الباحث أبوبكر معلم قاسم الشيخ عبد الرحمن ينال درجة الماجستير في الفقه الاسلامي

مقديشو (مركز مقديشو)- نال الباحث والطالب أبوبكر معلم قاسم الشيخ عبد الرحمن درجة الماجستير من الجامعة اإلسلامية في مقديشو. وكان عنوان الرسالة “الجناية على النفس وعقوبتها: دراسية فقهية مقارنة بقانون العقوبات الصومالي”.

وجرت مناقشة رسالته يوم أمس الإبثنين في مقر الجامعة الإسلامية في مقديشو واستغرقت قرابة ساعتين، حيث اتخذت لجنة المناقشة بعد انتهاء المناقشات والمداولات قرار بقبول الرسالة مع اشتراط في إجراء بعض التعديلات، ومنح الطالب تقدير “ممتاز”.

ويصبح الطالب/ أبوبكر معلم قاسم ثاني طالب يكمل المنهج الدراسي في برنامج الماجستير الذي تقدمه الجامعة الإسلامية بالصومال. هذا وكان الطالب عبد الفتاح محمود عبد الصمد أول من أكمل المقررات الدراسية في برنامج الماجستير للجامعة، ونوقشت رسالته في 1 نوفمبر 2015م.

وقدم الطالب / أبوبكر معلم قاسم عرضا موجز عن بحثه خلا مناقشة رسالته أمس الإثنين وهو كما يلي:

الحمد لله الذي أنزل الشرائع إقامة لمصالح العباد، وجعل العقاب زجرا لأولي التمادي والعناد، وصلى الله على نبينا محمد أفضل من قام بتطبيق شرع الله المتعلق بالعقوبات، فعم الخير العباد، وعاش الناس في رخاء وأمن واستقرار وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد:

فإنه لا يسعني هنا إلا أن أتقدم بالشكر والعرفان إلى أسرة الجامعة الإسلامية إدارة وأساتذة، وخاصة عمادة الدراسات العليا التي أتاحت لي هذه الفرصة. كما أتقدم بالشكر والتقدير إلى مشرف الرسالة فضيلة الدكتور/ أويس حاج عبد الله، الذي تفضل بالإشراف، وأسدى إليّ النصح والإرشاد العلمي والتوجيه النافع على الرغم من ضيق وقته وكثرة مشاغله، فجزاه الله عني خير الجزاء. ولا يفوتني هنا أيضا أن أتقدم بالشكر والعرفان إلى فضيلة الدكتور/ حسن عثمان أحمد المناقش الداخلي، وفضيلة الدكتور/ محمد ديريه صبرية المناقش الخارجيّ؛ لقبولهما ولتفضلهما على مناقشة هذه الرسالة، وإبداء الملاحظات منها، وأنا مستعد إن شاء الله تعالى الاستفادة من ملاحظاتهما وتوجيهاتهما، حتى تخرج الرسالة خالية عن الأخطاء.

فمن المعلوم أن الفقه في أمور الدين مطلب أساسي في حياة الناس كافة؛ إذ لا تستقيم أمور دينهم إلا بـعـد الرجوع إلى أهل العلم والفقه في الدين؛ ليبينوا للناس حكم الله تعالى فيما وقعوا فيه، والعلماء- رحمهم الله – قد اهتموا بمسائل الفقه وبخاصة المسائل التي تتطلب اجتهادا للتوصل إلى حكمها الشرعي، وأنه مما لا يخفى أيضا ما لعلم الفقه من أهمية بالغة وفوائد جمة، تثبت ضرورة دراسته، والتزود بقواعده، والتمرس بأسلوبه؛ لأنه من أعظم العلوم الشرعية وأجلّها قدرا وأكثرها فائدة، وهو الوسيلة الناجحة لصيانة الدين وحفظ الشريعة، ولأن خير ما تعلقت به همة المسلم السعي في إدراك الفقه، وكان من أوجب ذلك ما يتعلق بحقوق الغير، لاسيما ما تعلق منها بالجانب الجنائي؛ إذ هو من أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة.

