السعادة المفهوم والمعايير

نشرت شبكة الحلول المستدامة التابعة للأمم المتحدة   في السابع عشر من الشهر الجاري التقرير السنوي الرابع للسعادة الدولية, والذي قدم دولا تعاني من أزمات مختلفة وأخر  دولا تنعم بالأمن  والاستقرار , أثار هذا الأمر تساؤلات حول مفهوم السعادة ومعاييرها .

فالسعادة والكلام بها أصبحت محل اهتمام الناس جميعا بمختلف أزمانهم وأجناسهم, واعتقاداتهم, إلا أنه يكاد الجميع يجتمع بأن ماهية السعادة هي شعور ينبع من داخل النفس وهو الشعور بالرضا والغبطة والطمأنينة والأريحية والبهجة.(1)

تباينت الآراء في مكمن وسر السعادة الذي يحقق الشعور بالرضا والطمأنينة النابعين من الداخل,  والسبب يعود الى اختلاف المنطلقات والاعتقادات, فالبعض يربطها بالمعنويات البحتة,  مثلا أفلاطون الفيلسوف اليوناني اعتبر أن السعادة هي فضائل النفس: (الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة)، واعتبر أن الإنسان لا يسعد السعادة الكاملة إلا بعودة روحه إلى العالم الآخر, وأرسطو ذهب أبعد من ذلك حيث اعتبر السعادة هبة من الله، واعتبرها تتكون من خمسة أبعاد؛ وهي: صحة البدن وسلامة الحواس، والحصول على الثروة وحسن استخدامها، والنجاح في العمل وتحقيق الطموحات، وسلامة العقل وصحة الاعتقاد، والسمعة الطيبة والاستحسان من الناس.(2)

والبعض الآخر يربطها بالماديات البحتة دون اعتبار  بالمعنويات, وهذا ما يبدو واضحا في المعايير الدولية لمؤشرات لسعادة, فالمعايير الدولية  لقياس مستوى السعادة لدي الشعوب هي : إجمالي الناتج المحلي للفرد، والرعاية الاجتماعية، وغياب الفساد الحكومي, والحرية المفترضة في أخذ قرارات، والسخاء في التبرع، وعدد السنوات التي يعيشها الإنسان موفور الصحة, إلا ان نتائج المعايير  أصبحت مفاجئة للكثيرين وغير متوقعة,

معايير السعادة في الإسلام :

فالإسلام له فلسفته الخاصة في تحقيق السعادة فالفرد المسلم يرى بأن السعادة الحقيقية هي السعادة  في الدارين انطلاقا من المبدأ التي رسمتها  الآية الكريمة:

( وابتغ فيما آتاك الله الدار  الآخرة, ولا تنس نصيبك من الدنيا ),  وينطلق من مبدأ التوازن بين الروح والمادة التي يتكون بها الإنسان,  لذا تتحصل عند الفرد المسلم السعادة في جملة من الأمور المعنوية والمادية, فالإيمان الراسخ بالقضاء والقدر  الذي هو من أركان الإيمان ولا يصح إيمان الفرد إلا به, يساهم جزءا كبيرا في تحقيق السعادة, ويخفف  كثيرا من هموم الدنيا, بالإضافة إلى التوجيهات القرآنية والنبوية الأخرى التي تشير إليه مكمن السعادة, كملازمة الأذكار,  و الاستغفار,  وفعل الطاعات (الأعمال الصالحات ), والكف عن المحرمات, كل ذلك تجلب إليه الحياة الطيبة و الطمأنينة والسكينة  وتزيل عنه الهموم والغموم,  في المقابل هناك سعادة مادية, لا تقل أهمية عن السعادة المعنوية, والتي اهتم الإسلام بها, وللأسف فإن كثيرا من المسلمين لديهم مفاهيم خاطئة عنها, عن أبي جحيفة رضي الله عنه  قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدَّرْداء، فرأى أمَّ الدَّرْداء مُتَبَذِّلَةً، فقال لها: ما شأنُك؟ فقالتْ: أخوكَ أبو الدرداء ليس له حاجةٌ في الدنيا، فجاء أبو الدرداء، فصنعَ له طعامًا، فقال له: كُلْ، فإني صائمٌ، قال: ما أنا بآكل حتى تأكُلَ، فأكل، فلما كان الليلُ ذهب أبو الدرداء يقومُ، فقال: نم، فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نم، فلما كان من آخر الليل، قال: سلمانُ: قُم الآن، فصلَّيَا، فقال له سلمانُ: إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرَ ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «صَدَقَ سلمانُ» أخرجه البخاري والترمذي.

وقَالَ عليه الصلاة والسلام : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا), والرسول صلى الله عليه وسلم تعوذ من الفقر  والعجز والكسل وغلبة الدين وقهر الرجال, وحال المسلمين اليوم يرثي لها, لما حل بها من المصائب العظيمة من الحروب, وانعدام الامن, والفقر المدقع, والهيمنة الغربية التي هي ضرب من ضروب قهر الرجال, والتي أشار إليها الحديث, لكن بفضل الله تعالى, قوة الجانب الروحي لدى الفرد المسلم تخففه من وطأة هذه المصائب, وتبعث فيه روح الأمل لأنه في الأخير مؤمن بقضاء الله وقدره, ومتوكل عليه , ولقد أحسن الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس حيث قال الإيمان والقلق لا يلتقيان, وضرب هذا المثل “إن أمواج المحيط المتقلبة لا تعكر قط هدوء القاع العميق، ولا تقلق أمنه، وكذلك المرء الذي عمق أيمانه بالله حقًّا، عصيّ على القلق، محتفظ باتزانه، مستعد دائمًا لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف”.

حقائق مسلمة :

-لا علاقة بين السعادة والثراء كما تبين الشهادات الواقعية, وإلا لكانت السعادة حكرا للأغنياء ومحرومة عن الفقراء, فالسعادة الحقيقية أن ترضي بما قسم الله لك و قد قال عليه الصلاة والسلام “وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس”   وقال أيضا “ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس”.

هنالك وسائل للسعادة الدنيوية منها المال والصحة والأمن, في القرآن ( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ), و في الحديث (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ) .

المراجع

1-مفهوم السعادة وحقيقتها, منشور في موقع الطريق إلى لسعادة, http://www.path-2-happiness.com/ar/

2- الدنمارك الدولة الاكثر سعادة في العالم, منشور في موقع الجزيرة, http://www.aljazeera.net/news/miscellaneous/2016/3/16/

زر الذهاب إلى الأعلى