الغليان الشعبي في بلدوين تعبير لرفض إملاءات الحكومة

شهدت مدينة بلدوين حاضرة محافظة هيران وسط البلاد اليوم السبت مظاهرات مناوئة للحكومة الفيدرالية, وقد رفع المتظاهرون – الذين يقومون بمسيرات في أحياء المدينة-  شعارات منددة بالحكومة الفيدرالية،

وتأتي هذه المظاهرات في وقت يقوم فيه رئيس الجمهورية حسن شيخ محمود بزيارة إلى مدينة بلدوين في مسعىً لإقناع شيوخ القبائل في محافظة هيران بالعودة إلى مؤتمر تشكيل إدارة محافظتي هيران وشبيلي الوسطى.

وتفيد الأنباء بأنّه وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن التي حاولت تفريق المتظاهرين أدت إلى إصابة ثلاثة من المتظاهرين إثر إطلاق النار  عليهم.

ارتفعت حدة التوتر بعد تعثر عدة لقاءات بين الرئيس حسن شيخ وسلاطين وزعماء القبائل في محافظة هيران الذين يقودهم أغاس حسن أغاس خليف. حيث طرح أغاس حسن أمام الرئيس ثلاثة مطالب والتي لم ترق الرئيس.

المطالب العائقة أمام الرئيس:

ففي مقابلة أجرتها إذاعة بي بي سي الصومالية مع أغاس حسن أغاس خليف عما دار بينهم وبين الرئيس ذكر بأنهم طرحوا على طاولة الحوار  ثلاثة مطالب هي :

_ تقسيم محافظة هيرانإلى محافظتين.

_إجراء مصالحة بين القبائل قبل الخوض في تشكيل الإدارة.

_ تحويل انعقاد المؤتمر من مدينة جوهر  حاضرة محافظة شبيلي الوسطى إلى مدينة بلدوين حاضرة محافظة هيران.

بيد أن الرئيس لم يبد قبوله أو رفضه حسب ما أفاد أغاس حسن.

فالرئيس يفضل اللقاءات الانفرادية مع السلاطين, وهو ما يعارضه السلاطين بشدة, الأمر الذي يعيق  محاولات و جهود الرئيس في إقناعهم بالعودة إلى مدينة جوهر.

جذور الأزمة الراهنة وآفاق الحلول:

تعود جذور الأزمة الراهنة في تشكيل الإدارة الفيدرالية لمحافظتي هيران وشبيلي, ورفض القبائل إملاءات الحكومة الفيدرالية حيث القبائل تتشبث في حقها بإعطاء الفرصة والاستقلالية لتقرير مصير المحافظتين وتشكيل الإدارة بأنفسهم بينما الحكومة الصومالية – مدفوعة بالضاغط الوقتي بسبب اقتراب موعد الانتخابات المقبلة التي لا يفصل عنها إلا بضعة أشهر، وتطلع الرئيس إلى السيطرة على أزمة الأمور في منطقته التي ينحدر منها – تصرّ الحكومة على التدخل, حيث أصدر الرئيس حسن شيخ محمود مرسوما رئاسيا حدد فيه عاصمة إقليم الإدارة، ومكان انعقاد مؤتمر تشكيل الإدارة دون الرجوع إلى زعماء عشائر المناطق المعنية. لينشأ أول خلاف بين الحكومة وبعض القبائل في هيران التي كانت تطالب باستضافة بلدوين مؤتمر تشكيل الإدارة. إلاّ أنّ الرئيس أقنعهم بالذّهاب إلى مدينة جوهر بعد أن قام بزيارة إلي بلدوين حاضرة إقليم هيران, والتقى فيها قيادات العشائر التي قبلت مبادرة الرئيس احتراما له وإبداء لحسن النوايا, لكن الأمر الذي خيّب آمالهم, وأصابهم بالصدمة هو إعلان  وزارة الداخلية قائمة توزيع نسب التمثيل بين القبائل, وكان لهذا الإعلان  وقع انفجار القنبلة، فقد تعالت صيحات معظم القبائل المشاركة  عبر النوافذ الإعلامية, تلوم الحكومة وتتهمها  بمجانبة العدل والإنصاف,  ولم تلبث أن تطورت هذه الصيحات إلى مقاطعة القبائل القاطنة في محافظة هيران  للمؤتمر,  والرحيل مؤخرا بعد أن تمادت الداخلية في قرارها ضاربة  بالانتقادات الموجهة إليها عرض الحائط .

