أين نحن من ثقافة العمل الطوعي؟

العمل الطوعي ممارسة إنسانية وسلوك اجتماعي يمارسه الفرد من تلقاء نفسه وبرغبة منه وإرادة، ولا يبغي منه أي مردود مادي. ويقوم على اعتبارات أخلاقية أو اجتماعية أو إنسانية، وغايته لا تقتصر فقط على المساعدات المادية، بل يتعدى الأمر إلى أبعد من ذلك من الأمور الاجتماعية التي تهم الإنسان بصورة عامة، كالحفاظ على البيئة والاهتمام بالثقافة والتعليم والصحة ورفع مستوى المواطنين مادياً ومعنوياً ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة.

وللعمل الطوعي أهمية كبيرة في حياة المجتمعات وتتضح أهميته من خلال الدور الذي يلعبه العمل الطوعي في بناء المجتمعات وتطورها، فهو العمود الفقري للجمعيات الخيرية والمنظمات التي تعمل في الخدمة الاجتماعية، كما أنه يتضح دوره من خلال اكتساب الشباب شعور الإنتماء  إلى مجتمعهم والمساهمة في تطويره وتنميته وتحمل بعض المسؤوليات التي تساهم في تلبية احتياجات اجتماعية ملحة أو خدمة قضية من القضايا التي يعاني منها المجتمع، في إطار عمل جماعي منظم من خلال  تحقيق مفهوم التنمية الشاملة  والاستفادة من الكوادر البشرية المؤهلة و المدربة، وتسخيرها لخدمة المجتمع، ومحاولة  استقطاب المتطوعين من الجنسين، لتدريبهم و تأهيلهم، ليكونوا جاهزين لتنفيذ أي مهام وطنية و تعويد النشء على إنكار الذات و التفاني في بذل العطاء، دون مقابل مادي لخدمة مجتمعهم وكذلك يساهم في  تجسيد معنى التكاتف وروح التعاون، و تحقيق مبدأ الجسد الواحد.

وبالنظر إلى مكانة العمل الطوعي في المجتمعات المتقدمة والدول المتطورة يتضح الدور الكبير  الذي يأخذه العمل  الطوعي في هذه المجتمعات حيث أن كثيرا من الأعمال المهمة التي يحتاجها المجتمع يتم تنفيذها من خلال العمل الطوعي  الذي يشارك فيه جميع أفراد المجتمع دون أن يتنظروا مقابلا ماديا أو علاوة أخرى تذكر ، وذلك أن هذه المجتمعات تحس بأهمية العمل الطوعي وأن نفعه يعود للجميع بلا استثناء .

من خلال هذه الأسطر التي سبقت يتضح لنا أن العمل الطوعي يحتاج قبل كل شيء إلى ثقافة وهذه الثقافة هي التي يجب أن تسود في المجتمع حتى يشارك في العمل الطوعي ويحس بأهميته فالثقافة اليوم هي التي تكون المجتمعات في العالم وتوجه طاقاته وإرادته فعندما يتربى المجتمع على ثقافة العمل الطوعي فإن هذا يكون له مردود جيد  على هذا المجتمع بينما عدم تربية المجتمع على هذه الثقافة يكون له مردود سيء على هذا المجتمع.

هنا يجب أن نتسائل أين نحن من ثقافة العمل الطوعي،؟ وهل أخذنا بدورنا في ثتقيف المجتمع نحو المشاركة في العمل الطوعي؟ فمجتمعنا يزخر بالكثيير الكثير من الطاقات الشبابية التي إن وجهت واستفيذ منها بشكل جيد قد تساهم بالكثير من سد احتياجات المجتمع .

مما لا يدع مجالا للشك أن هناك قصورا واضحا نحو محاولة تثقيف المجتمع من أجل المشاركة في العمل التطوي والخدمة الاجتماعية، وهذا القصور قد يأتي من عدة جوانب ولكن برأئي أن المؤسسات التعليمية التي أسست في الوطن ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك الخطباء والوعاظ في المساجد لم يأخذوا بدورهم الكافي في محاولة حث المجتمع على المشاركة في الأعمال الطوعية فهذه المنابر والمؤسسات التعليمية هي التي من المفترض أن توجه المجتمع وهي التي تحتضن  الكثير من شرائح المجتمع المختلفة فإذا لم يأخذوا بدورهم في هذا الجانب فإن أضراراه تعود على المجتمع ككل .

