صناعة النقل في الصومال

“الصومال” هو “القرن الإفريقي”، ينضم إليه في التعريف ثلاثة بلدان تحوي أقاليم صومالية وهي “جيوتي” و”إثيوبيا” و”كينيا”، إضافة إلى دولة إرتريا، وقد يشمل التعريف بلدان كـ”السودان وجنوب السودان وأوغندا” اعتبارها جزءًا من القرن الإفريقي في تعريفه الواسع، وتعبر الصومال من الدول ذات الكثافة السكانية المنخفضة، إذا يُقدر القاطنون بـ”9,3-12″ مليون نسمة، في أرض مجمل مساحتها أكثر من 637 ألف كيلومتر مربّع، بما يجعل نصيب الكيلومتر المربع الواحد من السكان أقل من 20 من الأنفس، بما يجعل التجمعات السكانية مبعثرة على امتداد “الجمهورية” التي قامت سنة 1960م باستقلال واتحاد المحمية البريطانية والمستعمرة الإيطالية، بأنها خريطة طولية شديدة الضيق في أقاليم كثيرة منها، إضافة إلى احتوائها على انحناء كبير يشمل المحمية البريطانية السابقة، مما يجعل النقل ما بين التجمعين السكانيين المليونيين “مقديشو- بمليونين ونصف” و”هرجيسا – مليون نسمة” يتم عبر خطوط نقل برية وجوية مبالغ في طولها!

صناعة النقل في الصومال تاريخيًا:

على الرغم من الدور الكبير الذي لعبه أسلاف الصوماليين في التجارة والنقل البحري الدوليين مستخدمين سفنهم الخاصة المعروفة بـ”بيدن”، بحيث نشطوا في التبادل التجاري مع جوارهم في شرق وجنوب إفريقيا، إضافة جنوب شرق وجنوب آسيا، وغرب آسيا وشمال إفريقيا، فقد مرّت البلاد بفترة من التراجع الحضاري على مدى العشرين قرنًا الماضية، جعل معظم الدول التي قامت على طول البلاد وعرضها، لا تعدو تكون دول “مدن”، ولم يشذ عن ذلك سوى فتر ة انتعاش تجاري كبير، في القرون الخامسة والسادسة والسابعة عشرة الميلادية، ممثلًا ذلك في سلطنتي “عدل” و”أجوران” التين شملتا شمال غرب البلاد وجنوبها على التوالي، إلّا أن اتساع مساحة البلاد وقلة السكّان إضافة إلى التركيز على النشاط التجاري، واستنزاف الموارد في صدّ هجمات القبائل والعشائر البدوية الميالة للتمرّد والنهب، كل ذلك حدّ من الحضور العمراني والحضاري  لتلك السلطنات خارج المدن الرئيسية وعواصم التجارة على الساحل الطويل للبلاد، وهو ما أدّى إلى قصر نسبي في أعمار  تلك الدول وانخراطها السريع في صراعات دولية فاقمت مشاكلها وأدّت لوقوعها فريسة سهلة لمملكة الحبشة من جهة وللقبائل البدوية من جهة أخرى، وعليه فقد بقي قطاع النقل الداخلي في البلاد لفترة طويلة، لا يرتقي عن أن يكون عبارة عن قوافل تجارية، تكون فيها وسيلة نقل البضائع هي ظهور الإبل وينتقل الناس معها على ظهور الخيل والحمير والبغال، متوقفة تلك القوافل في محطات منتشرة في كل اتجاه.

قطاع النقل في الصومال:

ينقسم النقل في الصومال إلى أربعة أنواع رئيسية في غياب تام للسكك الحديدية إلى:

1-      النقل البري:

تعتبر الطرق البرية وسيلة النقل الداخلية الأساسية وتخدمها طرق بما يقرب من 22000 كم من الطرق تنقسم إلى حسب حالتها إلى 2800 كيلومتر من الطرق المعبّدة، 844 كيلومترًا من الطرق المرضوفة بالحصى، و 18229 كيلومترًا من الطرق الترابية، منقسمة مجمل تلك الطرق حسب الاستخدام إلى طرق رئيسية وطرق فرعية وطرق ريفية.

ومع غياب التنسيق بين مجمل الكيانات الصومالية فإن التقديرات تشير إلى وجود 70 ألف عربة مسجّلة في ولاية بونتلاند الفيدرالية و71000 عربة في جمهورية صوماليلاند المعلنة من طرف واحد، ويمكن تقدير اعداد العربات في باقي الأقاليم الصومالية بمثل مجموعهما أي قريبًا من 14000 عربة، تنقسم مناصفة بين عربات الاستخدام الشخصي والتجاري، بما يجعل البلاد مؤهلة إلى نمو كبير في قطاع النقل البري، سواءًا الانتقال الشخصي أو نقل الأفراد أو البضائع والسّلع، ويصنع سوقًا غاية في الأهمية لتجارة وسائل النقل البري، والخدمات المرافقة لها، من صيانة وقطع غيار وأضافات.