فإن حكمة الله تعالى اقتضت أن يشرع لعباده ما يحقق لهم المصالح ويدرأ عنهم المفاسد ويحفظ لهم ضرورياتهم التي لا يتصور العيش بدونها؛ لأن الشريعة الإسلامية حثت على حفظ النفس الإنسانية، وجعلت واحدة من الأصول الخمسة المعروفة عند الفقهاء والأصوليين بـ(الضروريات)، والفقه هو المنهج القويم، الذي لا اعوجاج فيه، وهذا البحث (الجناية على النفس وعقوبتها دراسة فقهية مقارنة بالقانون الصومالي) يأتي إجابة عن جانب مهم من جوانب الفقه الإسلامي- ألا- وهو جرائم الاعتداء على النفس بالقتل أو ما دونه، سواء كان هذا الاعتداء عمدا، أو شبه عمد، أو خطأ، ويطلق عليه الفقهاء لفظ (الجنايات).

ومن كمال شريعتنا أنها جعلت للإنسان حرمة عظيمة فحرّمت دمه وماله وعرضه، فلا يجوز الاعتداء على شيء من ذلك أبدا، وقد رتبت الشريعة على من اعتدى على شيء من ذلك عقوبات وأحكاما معلومة، ومن ذلك ما يتعلق بالجناية على النفس والبدن، فمن جنى على غيره جناية متعلقة بنفسه أو ببدنه، فإن الواجب عليه هو القصاص أو الدية ، بحسب نوع الجناية، من عمد أو شبه عمد أو خطأ، وما يترتب على كلّ ذلك من أحكام، وهذا هو العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض، ولن تصلح الأحوال إلاّ به، ولا يلتفت بعد ذلك إلى شبه الحاقدين والناقمين على الإسلام وأهله، فإنها شبه متهافتة معلومة البطلان والفساد.

ولقد كرّم الله تعالى الإنسان وأعلى من قدره وشأنه حتى وضعه على قمة الكائنات التي خلقها في هذه الحياة، يقول الله تعالى: ( ولقد كرّمنا بني آدم…)، ومن ثمّ فقد أكّد الله في عقوبة من يتعدى على نفس الإنسان، واعتبر أن قتل النفس الواحدة بمثابة قتل الناس جميعا، وأن إحياءها بمثابة إحياء الناس جميعا: ( من أجل ذلك كتبنا …)، وفي هذا إشارة إلى عظم جريمة القتل والاعتداء على الغير؛ لأنه اعتداء على حق الحياة المقدسة، وهذا حق ثابت لكل الناس مما يجعل الاعتداء على النفس البشرية من أخطر الجرائم وأبشع الجنايات.

وحث الإسلام على حفظ النفس الإنسانية وجعل المحافظة عليها واحدة من الأصول الخمسة التي تعرف بـ(الضروريات)، وقد حث الشارع على حفظ الأرواح وضمان حرمة دم المسلم إلا بحقه. ولقد عنيت الشريعة الإسلامية بالنفس عناية فائقة، فشرعت من الأحكام ما يجلب لها المنافع والمصالح، ويدفع عنها المفاسد، وذلك مبالغة في حفظها وصيانتها، ودرء الاعتداء عليها.
والمقصود من الأنفس التي عنيت الشريعة بحفظها هي: الأنفس المعصومة بالإسلام أو الجزية والأمان.وأما غير ذلك كنفس المحارب فليست مما عنيت الشريعة بحفظه؛ لكون عدائه للإسلام ومحاربته له أعظم في نظر الشريعة من إزهاق نفسه.

ولقد وضعت الشريعة الإسلامية الوسائل الكفيلة بحفظ النفس من التعدي والظلم عليها، ومن هذه الوسائل.

تحريم الاعتداء عليها، وضمان النفس، والقصاص، وإباحة المحظورات حالة الضرورة.

