المرأة المسلمة والعولمة             

قضية المرأة من القضايا المثيرة عالميا حتي خصص لها يوما يسمى بيوم المرأة العالمي , جاء ذلك بعد صراع طويل ومرير  التي خاضت المرأة الغربية لاستعاذه حقوقها المسلوبة فظهر في الغرب ما يسمى ب الحركة النسوية .    

يعرف معجم ” ويبستر” الفلسفة النسوية بأنها النظرية  التي تنادي بمساواة الجنسين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, وتسعى كحركة سياسية إلى دعم المرأة واهتماماتها, وإلى إزالة التمييز  الجنسي الذي تعاني منه .

كما يعرفها معجم أوكسفورد ” هي الاعتراف بأن للمرأة حقوقا وفرصا مساوية للرجل ” وذلك في مختلف المستويات العلمية والعملية “.

موجبات ظهور الحركة النسوية : 

هذه الحركة هي نتاج تاريخ وثقافة لمجتمع معين في مجال جغرافي محدد.

فقد عاشت المرأة الغربية فترة طويلة من التاريخ الغربي في واقع مؤلم جدا, عانت منه التحقير ,والتهميش, والسطوة, بسبب النظرة الدونية التي شكلت الثقافة الغربية السائدة آنذاك في أوساط المجتمع الغربي تجاه المرأة والمأخوذة من التراث الديني المحرف, والتراث الفلسفي .

فالمرأة في التراث اليهودي والمسيحي  المحرف  هي أصل الخطيئة؛  باعتبار أنها هي التي أغرت آدم بالخطيئة الأولي عندما أكلت من الشجرة, فالرب عندما فعلت هذا الفعل حكم بسيادة الرجل عليها نهائياً.

يضاف إلى هذا موقف رواد فلاسفة الغرب والمفكرين  تجاه المرأة والتي سطرتها كتبهم, بدءا من (أفلاطون) الفيلسوف اليوناني المشهور الذي يصنف المرأة في عدد من كتبه ومحاوراته مع العبيد والأشرار ومع المخبولين والمرضى إلى الفلاسفة المتأخرين مثل (ديكارت) من خلال فلسفته الثنائية التي تقوم على العقل والمادة: فيربط العقل بالذكر ويربط المادة بالمرأة .

هذا الموقف التراثي الديني المنبعث من التحريف الموجود في العهدين القديم والجديد مع موقف هؤلاء المفكرين والفلاسفة هما الموجبان الرئيسان لهذه الحركة النسوية.(1)

مطالب الحركة النسوية :

تسعى الحركات النسائية إلى تحرير المرأة ومساواتها المطلقة بالرجال انطلاقا من المبدأ الليبرالي القائم على فكرتي الحرية والمساواة المطلقتين, وفي سبيل ذلك خاضت الحركات النسائية الغربية صراع طويل, ففي بداية مشوارها مرت مراحل بدائية بسيطة بدأت كحركات احتجاجية ضد ظلم المرأة, ورفض التمييز  على أساس الجنسي حتي تحولت إلى تنظيمات فعالة, تطالب بحقوق المرأة المتنوعة, بدأت أولا في تحصيل الحقوق الأساسية  كحصول حق التملك, وحق التعليم, وحق العمل,  ومن ثم تحصيل الحقوق الاقتصادية والسياسية  وتحقق لهن المطالب الآخر تلو الآخر  مستخدمين شعار  الحرية والمساواة المقبول والمرحب في عالم الغرب .

مفهوم قضية تحرير المرأة لدى الغرب :

الحداثة الغربية(الليبرالية ) قائمة على أساس الحرية المطلقة والمساواة التماثلية وهي المطالب التي نادت بها الثورة الفرنسية, و الأمريكية في القرن الثامن عشر , وعلى هذا الأساس قام النظام العالمي المعاصر  ( الأمم المتحدة ) .

فالحركات النسائية  في الغرب من جانبها سعت إلى تحرير  المرأة وفق المبادئ الليبرالية, تعني إدا قضية تحرير المرأة لدى المفهوم الغربي إزالة كافة أشكال العوائق التي تحول المرأة مساواتها بالرجل, ومرت الحركة مرحلتين سميت المرحلة الأولى ب نسوية المساواة, وسميت المرحلة الثانية ب نسوية الجندار  أو نسوية النوع .

بدأت هذه الحركة الأخيرة في عام 1960م، وأخذت منحنًى مختلفًا في أيدولوجياتها ومطالبها، وأصبحت تحمل ايدلوجية شاذةً وغريبة .

Genderتبنَّت النسوية المعاصرة مفهومين أساسيين كقاعدة لعملها: هما: مفهوم النوع,

.Victimوالضحية، 

جاء في ورقة عمل قدمت إلى المؤتمر  التاسع للندوة العالمية للشباب الإسلامي, عام 1423ه بعنوان : ” الحركة النسوية الغربية وآثارها في ظل الانفتاح العالمي ” للدكتورة نورة بنت عبد الله بنت عدوان, أن أهداف الحركة الأخيرة هي على النحو التالي :

1)تعزيز الاعتقاد بعدم وجود فروقٍ بين الذكور والإناث، وأن الذكر مماثلٌ للأُنثى في الخصائص العقليةِ والنفسية، ومحاولة تأكيد هذا الاعتقاد عن طريق الدراسات والمقالات والكتب 

وزرع مصطلح النوع وذلك بإقرار ” لتأكيد هذا المفهوم في البنية الاجتماعية والفكرية للمجتمع،

اللواط، والقضاء على الزواج التقليدي بين الرجل والمرأة، وإقرار الزواج من الجنس الواحد، وتقويض الأسرة الطبيعية، ويضاف إلى ذلك كله تغيير التشريعات وتوحيدها للجنسين، واعتبار أن الأسرة والأُمومة والزواج التقليدي من أسباب قهْر المرأة، وأن وجوده يشكِّل عبئًا على المرأة هي ليست في حاجة إليه، وإنما العقلية الاجتماعية التقليدية هي التي فرضته عليها، وأن هذه الأدوار التقليدية كلها أعمالٌ غير مُربِحةٍ للمرأة؛ تبذل فيها وقتها وجهدها، ولا تتقاضى عليها أجرًا.

2) تسعى الحركة النسوية – عبر تكريس مفهوم الضحية إلى التأكيد على أن المرأة ضحية  للهيمنة الشيطانية للرجل، التي تبناها بوعيه، وأَدَّت إلى هذه الحالة الوضيعة للمرأة؛ فالمرأة في نظرهم ضحية لاغتصابه، وضحية لعنفه، وضحية لتحرشه الجنسي، وضحية في جميع المواقف التي تجمع بينها وبين الرجل، وأن المرأة غيرُ ملزمةٍ بتحمُّل كل هذه الأضرار، بل ينبغي حمايتها منه، لاسيَّما وأنها لم تعد بحاجة إلى الزواج من رجل لتوفير احتياجاتها الاقتصادية ..

3) التأكيد على مفهوم الاغتصاب، والعمل على تثبيت هذا المفهوم عن طريق دراسات ومقالات تؤكد أن جميع الرجال يمارسون الاغتصاب للنساء، وقد ظهر كتاب مشهور يروِّج لهذه النظرية اسمه( جميع الرجال مغتصبون ).

ووَفقًا لهذه النظرية فإن أيَّة علاقةٍ لا تخضع لرغبة المرأة تعدُّ اغتصابًا حتى ولو كانت من قبل الزوج .

4) إعطاء المرأة الحريةَ المطلقةَ في مجالات العلاقات الجنسية، وكذلك إعطاؤها الحق أن تحدِّد نوعها الجنسي الذى تريده، وأن تمارس العلاقة الجنسية مع مَن يروق لها خارج أو داخل إطار الزواج، واعتبرت أن التحكُّم في عملية الإنجاب هو حقٌّ خالصٌ للمرأةِ دون زوجها.

5) تشجيع الزواج من نفس الجنس ( الشواذ ) والمطالبة بحمايته دوليا, والاعتراف به, حتى لا تشقى المرأة بالحمل والإنجاب . (2)

عولمة قضية المرأة الغربية :

روجت الحركات النسائية  الغربية في عولمة مبادئها ومطالبها كي تخرج من نطاقها الغربي إلى نطاق عالمي, من خلال التشريعات والاتفاقيات الدولية, وأهم اتفاقيتين  في هذا الشأن التي صدرت من الأمم المتحدة هما :

أ-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان(1948م)، وهو ينص على عدم التمييز على أساس الجنس, وعلى تحقيق المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة, وحرية الزواج خاصة في المادة السابعة والمادة السادسة عشر.

ب – الوثيقة الثانية وهي الأهم والأخطر من بين هذه الاتفاقيات فيما يخص المرأة اتفاقية(سيدو) أو (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة) عام ( 1979م)، وهي اتفاقية مكونة من 30 مادة، وموادها الست عشر الأولى تؤكد على عدم التمييز وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وتشجيع الاختلاط بين الجنسين والمساواة بين الزواج والطلاق .(3)

واعترف ب  يوم ثمانية مارس اليوم العالمي للمرأة, بعدما كانت أمريكية .