2-      النقل الجوي:

تخدم قطاع النقل الجوي في البلاد  واحد وستون مطارًا منها ستة مطارات دولية في “مقديشو” و”هرجيسا” و”بربرة” و”بوصاصو” و”كيسمايو” و”غروي” والبقية محلية، وتتميز المطارات الدولية بمدارجها المعبدة المتراوحة في الطول ما بين 3047م و 15024م، في حين أن بقية المطارات الخمسة والخمسين غير معبّدة المادرج.

3-      النقل البحري:

النقل البحري في الصومال يتم عبر أربعة موانئ رئيسية هي “مقديشو” و”بربرة” و”بوصاصو” و”كيسمايو” و”مركا”، إضافة إلى موانئ غير رسمية وقريبًا من ثلاثين مرفأ صيد رئيسي وضعفها من المرافئ الصغيرة.

كان قطاع النقل البحري قطاع النقل الأنشط في البلاد تاريخيًا ولا يزال، إلّا أن متغيرات الأوضاع السياسية والأمنية، ومتغيرات الساحة الدولية، حدّت إلى حد كبير من تطوير القطاع ليتجاوز مرحلة تلبية الاحتياجات المحلية إلى مرحلة التحوّل لمورد اقتصادي أساسي، إذ يمكن لقطاع النقل البحري في الصومال أن يقدّم خدماته إلى أكثر من مائة مليون إنسان في المنطقة، خاصة مع انتهاء “فورة” أعمال القرصنة الدولية المنطقة من السواحل الصومالية الشرقية.

وتبرز أهمية قطاع النقل البحري في قدرتها على أن تكون مصدرًا مهمًا للدخل وفرص العمل، فمداخيل يناء “بربرة” ـ على سبيل المثال ـ تشكّل قريبًا من 70% من مجمل موراد الدولة في “صوماليلاند” ويؤمن فرص عمل مباشرة وثانوية لعشرات الآلاف من المواطنين، في حين أن الميناء يحتاج لاستثمارات لصيانة معداته وإجراء أعمال تطوير  لمضاعفة قدرته الاستيعابية لا تتجاوز 65 مليون دولار في بعض التقديرات.

4-      شبكات الأنابيب والكابلات:

على الرغم من حفر نيّف وخمسين بئر نفط في طول البلاد وعرضها، فقد واجهت أعمال التنقيب عن النفط والغاز مرحلة توقف للاعمال طبالقوة القاهرة” نهاية ثمانينات وبداية تسعينيات القرن الماضي، مما عطّل التقدّم في قطاع نقل النفط والغاز، بحيث تخلو البلاد من خطوط الأنابيب الناقلة للوقود الأخفوري، ما خلى محطتي استقبال الوقود في مينائي “مقديشو” و”بربرة”، ومع التأخر الحاصل في الشأن النفطي في البلاد، فإنّ مع خروج الخبراء والشركات الأجنبية بتقديراتهم المتصاعدة يومًا بعد يوم حول احتياطيات النفط والغاز المقدّر في البلاد، فإن قطاع الإنشاءات البترولية وخدمات حقول النفط والغاز موعود في المستقبل المنظور بإنجاز مشاريع غاية في الكبر والأهمية، لخدمة نقل الإنتاج الوطني من النفط إضافة لدول الجوار المغلقة كإثيوبيا وجنوب السودان.

وقد خالفت الصومال التوقعات التي حتمت انهيار قطاع الاتصالات، إبّان سقوط النظام الدكتاتوري وانهيار الدولة المركزية، لكن المستثمرين الصوماليين، سرعان ما نحجوا في تجاوز العقبات، بحيث استطاعوا توفير خدمات الاتصالات عبر شركات القطاع الخاص حتى بلغ عدد مستخدمي الهاتف المتحرك 52% من السكان، وتنوّعت الخدمات ما بين الهاتف المحمول وصولًا لـ”الجيل الرابع” والإنترنت ذي سرعات عالية، وقد استجدّ إدخال خط “كابلات” الألياف الضوئية للبلاد بدءًا من سنة 2013م في مسعًى لرفع مستوى خدمة الانترنت في البلاد، وخفض كلفة استخدام الاتصالات الفضائية قليلة السعة عالية الكلفة.

