الصناعات التقليدية المهددة بالاندثار‎

تراثنا في خطر، وتتعرض للاندثار والانقراض، وتكاد تعفو آثارها الرياح. لم يتبق من  العادات والفنون  المعبرة عن هوية الصومال وعن تاريخها، وثقافتها، ودرجة تقدمها والتي كانت تمتاز بأصالة المنبع، والإبتكار الا العدد القليل . فقد عفا عليها الزمن،  وتخلى عنها الناس بعد أن فقدت بريقها  وفعاليتها، وجدواها، وكل ماكانت توفر لها المؤسسات الوطنية المعنية بالتراث من الرعاية، والصيانة ، والتسويق. 

ومن أبرز هذه التراث  المهددة بالاندثار والانقراض، الأواني الفحارية، والنسيخ اليدوي  ، والأواني المصنوعة  من الخشب  والأحجار، واللباس التقليدي المعروف محليا بـ « أليندي»، والأواني الأخرى المصنوعة من الجلود.

  في الماضي  كانت للصومال أماكن ومناطق تشتهر بالصناعات التقليدية والحرف اليدوية ، والتي كانت تمدّ  بالأسواق رغم بساطة امكانياتها منتجات  يشم منها عبق الماضي، وتعبر مفرداتها عن هوية وثقافة  صومالية رائعة  تسبكها وتنسجها أيادي وطنية  فنانة  تملك خبرات ومهارات  توارثها الأجيال أبا  عن جد. 

بلدات طناني، وجلب  مركه ، وغندرشه، في الضاحية الشرقية لمدينة مقديشو  كانت من أبر ز المناطق المشتهرة بصناعة الأواني الفخارية  ولا سيما صناعة القدور الفخارية والملابس التقليدية «أليندي» وكانت تغرق الأسواق الشعبية في العاصمة مقديشو  بمختلف أنواع القدور المصنوعة من الطين والأواني الفخارية الأخرى، والملابس التقليدية من الإزار والقمصان والكوفيات أو الطاقيات.  لكن تلك البلدات لم تعد اليوم كما كانت في السابق، نتجية الحرب   الأهلية  التي  اندلعت في الصومال عام 1991، ولم تعد تجود بفنونها الحرفية التي اكتسبت شهرة واسعة في جميع المناطق الصومالية والبلدان المجاورة مثل كينيا وإثيوبيا.

لم يتبق من  مصانع الأواني الفاخرية والحرف اليدوية  في تلك البلدات الا عدد قليل  تحكي عن أيام غابرة  كانت تعجها بالحركة والنشاط التجاري. فمحمد إبرو إبن لأحد أشهر قدامي الحرفين في قرية طناني، ومنزلهم لا يزال يمثل وجهة للمتهمين بالحرف اليدوية، وعشاقي الأوني الفخارية، تحدث محمد عن أيام جميلة عاشها مع والده خلال السبعينات والثمانينات من القرن الماضي  وهو الأن يعمل في معمل صغير  لا تدر منتجاته أرباحا كثيرة كما كان الحال في الماضي، لكن يحصل منه ما يسد رمق العيش وما يكفي قوته يومه.

أثرت المعارك القبلية التي دارت  في بلدات طناني، وجلب  مركه،  وغندرشه  الواقعة في الطريق الساحلي بين العاصمة مقديشو ومدينة مركه عاصمة محافظة شبيلي السفلى  خلال السنوات الماضي  سلبا على الصناعة اليدوية فيها وتعرض سكانها لإنتهاكات خطيرة  ترقى بعضها إلي جرائم حرب. لقد نهب ممتلكاتهم وتعرضت لفتياتهم بالاغتصاب والاعتداء الجنسي، وتخضع تلك البلدات حاليا لسيطرة حركة الشباب التي فرضت عليهم قوانين صارمة لم يألفوها من قبل الا أن السكان يرون أن الوضع الأمني أحسن مما كان الحال عليه في عهد المليشيات.

خذيجة جيدو أمرة في الخمسينات من عمرها كانت تعمل في صناعة القدور الطينية منذ أكثر من عشرين عاما . لا تزال تتذكر خذيجة معملها في بلدة طناني الساحلي  وتشتاق إلي عودته غير أن الظرف الأمنية، وغياب التمويل  تحولان دون ذلك وتمنعها من استئناف ممارسة  مهنتها التي ورثتها أما عن جدة .

 تشكو تراثنا وتقاليدنا من الضياع، وعدم الاهتمام ولا سيما من جانب المؤسسات الحكومية المسؤولة عن حفظ التراث وتتقدم دعوات استغاثة إلي المنظمة الوطنية للتربية  والثقافة والعلوم،  والمؤسسات الاقليمة والدولية المعنية بالتراث الانساني وفي مقدمتها المنظمة  العربية للتربية والثقافة والعلوم «Alecso» والمنظمة  الاسلامية للتربية والثقافة والعلوم «ISESCO» واليونسكو والمنظمات الدولية الأخرى وتطالب بالالتفات اليها لانقاذها من الاندثار والانقراض قبل قوات الأوان .

عبد الرحمن عبدي

كاتب وصحفي صومالي
زر الذهاب إلى الأعلى