الصوفية وينشدون القصائد- .

بعث الأمة المسلمة من جديد

وبهذا اعتبرت الجماعة نفسها “لبنة بعثية للأمة المسلمة ” التي انقطع ووجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله-، وليس “حركة إصلاحية” تحاول ترميم القوانين الغربية باسم الإسلام، إشارة إلى فكر وهتافات الإخوان المسلمين في ذلك الزمن باسم ” إصلاح القوانين” ونتيجة لذلك تخلت الحركة عن مسألة الانقلاب والانضمام إلى الجيش بهدف إنشاء جناح عسكري بعد أن اتسعت مطالعاتهم واقتنعوا بأن الطريق إلى ” حكم إسلامي” طويل ومحفوف بالمخاطر،( المصدر السابق، ص 215)

وقال أيضا: ” قلنا: إن هذه الأمة التي تدعي أنها هي الأمة المسلمة، أحاطت بعقيدتها غيوم من الجهالات والظنون الفاسدة.وعمليا: هي تتحاكم إلى قوانين الكفر، ومن ثم لا فائدة في بذل القوة لإصلاح القوانين الحالية، فلا بد من إعداد جماعة بعثية تحدث انقلابا إسلاميا على التصور وتؤسس لهم بعد ذلك دولة على أسس إسلامية..ولابد من التدرج.. ” ص: 293.

ثم انفتح باب الحديث عن”  دار الكفر” و” دار الإسلام” وتبنت الحركة رأيا يقول: “إن دار الكفر هي الدار التي تظهر أو تسيطر عليها أحكام الكفر” وأن الفقهاء جوَّزوا في دار الكفر الموافقة في الهدي الظاهر كاللباس والهيئة لأهل الكفر؟!!

ثم تطور الأمر إلى تكفير أئمة المساجد الذين اتبعوا سبيلا غير سبيل المؤمنين ، وبدأ إقامة صلاة الجماعة في قعر البيوت واعتزال المساجد ( مذكرات أو موسى، ص 299-300، مخطوط) ثم جاءت صيحة السلفية واعتبرت تلك الرؤية بدعة ما أنزل الله بها من سلطان وشنت عليها بالهجوم ( المصدر السابق، ص: 300).

 هل استوردت  الجماعة منهج التكفير من مصر؟!

وفيما يتعلق بالارتباط بمصر واستيراد مؤلفات تضخ بتكفير المجتمع يقول صاحب المذكرات: “الحقيقة أننا لم نستورد من مصر شيئا، ولم يكن أي علاقة بالجماعة التي أطلقت الصحافة والمتأمرون بالتكفير، ولم نلق شخصا واحدا منتميا إليها أو متأثرا بها، مع أنه ليس فينا عقدة من هذه الجماعة التي تلقت من الغرب ومن الطواغيت المحن والإعدامات، وإنما كانت المحاضرات محلية ( أي محاضرات لتجديد المفاهيم ومراجعة منهج الحركة منتصف السبعينيات) تستقي مفاهيمها من القرآن الكريم والسنة بطريقة مباشرة ، وإن كان بعض التأثيرات من المفكرين الإسلاميين الذين واجهو الاستعمار وأذنابه بمدافع أقلامهم وصلتنا  وزادتنا اشتعالا مثل حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب، وأبو الأعلى المودودي والندوي وعبد القادر عودة وغيرهم ( عبد القادر أو موسى، مذكرات أو موسى، ص 286، مخطوط).

انشطارات الأهل وعوامل ذلك

القسم الأكثر إثارة هو تقييم صاحب المذكرات للاضطرابات التي مزقت الأهل إلى أشلاء منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وانتهت بانشطارات خطيرة وهزات عنيفة أحالته إلى قصاصات تمثلت بالجماعة الإسلامية وبحركة الإصلاح وإلى الباقين في الحظيرة الأولى.. وقد عزا ذلك إلى قابلية البعض لما سماه “بالرق الفكري” ، وقال : ” إن أخطر ما تكون الأفكار خاصة ” الأفكار المنحرفة” والمفاهيم المغلوطة إذا تبنتها ودعت إليها سياسة دولة والأخطر من ذلك إذا دعم بنصوص دينية، فالسلاطين والملوك وأهل الجاه لهم هيبة في قلوب العامة تضعف معها القلوب، كما لأقوالهم ولأفكارهم هيبة تكسر حصون العقل المحكمة وأبوابه تنفذ إليه…”

وقد ذكر مرحلتين من الاضطراب، المرحلة الأولى مع طالبين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وهما : علي أحمد أبوبكر، والأخ محمد يوسف الحائزين الآن شهادة الدكتوراة- والكلام لصاحب المذكرات-… أما الأول فذكر أنه كان زميله في ثانوية حمر ووصفه بالتفوق والاهتمام في الدراسة وميوله الإسلامية وقال:( لم يكن يعرف شيئا عن الحركة الشبابية الذكورة التي كنت من روادها بمعنى أنه لم يشترك في أنشطتها، لكنه كان يتابع العمل الإسلامي العام ومتعاطف معه، وكان يعلق على محاضراتي في الفصل”. وأما الثاني فذكر أنه تعرف عليه لأول مرة في لقاء بجدة عام 1975م، وخلاصة ما قال عنهما أنهما أخبراه-أي كاتب المذكرات ورفاقه- أنهم أسسوا حركة إسلامية صومالية إخوانية التوجه تابعة للإخوان الدولي، وأنهم استطاعوا جمع إحدى عشر عضوا في التجمع الجديد، وطلبوا منه أن يكون العضو الثاني عشر في هذه الجماعة، وذكر تفاصيل كثيرة منها أن الأخوين السابقين جادلا بوجود حركة اسمها ” النهضة” في الصومال، وأن الحركة الجديدة (الإصلا) امتداد لها، وأبدى صاحب المذكرات استغرابه لذلك بل اعتبر ذلك كذبة خطيرة غير مبررة لأن حركة النهضة ذهبت مع الريح ولم يعد لها وجود وألغيت بقرار حكومي في بداية الحكم العسكري، وانتهت هذه المجادلات بانسحاب الكثيرين من الحركة وتأسيس حركة الإصلاح بقيادة الشيخ محمد أحمد ” جريري”.

