الأباطرة التي تضع العصا في دواليب الأمن

لم تتوقف منذ أكثر من 15 عاما الجهود المحلية والاقليمية والدولية من أجل عودة الأمن والاستقرار إلي الصومال الا أن تلك الجهود -رغم أهمية ما تحقق حتى الآن – لم تكلل بعد بالنجاح. هناك عوائق كبرى تعترض طريق النجاح المطلوب، ومهما بلغت الجهود ومهما بلغت نسبة الأموال التي تضح في مشاريع تعزيز الأمن والاستقرار لا يمكن الوصول إلي النجاح الكامل من دون ازاحة تلك العوائق الكأداء؛ لأنها قادرة على أن تنسف كل ما يتم تحقيقه وإعادة الأمور إلى مربعها الأول وجعل الحال كحال المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.  

هذه العوائق معروفة ومعلومة ولا تخفى على أحد، لكن الحكومة تعض الطرف عنها، وفيما يبدو تخاف من انعكساتها وصدمتها الأولى التي تبدو خطيرة، بل في الحكومة من يراها خطا أحمر،ويعتبر الاقتراب منها  كالرقص على  رؤوس الثعابين، وأن المساس به سيكون وبالا على الجهود الجارية، لكن العكس صحيح  وأن الأمر لا يتطلب سوى الجرأة والاقدام.

ومن أبرز تلك العوائق:

أباطرة الحرب

 لا تزال أباطرة الحرب في الصومال قوية، وتمسك بزمام ملفات عديدة في البلاد أهمها، الملف الأمني وتشكل أفرادها القوة الأساسية للجيش والشرطة، بل أن معظم القيادات الوسطى للجيش من أباطرة الحرب أو المقربين منهم، والقيادات الجديدة على هرم الأجهزة الأمنية ليست الا ديكورات للتزيين . فالقيادات الوسطى هي القيادة الفعلية لتلك الأجهزة وأنها هي التي تعطل مسيرة اصلاح المؤسسات الأمنية في البلاد، والقيام باجراءات حقيقية لتحويل الجيش الصومالي من جيش قبلي بيد أفراد وعشائر إلي جيش وطني حقيقي يؤدي واجباته بكفاءة ومهنية عالية، بل أنها متهمة بالارتباط مع المجموعات المسلحة التي تخل الأمن بالبلاد ولاسيما أمن العاصمة مقديشو وذلك من أجل عدم استهدافهم وبقائهم على مناصبهم لفترة أطول. هل تصدق أن للجيش 18 قيادات عامة وأن رؤساء تلك القيادات معظمهم  وإن لم يكن جلهم كانوا من أباطرة الحرب أو المقربين منهم. 

أباطرة المال

في الصومال رجال أعمال تكدست ثرواتهم، وتضحمت خلال الحرب الأهلية يختطفون كل حكومة تتولي زمام  الأمور بالبلاد ويزودون أصاحب السلطة الجديدة الذين يفتقرون إلي الدعم الاقتصادي بالمال والقروض ويعطونهم فرصة لقيادة البلاد بأموالهم حتى صارت أباطرة المال القيادة الحقيقية للبلاد والتي تعارض كل جهود مخلصة تسعى إلي النهوض بإلاقتصاد الوطني وتسخيره في سبيل حل المشكلات الأمنية .

أباطرة المؤسسات  الخاصة

 خلال سنوات الحرب أنشأت مؤسسات خاصة حلت محل مؤسسات الدولة، وتعمل في جميع المجالات الخدمية كالتعليم، والصحة، والاتصالات وغيرها. صارت اليوم تلك المؤسسات قوة لا يستهان بها تدير مهام قطاع العام في البلاد بمزاجها، وأنها ليست مستعدة لنقل سلطاتها إلي الحكومة، وتمثل جزاء من الأباطرة الي تضع العصى على دواليب الأمن في الصومال.

من هنا لا بد من وضع اليد- إذا اردنا العمل من أجل عودة الأمن والاستقرار إلي البلاد- على الجرح، وكشف الأقنعة لنصل إلي الأهداف المنشودة في أسرع وقت ممكن وبـأقل الأثمان. صحيح أن حل ملف الأباطرة التي تضع العصا في دواليب الأمن والذين كانوا ولا يزالون يمتصون دماء الصوماليين أكثر من 25 عاما، ليس بالسهل الهين لكنه ممكن ويحتاج فقط إلي قرارات صعبة ومؤلمة تقلع جذورهم من الأساس، وتقضي على شرورهم

زر الذهاب إلى الأعلى