وقد أبدت الحكومة بعد هذا الانسحاب قدراً من الاهتمام بسماع مطالب القبائل المنسحبة من المؤتمر، حيث سجّل أعضاء من الحكومة الصومالية زيارات مكوكية في الإقليم أكثر من مرة, حيث زار المحافظة وفد وزاري يقوده وزير الداخلية , لحقه وفد بقيادة رئيس الوزراء عمر عبد الرشيد وغادر ها دون أن يصل إلى نتيجة كما يزور الآن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الإقليم، ولكن لسوء الحظ مع كلّ هذا الزخم الذي حظيت به القضية من كل الأطراف لم يتم التوصل حتى الآن إلى نوع من التفاهم. ولا يزال الأمر يراوح عند مبدأ العودة إلى المؤتمر.

هذه الزيارة التي يقوم بها الرئيس تبدو أنها محاولة أخيرة لإنقاذ المؤتمر قبل أن تنتهي الفترة القصيرة المتبقية من ولاية الرئيس, والذي يحرص على التوصل إلى اتفاق بشأن الأزمة الراهنة. وتتحدث التقارير عن مساع حثيثة ولقاءات مكثفة من أجل الوصول إلى نتيجة قبل مغادرة الرئيس المحافظة .

السيناريوهات المحتملة :

ففي مقابلة أجرتها إذاعة غوب جو غ المحلية صباح اليوم مع النائب في البرلمان طاهر أمين جيسو, الذي يرافق الرئيس في زيارته إلى بلدوين, ذكر بأن الرئيس أعاد أزمّة الأمور في شأن مؤتمر تشكيل الإدارة لمحافظتي هيران وشبيلي إلى السلاطين وزعماء قبائل المحافظتين, هم الذين يقررون أين ومتى ينعقد المؤتمر , وأن الأمور بيدهم حسبما صرح النائب .

وتفيد أنباء أخرى بأن الرئيس أقنع قبائل هيران بالذهاب إلى جوهر, باستثناء قبيلة حوادلي التي لا تزال تتمسك بمطلب نقل المؤتمر المنعقد في جوهر  إلى بلدوين, مقابل تنفيذ الحكومة مطالب القبائل, وهو ما يحرص الرئيس على الفوز به,  لأنّ من شأن ذلك تفكيك مظلة هيران التي تجيشها قبيلة حوادلي, وبالتالي ستكون المعارضة محصورة في قبيلة واحدة, وستجد نفسها في النهاية مضطرّة للخضوع لخيار  الأغلبية, وهذا يبدو واضحا في التظاهرات المنددة الأخيرة والتي اقتصرت على الشطر الشرقي من مدينة بلدوين حيث معقل القبيلة.

وقد صح عزم الرئيس هذه المرّة على أن يصل إلى حل لمعضلة مؤتمر تشكيل الإدارة لمحافظتي هيران وشبيلي. ليريح نفسه من كوابيسها التي ظلت تلاحقه.

وقد اعتبر  الباحث والمتابع في شأن هيران وشبيلي, محمد سعيد مري أن الحكومة الفيدرالية أخطأت في سياساتها تجاه المؤتمر التأسيسي لإدارة الإقليمين هيران وشبيلي الوسطى عندما قدمت نموذجا يترجم عن رؤيتها حول المؤتمر ، مما أدّى إلى توقف المؤتمر  بسبب السياسات غير المدروسة من قبل الحكومة، أما الآن وقد وصل المؤتمر إلى طريق مسدود، فها هي الحكومة من جديد تقدم نسخة منقحة من رؤيتها حول تأسيس الولاية، واعتقد أن ذلك لا يغير شيئا في الوضع المتأزم، مما يرشح الوضع لأحد سيناريوهين لا ثالث لهما:  إما ان تتنازل الحكومة وترفع يدها عن مجريات المؤتمر وتترك الأمر  لزعماء العشائر ليقرروا ما يتفقون عليه، وهذا الأمر يحقق نتائج قد لا تعجب الرئيس وشلته،

وإمّا أن تمارس الحكومة لعبة تفريق زعماء العشائر وتنفيذ رؤيتها من خلال بعض الزعماء الموالين لها مبدئياً أو لمصالح شخصية أو قبلية، متجاهلة بقية الأطراف التي تعر قل سير المؤتمر في الاتجاه الذي تريدها. وهذا السيناريو هو الأقرب إلى الواقع الحاليّ، وقد ظهرت بوادر على تفريق القبائل في التظاهرة التي خرجت اليوم في الشطر الشرقي الذي تسكنه قبيلة معينة في مدينة بلدوين. ولكن ستكون لتطبيق هذا السيناريو عواقب وخيمة في المستقبل القريب على مستوى الإقليمين.

زر الذهاب إلى الأعلى