مسلموا اوغندا بين التهميش والتنصير

يحتل الدين الاسلامي المرتبة الثانية في المعتقدات التي يعتقدها الشعب الاوغندي ، حيث تعتبر المسيحية الدين الأكثر شعبية في جمهورية اوغندا ، حيث يقدر نسبة المسيحيين من اجمالي الشعب الاوغندي ب 80%،  ويأتي الاسلام في المرتبة الثانية ويقدر نسبة المسلمين في اوغندا بحوالي 12% من نسبة عدد السكان في البلد.

ولهذا اصبح للمسلمين في اوغندا دور كبير في تاريخ الجمهورية ، حيث كانوا جزءا اصيلا من الشعب الاوغندي وسعو من اجل استقلال البلد والتمتع بالحرية الكاملة مثلما ناضل بذالك بقية الشعب الاوغندي.

وكان الرئيس الاوغندي الأسبق عيدي امين أول شخصية مسلمة تتولى مقاليد الحكم في البلد، وفي عهده اقتربت اوغندا من الدول الاسلامية ، حتى اصبحت اوغندا عضوا في منظمة التعاون الاسلامي وهي مستمرة في هذه العضوية الى يومنا هذا ، وقد مكنت هذه العضوية لاوغندا ان تتقرب من العالم الاسلامي وان يحظى المسلمون في اوغندا بمكانة كبيرة وتكون لهم علاقات مع الشعوب الاسلامية الاخرى.

ويعد المسلمون في اوغندا من المؤثرين بالاقتصاد الاوغندي ، حيث ان لهم باع طويل في التجارة والاقتصاد الاوغندي ، ولهم ثقل كبير في مجال الاقتصاد والتجارة .

وللمسلمين في اوغندا مراكز اسلامية كبيرة يجتمعون ويناقشون فيها قضاياهم وامورهم ، ومن اهم هذه المراكز المسجد الوطني والذي كان يسمى فيما قبل بمسجد القذافي ، حيث يعد اكبر مكان يجتمع فيه المسلمون في البلد ، ويقيمون فيه الصلوات والجمعة والأعياد الاسلامية، الى جانب هذا لهم مدارس اسلامية يعلمون فيها ابناؤهم بالتربية الاسلامية وينشرون من خلالها الدعوة الاسلامية.

وتعتبر الجامعة الاسلامية في اوغندا احد اعرق الجامعات الاوغندية والتي تستوعب الآلاف من الطلاب ، وهي من اهم المراكز التعلمية الساعية الى نشر الدين الاسلامي في اوغندا وتعليم الشباب والمثقفين الدين الاسلامي الحنيف.

الى جانب هذا يتمتع المسلمون في اوغندا بقدر كبير من الحرية الدينية ، حيث ان الحكومة الحالية تحترم المسلمين الى حد كبير وتسمح لهم بممارسة شعائرهم وعاداتهم والتقاليد الاسلامية، ويتبؤون مناصب عليا في اجهزة الدولة الاوغندية الحالية.

ورغم هذا إلا ان المسلمين في اوغندا يعانون من قضية الاختلاف الكبير بين اطياف الفرق الاسلامية ، وان كان غالبية المسلمين في اوغندا ينتمون الى المذهب السني ، إلى انهم يختلفون فيما بينهم ، حتى اصبح لكل جماعة مجلسها الخاص ومراكزها الخاصة ، وظهر خلافهم الى العلن ولم يصبحوا موحدين واصبحوا مشتتين، رغم اعتراف الدولة بالمجلس الاعلى للشؤون الاسلامية بأنه الممثل الحقيقي لمسلمي اوغندا.

الى جانب هذا يعاني مسلموا اوغندا من قضية التهميش من قبل الشعوب الاسلامية الأخرى ، حيث لم يجد مسلموا اوغندا الدعم الكافي والمطلوب من اخوانهم في الدول الاسلامية ، ولم تُرى الى يومنا هذا مبادرات جدية وكبيرة من قبل الدول والمنظمات الاسلامية من اجل حل قضية الخلاف المستعصي بين مسلمي اوغندا والسعي نحو توحيدهم والعمل على حثهم على ان يكونوا صفا واحدا .

الى جانب هذا لم يحظى مسلموا اوغندا من الدول الاسلامية القدر الكافي من المساعدات ، من اجل مساعدتهم على بناء المراكز والمدارس الاسلامية بالصورة اللازمة، حيث يعاني المسلمون في اوغندا من اجل الحصول على المساعدات الضرورية لنشر الدعوة الاسلامية وتشييد هذه المراكز، مما يعني ان اخوانهم المسلمين في العالم اهملوهم بصورة كبيرة.