وعلى الرغم من هذا القصور فإنه يظهر في الأونة الأخيرة إقبالا من المجتمع نحو المشاركة في العمل التطوعي، ولعل المشروع الذي أطلقته جامعة الصومال في بناء وترميم الشارع الذي يربط بين شارع توكيو  وشارع هولوذاج والذي شارك في تمويله طلاب جامعة الصومال وإدارتها يعتبر خير دليل على أن وعي الشعب يرتفع نحو المشاركة في هذا المجال، وهو عمل رائع يستحق الإشادة به ويستحق وسام الشرف وجدير بالجامعات الأخرى أن تحذو هذا الحذو.

أيضا مما تجدر الإشارة إليه هو المشروع الذي أطلقه بعض شباب مقديشو والذي سمي ب fursad fun وهي مبادرة شبابية تطوعية انطلقت في العاصمة مقديشو  وتستهدف  خمسة آلاف متبرع بدولار واحد في اليوم لتوفير عشرة آلاف فرصة عمل للشباب الصومالي العاطليين عن العمل خلال عام، وهو مشروع فريد وجديد من نوعه في الصومال وإن تكلل هذا المشروع بالنجاح فإن سوف يكون نموذجا ناجحا للكثيير من الأعمال الطوعية التي يمكن أن تبدأ في الصومال في المستقبل القريب .

ولكن هناك ثمة تحديات كثيرة  تتمثل أمام هذا المشروع وغيره من المشاريع التنموية التي تساهم في سد حاجات المجتمع، ولعل أكبر هذه التحديات هو كيفية الحصول على الأموال الكافية من المتبرعين وكسب ثقتهم   لبدإ أي مشروع جديد، والتحدي الثاني الذي لا يقل عنه أهمية يتمثل في كيفية إدارة هذه الأموال بعد الحصول عليها بشفافية واضحة بعيدا عن الفساد المتفشي في الصومال ومحاولة استثمار ها في الحاجات الضرورية وكذلك توزيعها حسب الأولويات بدل أن تذهب هذه الإموال إلى جيوب أشخاص قليلة.

لا شك أن هناك حاجة ملحة لأن يعتمد  الصوماليون على أنفسهم وعدم الاعتماد على المساعدات الخارجية التي تعب الشعب الصومالي  من انتظارها، وهذا المشاريع التنموية  من شأنها أن تعيد ثقة الصوماليين بأنفسهم،  فهم وحدهم القادرون على حل أمورهم الاقتصادية والسياسية، والإنسان الصومالي كريم بطبعه ولا يتوانى عن دفع أمواله في الأعمال الخيرية لكن هذا يتطلب فقط التوجيه الكافي ومحاولة كسب الثقة.

كمجتمع صومالي قد نكون من أكثر المجتمعات في العالم احتياجا إلى العمل التطوعي وذلك لعدم وجود حكومة قوية تساهم في إعادة إعمار البلد وسد حاجات المجتمع كما أن المشاكل الكثيرة التي حلت بالصومال بعد سقوط الحكومة المركزية، من حروب ومجاعات قد خلفت الكثير من المأسي والتي من الضروري أن يتكاتف المجتمع كله من أجل  معالجتها ومحاولة وضع الحلول لها، فهناك الكثير من الأطفال الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم في خضم الحروب ويحتاجون إلى كفالة، وهناك الكثير من أبناء المجتمع الذين لم يجدوا فرصة لتلقي التعليم لسبب عدم تمكنهم من دفع تكاليف التعليم الباهط فالطفل الذي لم يجد مسكنا يأوي إليه  أو لقمة يسد بها رمقه

هذه المأسي وغيرها التي حلت بمجتمعنا يجب أن تحث على الغيورين من أبناء هذه الأمة على القيام بدورهم في حث المجتمع على المشاركة في الأعمال الطوعية والخدمة الاجتماعية وهذه المسؤولية ملقاة على عاتق كل فرد منا من أجل أن يقوم بواجبه تجاه أمته وشعبه فالتكافل الاجتماعي والمشاركة في الأعمال الطوعية مؤشر على حضارة المجتمعات في العالم ومدى تمدنها .

 

حسن عبد الصمد عبدالله

حاصل على درجة الماجستير في الشريعة والقانون من جامعة إفريقيا العالمية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أكاديمية السودان للعلوم
زر الذهاب إلى الأعلى