وحرم الله الاعتداء على النفس، وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريم الاعتداء على النفس، بل عدّ ذلك من أكبر الكبائر والذنوب؛ إذ ليس بعد الإشراك بالله ذنب أعظم من القتل، وقد توعد الله سبحانه وتعالى، قاتل النفس بالعقاب العظيم والعذاب الشديد في الآخرة، فمن النصوص التي ورد فيها تحريم الاعتداء على النفس قوله تعالى:﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾، إذا قتل النفس المعصومة عمدا بغير حق من أكبر الكبائر بعد الشرك بالله، وجريمة قتل العمد ذنب عظيم موجب للعقاب في الدنيا والآخرة، والقتل إذا كان عمدا عدوانا جريمة كبرى، هو من السبع الموبقات التي يترتب عليها استحقاق العذاب في الدنيا والآخرة، وهذا ممّا علم تحريمه من الدين بالضرورة ،ويقتضيه القياس، ولو لا حكم القصاص ولولا عقوبة الجناة المفسدين لأهلك الناس بعضهم بعضا، ولفسد نظام العالم؛ إذ لابدّ من عقاب يردعهم، ويجعل الجاني نكالا، وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله؛ ولذا نجد كثرة الجرائم والقتل عند الأمم التي عدلت عن منهج الله تعالى، وحكمت بالقوانين الوضعية، فلم تجاز الجاني بما يستحق، بل حكمت عليه بمجرد السجن تمدنا ورحمة به، ولم ترحم المقتول الذي فقد حياته، ولم ترحم أهله وأولاده الذين فقدوا عمدتهم، ولم ترحم الإنسانية التي أصبحت خائفة غير آمنة على دمائها من هؤلاء الفتّاكين المجرمين، لم يفكروا في هذه العواقب والمصائب التي حلت بهم؛ لأنهم ليسوا من أولي الألباب.

هذا البحث هو عبارة عن دراسة وصفية تحليلية لجريمة القتل، وعنوانه: (الجناية على النفس وعقوبتها دراسة فقهية مقارنة بالقانون الصومالي).

وقد قسّم الباحث إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.

فالمقدمة: تشمل مشكلة البحث وأسئلته، وأهدافه،وأهميته، وسبب اختياره، والدراسات السابقة، والصعوبات التي واجهت الباحث، وحدود البحث، ومنهجية البحث.

الفصل الأول:وهو عبارة عن مفهوم الجناية ومشروعية عقوبتها في الفقه الإسلامي مقارنة مع قانون العقوبات الصومالي.

الفصل الثاني: وهو عبارة عن أقسام الجناية على النفس في الفقه الإسلامي وقانون العقوبات الصومالي.

الفصل الثالث: يبحث هذا الفصل عن الأحكام العامة للجناية على النفس في الفقه الإسلامي وقانون العقوبات الصومالي.

والهدف الأساسي من هذا البحث هو: حفظ النفس التي هي مقصد أساسي من مقاصد الشريعة الإسلامية، والتي شرع من أجلها القصاص. وبيان أن القصاص على القاتل لم يكن القصد منه قتل الجاني فقط كما يزعم أعداء الإسلام الذين ينشرون اتهامات حول تطبيق أحكام الإسلام، وإنما القصد منه: المحافظة على النفس البشرية. وأيضا إظهار أن القصاص فيه ردع للجاني، وشفاء الغيظ، بحيث يشفي غيظ المجني عليه وأهله، وهذا أمر لابد منه، ومقارنة العقوبات الجنائية في القانون الصومالي بالشريعة الإسلامية، لمعرفة مدى صلتها وعلاقتها بالشريعة الإسلامية من حيث الموافقة والمخالفة.