مدى موائمة هذه التشريعات بالمجتمعات المسلمة :

لكل مجتمع له خصوصياته الاعتقادية,  والثقافية,  والاجتماعية, التي ينطلق منها, فالخلفية الفكرية والفلسفية والعلمية  التي تحدد مسار تحرير المرأة أو تحررها في الغرب مرجعية تتناقض تماما مع مرجعية  المجتمعات الاسلامية . (4)

فالتشريعات الوضعية وخاصة المتعلقة بالمرأة تتضمن نصوص كثيرة مخالفه للشريعة الاسلامية, علي سبيل المثال لا الحصر,  المادة (16) من اتفاقية  “سيدو ” تنص –  بأن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص, تضمن على أساس المساواة بين الرجل والمرأة  ما يلي:

فقرة (ج) نفس الحقوق والمسؤوليات أثناء الزواج وعند فسخه.

فقرة ( د) نفس الحقوق والمسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال وتبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأعراف، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني، وفى جميع الأحوال يكون لمصلحة الأطفال الاعتبار الأول،

وهذه تتصادم تماما مع نصوص الكتاب والسنة المتعلقة في هذا الشأن .

  والأعجب من هذا أن قالب الاتفاقية  قالب قانوني ملزم كما هو واضح في المقدمة, والمادة الثانية من الاتفاقية في الفقرة (ي) تفرض الدول الموقعة للاتفاقية بتعهد إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة .

بالنسبة لاتفاقية سيدو  يعتبر  تمييزا قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ), كما أشرنا آنفا في المادة (16) فقرة (د) ويجب الغاؤها وموائمتها مع التشريعات العالمية, .

وقعت كثير من الدول الإسلامية هذه الاتفاقية, بسبب ضغوطات الأمم المتحدة , وبالتالي يجب عليهم بناء على توقيعهم المعاهدة بتعهد إلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزا ضد المرأة, بما فيها أحكام الشريعة الاسلامية الواردة في نصوص القرءان الكريم والسنة النبوية, لأن بالنسبة لاتفاقية سيدو  يعتبر  تمييزا قوله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ), كما أشرنا آنفا في المادة (16) فقرة (د) ويجب الغاؤها.   

الجدير بالذكر  أن بعض الدول الاسلامية متحفظة عن بعض بنود الاتفاقية مثل المملكة العربية السعودية, ولاتزال الضغوطات عليها قائمة . 

مع أن هذا الإرغام والفرض ,  يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على احترام كافة الأشكال الحضارية وكافة نظم الاعتقاد الدينية, لكن النظرة الغربية  لا تعترف بالقيم الدينية و الخصوصيات الحضارية (5)

من المفارقات تعميم  وفرض ثقافة مجتمع معين على مجتمعات أخرى بينهما الفوارق الحضارية والثقافية, فالمجتمع الإسلامي ليس عنده إشكالية في عدم توفر التشريعات, فالتشريعات الربانية المتمثلة في ( الكتاب, والسنة ) غنية بتشريعات تصلح للبشرية جمعاء وإنما تنحصر  الإشكالية لدى المجتمع الإسلامي  في التطبيق .

ولهذا مهم لكل من يرغب في إصلاح وضع المرأة في المجتمعات الاسلامية ان يتخذ المرجعية الاسلامية من القرآن والسنة ويكون الملاذ فيهما والتصحيح من نصوصهما.. ولنا في الآية الكريمة خير دليل ومرشد (قل إن هدى الله هو الهدى) . (6)

المصادر و المراجع :

(1)د. إبراهيم الناصر, الحركة النسوية الغربية ومحاولات العولمة 1/2,منشور في موقع المسلم http://almoslim.net/node/82674

.1/5/2013 (2)د. أحمد إبراهيم خضر , ماهية وأهداف الحركة النسوية, شبكة الألوكة, 

                                                                        http://www.alukah.net/culture/0/53861/

(3)د. إبراهيم الناصر, مصدر سابق .

(4)د. نورة السعد, المفهوم الغربي لقضية تحرير المرأة , موقع الرياض, بدون (ت).

http://www.alriyadh.com/18864

(5)د. تيسير الفتياني, اتفاقية ” سيداو”  في منظور الشريعة الاسلامية, منشور في موقع بوابتي, بدون (ت).

http://www.myportail.com/actualites-news-web-2-0.php?id=3087

(6)د. نورة السعد, مصدر سابق .

   

زر الذهاب إلى الأعلى