الروس في الصومال … دلالات في التوقيت

يأتي قدوم السفير الروسي الجديد إلى الصومال بعد أن غابت روسيا عن المسرح السياسي الصومالي أكثر من ثلاثين عاماً. وفي وقت تسجل فيه روسيا عودة مثيرة للجدل إلى مسرح السياسة الدولية، وينقسم العالم بشأنها إلى ممتعض ومتغاض، حيث تقود تدخلاً عسكريًّا في سوريا تتحالف فيه مع إيران لدعم حكومة الأسد في مواجهة الثورة المسلحة المتعددة التنظيمات، الأمر الذي يمتعض منه أطراف كثيرة في مقدمتها أمريكا والمعسكر السنِّي وفي مقدّته السعودية وتركيا ومنه الصومال الذي قطع حديثاً علاقته مع إيران المتحالفة مع روسيا.

نتوقف في هذا الحدث عند دلالة التوقيت الذي يأتي فيه وعلاقته بالحالة السياسية والأمنية التي تمرّ بها البلاد، كما نتوقف عند مكان هذا الحدث من العلاقات الدولية لروسيا والمكاسب السياسية لها من وراء تعيين سفير لها لدى الصومال.

دلالات توقيت دخول روسيا في الصومال:

تعرف روسيا بعلاقتها الوطيدة مع النظام العسكري1969-1991))الذي تبنى مبدأ الاشتراكية العلمية إبان ما عرف بـ “الثورة أكتوبر”، وقد ساعدت روسيا وتحت مظلة الاتحاد السوفييتي الحكومة الصومالية منذ بداية فترة حكم سياد بري في توفير كافة الدعم العسكريٍّ للجيش الصوماليّ، فى وقت كان فيه الصومال أحوج ما يكون إلى مساعدة دولة قوية مثل روسيا تقف إلى جانبه لكى يستطيع أن ينهض ويحقق أمال شعبه.

والآن وبعد أن بدأ الصومال يتعافى من آثار الحرب الأهليّة التي دمّرت  كلّ المرافق الحيّوية ، وانعكست هذه الحروب سلبا على زخمه الدوبلوماسيّ في العالم، فها هي الحكومة الفيدراليّة طفقت تستر جع تدريجيا  الكثير من ثقلها الدبلوماسيّ.

وفبل ان يصل السفير سرغي كزندسوف ثمة دول أخرى ذات ثقل في العالم بعثت دبلوماسييها إلى مقديشو كأمريكا وإيطاليا وبريطانيا وبعض الدول العربية كالإمارات العربية المتحدة وقطر والعراق، فهل توقيت إرسال  السفير كان متأخرا بعض الشيء، نظرا لتاريخ روسيا الطويل والمميز مع الدولة الصومالية على الرغم من أنهما افترقا بسبب توتّر حصل بينهما فيما يتعلق بالحرب الصومالية الإثيوبيةفي السبعينات من القرن الماضي؟ أم إن عودة روسيا الآن إنما تتماشي مع سياساتها التوسعية التى بدأها الرئيس فلاديمير بوتن في العالم لمقارعة حلف الناتو.

فما لا شك فيه أن إرسال روسيا إلى الصومال سفيرا لها وفي هذا التوقيت بالذات يثير تساؤلات عديدة مثل: هل روسيا قرّرت أن تستعيد دورها كلاعب أساسيٍّ في السياسة الصومالية كما كانت في السبعينات من القرن الماضي في الصومال؟ وهل تريد أن تؤثر في الانتخابات المزمع عقدها في أغسطس القادم؟  وإلى أيّ مدى تصل العلاقة الدبلوماسيىة بين البلدين في الفترة المقبلة؟ هذه التساؤلات وغيرها قائمة حتّى الآن،

فافتتاح السفارة الروسية من جديد في الصومال بعد غياب طويل يحمل دلالات كثيرة, والتوقيت نفسه يلفت الانتباه، وهي استجابة للطلب الذي تقدّمت به الحكومة الفيدرالية إلى حكومة موسكو, حيث التقى رئيس الوزراء الصومالي عمر عبد الرشيد شرما كي مع وزير الخارجية الروسية سرغي لافروف, وكان من ضمن الملفات التي تباحث فيها الطرفان إعادة فتح السفارة الروسية في الصومال، ويقول الباحث الصوماليّ عبدالله حسين نور متحدثا عن هذه الدلالات: يأتي هذا الأمر في وقت يشهد فيه الصومال تحسنا سياسيا وأمنيا إلى حد ما, وأعادت فيه كثير من الدول الأوروبية فتح سفاراتها في الصومال, الأمر الذي  أثار في الروسيين روح التنافس والسباق إلى الصومال نظرا لأهميتها الجيوسياسية, والتي كانت رائدة في عهد الحكم العسكري، وبالتالي فإن مجيء السفير الروسي, واعتماد أوراقه يوم أمس يدل على أن روسيا عادت بكل ثقلها إلى الصومال من جديد, استجابة لطلب من الحكومةالحكومة الفيدرالية من حكومة موسكو, حيث التقى رئيس الوزراء الصومالي عمر عبد الرشيد شرما كي مع وزير الخارجية الروسية سركي لافروف, وكان من ضمن الملفات التي تشاور فيها الطرفان فتح وإعادة السفارة الروسية في الصومال. الجدير بالذكر أن هذا الحدث يتزامن مع تقارب أمريكي روسي في كثير من الملفات السياسة الدولية.

ماذا بعد تعين السفير؟

كلّ المعطيات السياسية تغيرت ولم تعد روسيا تلك الدولة القوية التى تهاب في زمن القطبية الثنائية، وكذلك لم يعد الصومال دولة قوية تخوض حروباً عسكرية، وأصبحت روسيا دولة براغماتية وليست دولة أيدولوجية كما كانت في أوقات الحرب الباردة، ويقول الدكتور عاطف معتمد عبدالحميد في ورقة عن (روسيا والعرب: أوان البرغماتيّة ونهاية الأيدلوجية) قدّمها في مركز العربي للأبحاث ودراسة السياسة ” تبدو البرغماتية السياسية هى المعلم الأساسي لسياسة الخارجية منذ إنهيار الاتحاد السوفييتي وتخلّيها عن أيّ رسائل أيديولوجية”.

وبالبراغماتية هذه نفسها فمن المتوقع أن ترجع العلاقة بين البلدين كما كانت في العهود السابقة، إذا أحسنت الحكومة الفيدرالية استثمار هذا الضيف الذي يمكن أن يلعب دورا محوريا في رجوع الصومال إلى المحافل الدولية. وفي بناء الكوادر الوطنية المؤهلة، حيث  أن علاقة الصومال مع روسيا في عصرها الذهبيّ  كانت مرتكزة في جانب منها على توفير منح دراسية للطلاب الصوماليّن. مما ساهم في بناء كوادر وطنية تتمتع بقوة تاهيل عالية في مجالاتها أسهمت في عملية بناء الدولة.

وفي قادم الأيام سنراقب الوضع الدبلوماسي بين البلدين ومستجداته عن كثب، وعن ماذا ستضيف روسيا البراغماتيىة في الوضع السياسي الحاليّ المتقلب في الصومال؟.

 

زر الذهاب إلى الأعلى