وحدّد هذا البحث مفهوم الجناية وأقسامها في الفقه الإسلامي والقانون الصومالي، كما ركّز أيضا الجناية على النفس (القتل)، وعقوبتها، سواء كانت عمدا أو شبه عمد أو خطأ، وكذا الحكمة من شروعية القصاص، وشروطه، وكيفية استيفائه، وموانعه. وقد تناولت الدراسة أيضا أن القانون الصومالي تجرد عن ذكر القصاص، وسلطان ولي الدم، والدية والكفارة، وإنما ذكر الإعدام والعقوبة بالسجن، أو الغرامة المالية. وتناول البحث أيضا الديات، سواء كانت عقوبة بدلية بالنسبة للقتل العمد، أو أصلية بالنسبة للقتل شبه العمد والقتل الخطأ، وتحديد معنى العاقلة وما تحمله من الدية. وقد توصلت الدراسة فعلا إلى أن عقوبة القتل الواردة في القانون الصومالي غير موافقة للشريعة الإسلامية. وأخيرا اقترح الباحث في الرسالة تغيير صيغ بعض المواد الواردة في القانون الصومالي؛ لكي تكون موافقة بالشريعة الإسلامية بغية الوصول إلى إيجاد قانون جنائي مستمد من الشريعة الإسلامية لا من القوانين الوضعية، والذي يضمن تحقيق الأمن والاستقرار، وحفظ الأرواح والحقوق والأموال والأعراض.

مشكلة البحث:

إن مشكلة هذا البحث تكمن في جوانب عدة، بدءا من معرفة ماهية الجنايات والعقوبات في الفقه الإسلامي، والقانون الصومالي، وتحديد الجنايات التي يستحق بها العقوبات، ومن ثم عرض تلك العقوبات الواردة في الشريعة، والفقه الإسلامي، وعرض بعض المواد الواردة في القانون الصومالي، لمعرفة ما إذا كانت موافقة أو مخالفة للشريعة الإسلامية، وأن الآراء تختلف تجاه القانون الصومالي؛ لأن العقوبات الواردة فيه متضاربة، بين قائل: بأن القانون الصومالي في العقوبات الجنائية مأخوذ من الشريعة الإسلامية، فهو مطابق لها تماما، وقائل: بأن قانون العقوبات الجنائية لا صلة لها بالشريعة الإسلامية، ولا سيما بعد وجودحالات طبقت فيها العقوبات الجنائية مخالفة للشريعة الإسلامية، مما أدى شكوكا عند البعض، لذا رأى الباحث تناول المواد الواردة في القانون التي لهاعلاقة بموضوع البحث دراسة وتحليلا،لأجل ذلك كله، برزت مشكلة هذا البحث.

سبب اختيار هذا الموضوع وأهميته:

إن مما دفعني على اختيار هذا الموضوع عدة مبررات أهمها:

1- رغبتي في فهم الفقه والجنايات عامة، وفي الجناية على النفس خاصة، وما يتعلق بها من أحكام، سوء كانت عمدا أو شبه عمد أو خطأ.

2- ولأن هذا الموضوع يتعلق بصيانة الإنسان عن اعتداء بعضهم على بعض، كما أنه يتعلق باستقرار الأمن؛ لأن كل من أراد الاعتداء على شخص إذ اعلم أنه يعاقب يمتنع عن هذا الاعتداء، ولاسيما في هذا الوطن الذي كثرت فيه الفوضى، والقتل بأوهى الأسباب.

3- اهتمّ كثير من طلاب العلم والباحثين المسائل الفقهية المشهورة والمتعلقة بأبواب الجنايات، بينما القليل منهم اختار المسائل الفقهية الغامضة والأحكام المتعلقة بها، لذا اخترت أن يكون موضوع بحثي الجناية على النفس، وذلك ضمن دراسة فقهية مقارنة بالقانون الصومالي.

4- وأن الله سبحانه وتعالى جعل قتل النفس الواحدة لقتل الناس جميعا وإحياءها كإحياء الناس جميعا.

5- وأن القصاص فيه حياة للفرد والجماعة، وأن التحاكم والتقاضي إلى هذا الحكم هو رحمة للناس جميعا، وردا على الذين يزعمون أن الإسلام دين قتل وظلم وهدم للبنية الإنسانية.

6- و أن هذا الموضوع محط أنظار الفقهاء، ولأجل ذلك تشعبت أبحاثه وتوسعت فروعه، وأصبحت مباحثه من أبحاث الفقه المعتمدة، وتعددت فيه المذاهب، وخاصة في هذا الوطن الذي كان الحال فيه صعبا جدا، حيث انتشر القتل والهرج والفوضى في كل مكان،وبأوهى الأسباب، ومن هنا أتت أهمية هذا الموضوع.

زر الذهاب إلى الأعلى