المرحلة الثانية من الاضطرابات الداخلية

 وكان مشعل الاضطرابات هذه المرحلة الشيخ عبد العزيز فارح محمد -رحمه الله- الذي كان ذكيا بالفطرة وشخصية محبوبة لطيفة حسب صاحب المذكرات ، وقد سافر إلى السودان وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين اتجاه حسن الترابي، وانبهر بقيادته الجديدة الحائزة على العالمية من السربون الفرنسية، وتزامن وجوده في السودان صدور كتب تتكلم عن ما سموهم التكفير والخوارج مثل كتاب المستشار البهنساوي، وكتاب القرضاوي فقرأ الكتابين على ما يبدو، رجع إلى الصومال زائر ومضيفا للدولة، ونائبا عن الجالية الصومالية في السودان وحضر احتفالات أكتوبر عام 1978م جاء من السودان تدفعه العاصفة الزمنية فوبيا من مصطلح ” الكفر والتكفير” يحمل هدية فكرية إجبارية لإخوانه القدامى الذين تربى بأيديهم، ونقل إليهم إفرازات معركة الخلافات التي دارت بين الإسلاميين في الوطن العربي والتي أدت إلى الانشقاقات( مذكرات أو موسى، ص 311) .

الهدية الإجبارية التي جاء بها الأخ المرحوم عبد العزيز تتلخص في أمرين: أولا: حصر الكفر بالجحود والاستحلال سماه بحثا نفيسا راجع فيه 18 تفسيرا من التفاسير المعتمدة، قال: اتفقوا وانعقد إجماعهم على أن الحاكم الذي لم يحكم بكتاب الله لا يكفر إلا إذا استحل أو أعلن الجحود، وأن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- ترجمان القرآن فسر بذلك قوله تعالى ” ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون” [ المائدة/44] وقال: كفر دون كفر أو ليس الكفر الذي تذهبون إليه، وقال –أي عبد العزيزفارح- مستهزئا: خرج من هذا الإجماع الأستاذ سيد قطب في تفسيره الشاذ. ثانيا: موقفه من القانون الدولي: قال أنه علم في بحثه النفيس هذا ومن المتخصصين في علم القانون الدولي أنه يعتمد على الشريعة الإسلامية، وفقه علمائه في تقنينه بنسبة 80% أما 20% الباقية أخذت من مصادر غير إسلامية ومن هوى واضعيه..فإذا طبق الرئيس جحودا بالشريعة واستحلالا بالكفر يكفر وإلا يعتبر خطأ وذنبا تلحقه التوبة ويمحوه الاستغفار..

هذه خلاصة دعوته الإجبارية، أو بالأحرى فتواه الدينية.. والحقيقة أن هذه الفكرة لم يقترحها هو ولا أساتذته في السودان، ولا استنتجه من التفاسير المعتمدة بل كانت عاصفة عالمية مدعومة من القوى الغربية والقوى الخفية تناولته الصحافة العالمية ودوائر النشر العربية كالببغاء..قال: ذهب-اي الشيخ عبد العزيز- حرا ورافضا كل ما قيل له، وتحركا طليقا في عمق الحركة السرية، كان يتصرف بطريقة غريبة كنبل خرج من قوسه لا يوقفه إلا أداء مهمته، بدأ يجمع الأفراد ويكشف الأسرار، ويحاضر المجموعات والأفراد سرا وعلنا كما التقى مع هوامش الجماعة له القدرة في عرض ما يفرق، واستطاع جمع عدد تأثر بشبهاته..جاء لاذعا يتكلم من علٍ يفرض أفكاره ومفاهيمه التي نقلها من السودان فرضا شديد الاستهزاء خاطب الجماعة كأستاذ يؤنب تلاميذه الأشقياء، ومشكلة الأخ عبد العزيز كانت أنه خرج من الصومال، والجماعة تعمل تحت ضغط السرية يتحرك أعضاؤها فقط عندما يحل الظلام فوجد في السودان أفكارا طليقة تعمل نهارا تحت الشمس، تتشاجر الأفكار في النوادي والطرقات.(ص: 312 مخطوط).

وقال: بدأ يؤسس جماعة جديدة على فكره، وبدأ يأخذ البيعة سرا بعشرة أفراد تأثروا كلهم برؤيته..وللتاريخ أقول: إن الأخ المرحوم عبد العزيز فارح كان أول من يضع رأس المعول على وحدة الحركة وحاول هدمها وتمزيق شملها مهما كانت نيته فإنما الأعمال بالنيات” مذكرات عبد القادر أو موىسى ، ص320 )).

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى