منع الرحلات الجوية بين مقديشو وهرجيسا…الملابسات والنتائج

صدور القرار من مكتب وكيل إدارة الهجرة والجنسية الصومالية “الجنرال عبدالله جافو”، بإمهال شركات الطيران مدة 21 يومًا، يتم خلالها إيقاف الرحلات الجوية ما بين مدينتي “مقديشو” و”هرجيسا”، شكّلَ حدثًا فارقًا في منحى العلاقات بين حكومة الدولة الصومالية الفيدارلية، و صوماليلاند المعلنة من طرف واحد، وقد أدّت هذه المستجدات لموجة من القلق لدى الكثير من أبناء الشعب الصومالي في الطرفين، وأطلق سيلًا من التعليقات والانتقادات والملاحظات، التي وجهها إلى الطرفين مواطنون في وسائل التواصل الاجتماعي، إضافة إلى سياسيين في صوماليلاند.

أساس القصّة:

دأبت الطبقة السياسية في صوماليلاند على افتعال أزمات تثير قلق المواطنين فيها، في مسعى مستمر  لإثارة العاطفة والتوتر بين أبناء  منطقتهم، وأبناء مناطق صومالية أخرى، رابطًا أولئك الساسة بين استقلال صوماليلاند وحصولها على الاعتراف الدولي، بحالة العداء والكراهية التي يرسخونها في قلوب أبناء منطقتهم لأبناء المناطق الأخرى، بصورة أصبح من الصعب معرفة الداعي الحقيقي لذلك، إذ بقيت المسألة كالبيضة والدجاجة، بين أنّها محاولة استثمار الشعور العام بالمظلومية لدى فئات سكانية واسعة في صوماليلاند من ممارسات مقديشو إبّان حكم الدكتاتور محمد سياد بري، أو أنّها انسياق ومزايدة على تلك المشاعر، عبر الضرب على أوتارها الحساسة في محاولة لتحقيق الشعبية وتشتيت أنظار المواطنين المطحونين عن مشاكلهم وهمومهم اليومية الناتجة عن الفشل الذريع لدى الطبقة السياسية في صوماليلاند في أخراج اللاد والمواطن من المأزق التي افتعلتها ووتصنعها هذه  الطبقة الفاسدة بيديها صناعةَ.

10 دولارات ثمن الاستقلال :

 اعتادت دائرة الهجرة والجوازات في مطار “هرجيسا” على أن تفرض على المسافر الصومالي، سواءًا كان من صوماليلاند أو من أي منطقة أخرى في حال حمله الجواز الفيدرالي، دفع رسم مغادرة أو دخول بقيمة 30 دولارًا للتأشيرة الواحدة، ويمكن دفع قيمة التأشيرتين دفعة واحدة بقيمة 60 دولارًا، إلّا أنّه كان بالمقابل هناك أجراء آخر وهو ادّعاء عدم وجود جواز سفر واستخراج “وثيقة سفر” فيدرالية بقيمة 10 دولارات أمريكية، يتم إصدارها من “مكتب شركة الطيران” أو في مطار “محمد حاجي إبراهيم عقال” داخل مدينة “هرجيسا عاصمة صوماليلاند، على أن يقوم عناصر الهجرة والجنسية بسحب تلك الوثيقة من المسافر داخل مطار “هرجيسا” قبيل صعوده للطائرة!

وفي ذلك عدة مخالفات للقانون وخرق لما يدّعيه مسؤولو “صوماليلاند” عن رغبتهم في التأكيد على سيادتهم، وانفصالهم التام والنهائي عن “الصومال”، إذ يتم إصدار “وثيقة سفر فيدرالية” داخل عاصمة الكيان المنفصل، ويتم دفع رسوم قيمتها 10 دولارات، لا يدري أحد أين تذهب على التحديد، ثم يتم سحب الوثيقة داخل ذات المطار الذي أصدرت فيه، ونعني هنا “مطار محمد حاجي إبراهيم عقال الدولي” في مدينة هرجيسا!

يبين الكحل والعمى

وفي محاولة لاستدراك الأمر، افتعلت وزارة الداخلية من خلال وزيرها علي محمد ورن-عدي، حالة من الترقّب والقلق شملت جميع حاملي الجواز الصومالي، من أبناء “صوماليلاند” وأبناء المناطق الصومالية الأخرى، حيث خرج وزير الداخلية مشدّدَا على أنّه سيتم تطبيق قوانين جديدة فيما يخص دائرة الهجرة والجوازات التابعة لوزارته، وأنّه سيتم “التشدّد” على غير المواطنين، عانيًا بذلك أبناء المناطق الصومالية الأخرى، مما يجعل الصوماليلانديين الحاملين للجواز الصومالي الفيدرالي دون أن تكون لديهم وثائق صوماليلاندية عرضة لذلك التشدد.

وعلى الرغم من أنّ القرارات بدت اعتباطية وغير قابلة للتطبيق كما يجب، بسبب فجائيتها، وعدم تناسبها مع قلة عديد الكادر العامل في دائرة الهجرة والجوازات وضعف تدريبه وتأهيله، إضافة إلى عدم كفاءة مدير الهجرة والجوازات نفسه ـ من خلال التجربة ـ، فإنّ اللهجة التي تحدّث بها وزير الداخلية أمام الإعلام بَدَت تحريضية وغاية في الاستفزاز، فاتحة المجال لاستغلالها من خلال المشاغبين وتعرّض بعض أبناء مناطق صومالية أخرى للمضايقة، بما جعل الكثيرين يفكرون في المغادرة، إضافة للقلق الذي أدخله أسلوب الوزير الذي بدا متوعدًا، لدى الأسر الصوماليلاندية التي تعتمد في معاشها على ما يرسله إليها أبناؤها العاملون في “مقديشو” ومناطق صومالية أخرى إلى الشرق والجنوب!

القشة التي قصمت ظهر البعير:

لم تمهل الأيام وزير الداخلية في صوماليلاند “ورن-عدّي” كثيرًا، فقد راجت في المواقع الالكترونية الإخبارية والتواصل الاجتماعي، مراسلة نُسِبَتْ إلى مكتبه، تتحدث عن ضرورة فتح مكتب مخوّل من قبل الحكومة الصومالية الفيدرالية، الهدف منه إصدار جوازات سفر صومالية، لأبناء صوماليلاند الراغبين في السفر للعلاج والتعليم والعمل والتجارة، في اتفاق واضح مع ما سبق وأشار إليه أحد أعضاء البرلمان أحمد موسى أوبسيه “جعن” الذي عبّر بعد عودته من رحلة حج ماضية، عن شعوره بالخديعة والمرارة، نظرًا لانعدام أي دلالة على وجود صوماليلاند ومسؤوليها طوال فترة الحج، ناهيك عن قيام المئات من أبناء صوماليلاند بما فيهم “هو” بالذهاب لأداء فرضة الحج حاملين جوازات صومالية فيدرالية، وكل ذلك يخفيه الساسة في صوماليلاند عن المواطنين البسطاء في حين يثيرونهم بغير وجه حق، عبر عدم قول الحقيقة لأبناء وطنهم الذي يقودون، في أنّ “الجمهورية المعلنة من طرف واحد” جزء من الجمهورية الصومالية الفيدرالية، وأكّد عضو البرلمان على أن من واجب الساسة الاعتراف بفشلهم في تحقيق شيء يُذكر في سبيل تحقيق الاعتراف الدولي، أو حتّى مجرّد أن يتم المعرفة بوجود دولتهم هذه من أساسه!

انعدام المسؤولية واللامبالاة:

وعلى الرغم من أنّ وكيل دائرة الهجرة والجوازات الفيدرالية “جافو”، قد أدّعى أن سبب القرار الصادر من مكتبه، بمنع الرحلات الجوية لكل من “هرجيسا-مقديشو/مقديشو-هرجيسا”، بأنّه نتيجة لوثيقة السفر ذات العشر دولارات السيئة الذكر، فإنّ قِدَمَ الممارسة التي استمرت لعدة سنوات، فإنّ الراجح أنّ السبب بالفعل هو ردّ فعل وزير داخلية صوماليلاند على المراسلة التي نُسِبَت إلى مكتبه، إذ أنّه كعادته عقد مؤتمرًا صحفيًا، ادّعى فيه عدم حاجة “الصوماليلانديين” للجواز الفيدرالي ـ كذا! ـ مدّعيًا أن جواز سفر “صوماليلاند” يمكن السفر به لأكثر من بلد ـ كذا!ـ، وقد كانت الطامة الكبرى حقيقة ادّعاؤه أنّ مواطني صوماليلاند يمتلكون جوازات أخرى ـ شأنه تمامًا ـ وأنّهم يستطيعون استخدامها في سفرهم! وأنّ جواز دولته غير المعترف بها دوليًا أكثر شرفًا من الجواز الفيدرالي!
والنتيجة هي أنّه بدءًا من 22 من فبراير الحالي، سيتكلّف المسافرون ما بين هرجيسا ومقديشو ضعف الكلفة وأكثر من يوم للوصول إلى مقصدهم، والمتضرر الأكبر هم المواطنون العاديون من  أبناء “صوماليلاند” الذين لا جوازات يمكنهم الحصول عليها للسفر سوى الجواز الفيدرالي، نفس الجواز الذي يخشى كثيرون أن يُحظر هو الآخر عليهم، نظرًا لسذاجة وغفلة مسؤولين من عيار “ورن-عدي” وما أكثرهم في حكومة حزب”كولميه” الحالية!

زر الذهاب إلى الأعلى