إلا ان هذا لا يمنع انه كانت هناك محاولات شريفة من قبل بعض الدول والمنظمات الاسلامية بالوقوف الى جانب مسلمي اوغندا ، خاصة دول الخليج العربيوعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي دعمت بعض المشاريع الاسلامية في اوغندا، بالاضافة الى ليبا وخاصة في عهد الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي والذي تبرع لمسلمي اوغندا بملايين الدولارات ، وساهم في بناء اكبر مسجد في شرق افريقيا الى جانب مراكز وكلية للدعوة الاسلامية ومكتبة ومقاهي تعمل من اجل المركز تابعة لهذا المشروع ، وقد تمت تسمية هذا المسجد بالسابق بسمجد القذافي الى ان تم تغيير اسم المسجد بعد وفاته وتمت تسميته بالمسجد الوطني ، وهذا المسجد هو اكبر مكان يجتمع فيه المسلمون في اوغندا.

بالاضافة الى دور السودان الشريف في استيعاب اعداد هائلة من الطلاب الاوغنديين وتوفير المنح الدراسية لهم والسماح لهم بالالتحاق بالجامعات السودانية ، وقد تمت تربية هؤلاء الطلبة بالتربية الاسلامية وتمت مساندتهم بالطرق الأمثل لنشر الدعوة الاسلامية ، وقد كان لهؤلاء الطلبة دور كبير في نشر الدعوة الاسلامية حيث اصبح خريجوا السودان اساتذة في الجامعات الاوغندية وقضاة ودعاة ، وقد ساهموا في نشر الاسلام والعمل على تقوية المجتمع الاسلامي في اوغندا وتقوية اواصر المحبة فيما بينهم ، وكذالك كان للسودان دور كبير في التبرع من اجل بناء مراكز ومدارس اسلامية في بعض المدن والقرى الأوغندية.

ونشير هنا إلى ان الجالية الصومالية لها دور كبير في نشر الدعوة الاسلامية في اوغندا ، حيث ان للجالية الصومالية مساجد ومدارس ومراكز اسلامية في اوغندا ، فعلى سبيل المثال يعتبر مركز التوحيد الاسلامي من اكبر المراكز الاسلامية في العاصمة كمبالا ، ولهذا المركز نشاطات دعوية كبيرة ، ويتم جمع التبرعات والمساعدات من الاخوة الصومالية من قبل ادارة هذا المركز من اجل مساعدة مسلمي اوغندا في بناء المراكز والمدارس الاسلامية في اوغندا.

ورغم هذه المحاولات الشريفة من هذه الدول والمنظمات الاسلامية في مساعدة وتلبية حاجات مسلمي اوغندا إلا ان هذه المساهمات ما زالت قليلة بالمقارنة لاحتياجات مسلمي اوغندا ولحالتهم المزردية والضعيفة ، وبالمقارنة لما يتمتع به المسيحيون في اوغندا  والذين يحظون بدعم كبير وغير محدود من قبل الدول والمنظمات المسيحية.

حيث ان الكنائس والمنظمات المسيحية ترعى معظم المدارس والمستشفيات والمراكز التعليمية والثقافية في اوغندا ، وتسعى من خلال هذا الدعم الكبير واللامحدود الى نشر الدين المسيحي في اوغندا.

وقد انتهزت المنظمات المسيحية من الحالة الضعيفة والمزدرية لمسلمي اوغندا وعدم تلقيهم الدعم المطلوب من قبل اخوانهم المسلمين ، لذا تسعى الى نشر المسيحية بين اوساط المجتمع الاسلامي في اوغندا من خلال جلب اولادهم الى هذه المراكز والمدارس التعليمية المسيحية ، ولأن كثيرا من المسلمين في اوغندا لا يتمكنون من دفع ثمن الدراسة عن اولادهم او عدم وجود مدارس اسلامية في بعض المدن والقرى التي يتواجد فيها المسلمون  مما يدفعهم الى الحاق ابنائهم بهذه المدارس المسيحية التي تنشر المسيحية في اوساط الطلبة مما يعرض بعض ابناء المسلمين الملتحقين في هذه المدارس من التنصير والاقتناع بدخول المسيحية نظرا لتربيتهم على التربية المسيحية.

وتغلغلت هذه المنظمات الى المناطق الفقيرة التي يسكنها المسلمون وغرقت هذه المناطق بالمقدسات الانجيلية للسعي من اجل استجلاب وتنصير اعداد هائلة من المسلمين ، إلا ان النتائج التي حققتها هذه المنظمات لا تقاس بحجم النفقات التي انفقتها ، وتمسك المسلمون بدينهم ورفضوا التخلي عنها رغم الظروف القاسية التي يعانون منها.

وعن مستقبل مسلمي اوغندا فإن هناك حالة من النشوة والصحوة بين ابناء المجتمع الاسلامي في اوغندا ، والذين عقدوا العزم على احياء اواصر المحبة والترابط فيما بينهم، لذا يتطلع مسلموا اوغندا الى احياء دورهم في جميع المجالات المختلفة سواء الاجتماعية او الثقافية او السياسية او الاقتصادية.

ولهذا يحاول المسلمون في اوغندا ورغم حالة الاختلاف والتهميش الى تأسيس المراكز والمدارس الاسلامية للاستغناء عن فكرة الحاق ابنائهم بالمدارس والمراكز المسيحية ويتطلعون لمزيد من المساعدات والوقوف الى جانبهم من قبل اخوانهم المسلمين في الدول الاسلامية.

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى