الثقافة الوطنية الصومالية (بين الرعاية والإهمال)

تساهم العلاقة التي تربط بين مجتمع ما وثقافته الوطنية في فهم أوضح للمستقبل الاجتماعي لهذا المجتمع، باعتبار الهوية رمزا يمثل القيمة الحقيقية للمواطن، ولا شك بأن الثقافة الوطنية التي تعدّ التقاليد جزءا أصيلا فيها من ضمن المكونات الأساسية التي تشكل هوية المجتمع.

تتعالى الأصوات المنادية بضرورة الاهتمام بالتراث التقليدي للأمة الصومالية الذي تعثر بتعثر الدولة الصومالية منذ فقدان الحكم المركزي، متأثرا بالانهيار الثقافي الذي حدث مع انهيار نظام زياد بري الذي منح التقاليد والأعراف الصومالية مساحة كافية من اهتماماته، غير أن المرحلة التي تلت سقوط النظام أخذت طابع الحرب والانخراط في صراعات جانبية مستندة إلى مآرب سياسية وقبلية، بعيدا عن الاهتمامات الثقافية الوطنية.

لقد ظل الوجود الأدبي قائما رغم خفوته وضعفه، غير أنه نظرا للبيئة الاجتماعية المحيطة التي أهملت الجانب الأدبي لم يجد الصدى الكافي لدى العامة والمثقفين بشكل سواء، بينما ظهرت أشكال جديدة من الأدب الرديء البعيد عن المهنية والرقي استولت على اهتمامات الشباب.

أقيمت بعض المعارض والمنتديات الثقافية في الخارج خلال العقد الأخير في مسابقات ثقافية مع الجنسيات الأخرى، تجلت فيها قيمة الثقافة الصومالية الأصيلة بالنظر إلى الثقافات الأخرى، وأحرزت الثقافة الصومالية فوزا ساحقا في أكثرها، وقد حضرت إحدى تلك المسابقات في جمهورية أوغندا شاركت فيها معظم الدول الأفريقية، وقد فازت الصومال بالمرتبة الأولى طبقا للجنة التقييم الأوغندية التي راقت لها المأكولات الشعبية الصومالية، فضلا عن الثياب الجميلة والألعاب المتقنة والبيوت والأدوات المنزلية المصنوعة من المكونات المحلية.

كما أقيمت معارض ثقافية مشابهة داخل الصومال برعاية الجامعات المحلية، كان أبرزها المعرض الثقافي الذي أقامته جامعة شرق إفريقيا في مطلع عام 2012م في مقرها الرئيس في بوصاصو (شمال شرق الصومال)، والذي فتحت فيه المجال للكليات كي يتنافسوا في عرض ما لديهم من الأشعار والأناشيد والقصص والمشاهد الوطنية، بالإضافة إلى البيوت والأدوات الصومالية القديمة، وقدتم تحويل قاعة الجامعة وما حولها من الأرض إلى متحف وطني شمل كل أشكال الثقافة.

وقد تتابعت الجامعات الأخرى في إقامة المعارض وعقد المسابقات الثقافية بين الطلاب، مما أحدث نوعا من التطور في اهتمامات الطلاب الجامعيين والنخب المثقفة في المجتمع.

أقامت جامعة شرق إفريقيا موسما ثقافيا ثانيا مطلع العام الحالي (2016)جمعت فيه الأدباء الصوماليين المعروفين أمثال الأديب الكبير (Shube) والأديب (Cawdgale) والكاتب الأديب (Idaajaa) للمشاركة في التحكيم، والإشراف على الطلبة المتسابقين، وقد أثرى الأدباء الملتقى الثقافي بقصص وأشعار صومالية شعر معها الطلبة والضيوف بالحنين للأيام الجميلة الماضية، كما تم في الملتقى عرض الكتب والمؤلفات التاريخية والأدبية التي تتعلق بالصومال.

من خلال متابعتي للملتقى الثقافي الأول والثاني في جامعة شرق إفريقيا تبين لي عمق الثقافة الوطنية وأصالتها، وروعة التراث الوطني، كما بدت لي أهمية نشر الوعي الثقافي بين الشباب الذي نشأ بعيدا عن تراثه وثقافته، والحفاظ على الهوية الصومالية الأصيلة من الضياع.

إبراهيم عبد القادر محمد عبد الله

كاتب وباحث ، حاصل على الماجستير في الشريعة من الجامعة الإسلامية في أوغندا .. يعمل كأمين عام لجامعة شرق إفريقيا في بونتلاند .. ومحاضر في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالجامعة.
زر الذهاب إلى الأعلى