الإشكاليات القائمة في قطاع النقل:

يواجه قطاع النقل إشكاليات رئيسية ترجع إلى التاريخ السياسي للبلاد إضافة إلى الأوضاع الناشئة عن الحرب الأهلية نهاية الثمانينيات المؤدية إلى سقوط النظام الدكتاتوري سنة 1991م وانهيار الدولة المركزية والدخول في مرحلة الصراعات الفوضوية والنهب وتدمير المرافق الذي تلاه، علمًا بأن أشدّ القطاعات تضررًا كان قطاع النقل البري، كما أن انقطاع الصيانة الدورية عن الموانئ والمرافئ خلال عقدين وحدوث اضطرابات أمنية في محيطها، اديّا لتراجع في إمكانياتها، رغم ما تم البدء ه من أعمال الصيانة والتوسيعة وإعادة التأهيل في عدد من الموانئ الرئيسية، كما شهد قطاع النقل الجوي قفزة مهمة، في استفادة من حالة انعدام الضوابط والكلف الاقتصادية لإدارة الدولة للمطارات الفرعية والداخلية، لتصبح شبكة المطارات الصغرى مجالًا ملائمًا لهبوط الكثير من السلع والمسافرين، في طائرات مستأجرة قادرة على العمل في المدارج غير المعبّدة خاصة إبّان التسعينيات وبدايات الألفية الثالثة.

إعادة تأهيل وتطوير قطاع النقل:

تواجه البلاد معضلة أساسية تتمثل في طول الكبير للطرق بين الأقاليم والمحافظات والمدن الكبرى نظرًا لشكل خريطة البلاد الطولية مع عدم كثافة حركة النقل الداخلية، المتركزة على نقل المسافرين والمنتجات الزراعية، وسلع مستوردة إضافة إلى نقل المواشي في حالات أقل.

وتنقسم الطرق إلى طرق خارجية تشكّل معظم الطرق المحتاجة إلى إعادة التأهيل، أو إعادة الرصف بالأسفلت، أو إعادة التعبيد أو البدء بالتعبيد كونها لم يسبق تعبيدها، وحسب تقديرات دائرة النقل في صوماليلاند فإن كلفة المتر المربّع من الطريق المعبّد بالأسفلت تُقدّر بخمسة وستين دولارًا أمريكيًا (65$) دون حساب لخدمات الطريق من جسور ومصارف ومصدات وحواجز ورصيف مشاة جانبي ومعدات السلامة، وبحسب تلك التقديرات فإن كلفة إعادة تأهيل قطاع النقل البري تتراوح ما بين تسعة مليارات وعشرين مليار دولار  أمريكي.

كما يمكن إيجاد حلّ لارتفاع كلفة العالية للمتر المربّع الواحد من الطريق المرصوف، عبر الاستفادة من الأحجار الطبيعية في الرصف، بإنشاء معامل لقصّ “الحجر” المتوفر بكثرة في مناطق واسعة من البلاد، وصقله وإعداده بمواصفات تسمح له بتحمّل أوزان محددة، نظرًا لطول العمر الوظيفي لمادة الحجر، وسهولة صيانة الطرق وإعادة موازنتها وعدم الاحتياج لكلف صيانة عالية، أو حرفيين ذوي تدريب تقني خاص ومكلف، بحيث يتم جعل الرصف بالحجر الحل الأمثل لتعبيد الطرق الفرعية في الأحياء وكذلك الأسواق ومداخل المباني والمرافق العامة، عبر أن يكون جزءًا من مهام مجالس البلديات في مشاريع دائمة ومرحلية طويلة المدى إنّما مستمرة دو انقطاع في توسعة شبكات الطرق وصيانتها.

كما أن قطاع النقل البحري والجوي يحتاجان إلى خطط حكومية واضحة لإنجاز اعمال التطوير، من حيث المدارج ومباني استقدام المسافرين والخدمات، والسعي لتحقيق أكبر قدر من الشفافية والانضباط لدى الكوادر الحكومية لإحداث نقلة تتناسب مع تطورات الأوضاع في البلاد، لإدخال قطاعات جديدة في خدمة الاقتصاد كقطاع السياحة الذي لم يجد الاهتمام الجدير به سابقًا، ولازال خاضعًا لمجمل النتائج السلبية للظروف الاستثنائية التي مرّت به البلاد، كما يُعاني من الافتقار للبنية التحتية والخبرة والخدمات في مجمل مناحي الحياة الاقتصادية.

وقد يكون مربط الفرس في تطوير قطاعات النقل شأن جميع مناحي الحياة على التراب الصومالي، تهيئة البيئة الملائمة للاستثمار في قطاعات منتجة كالزراعة والصيد البحري والحفاظ على الموارد البيئية وتنشيط السياحة، وصولًا إلى المناجم واستخراج النفط والغاز،  ولن يتم ذلك سوى خروج الطبقة السياسية من حالة التخبّط الناشئ عن استغلالها لقلة الوعي وارتفاع نسب الجهل والفقر، مستثمرة في لحزازايات بين فئات المجتمع، والناشئة عن فترة دامية من تاريخ البلاد دخلتها إّبان العهد الدكتاتوري، وما نتج عن كل ذلك من اعتياد ممارسة أنواع الفساد والاستتباع والاعتماد على الغير اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى