سقوط مركه.. « هزيمة كبرى» لإستراتيجية الحرب على «الشباب»

يمثل سقوط مدينة مركه بيد تنظيم الشباب « هزيمة معنوية»  كبرى لإستراتيجية الحرب على التنظيم ، ويثير شكوكا كبيرا حول مدى مصداقية رؤية الحكومة والقيادات العليا تجاه هذا الحرب. تمكن التنظيم من السيطرة على مدينة مركه بسهولة ومن دون قتال بالرغم من الدعم العسكري واللوجسيتي التي كانت تتلقى الحكومة وبعثة القوة الإفريقية  خلال الشهور الماضي من الدول الشقيقة والصديقة والدول المانحة  بالاضافة إلي الجهود الدبلوماسية المكثفة لانتزاع باقي المناطق التي لا تزال بيد حركة الشباب.

لا شك أن هذا السقوط المدوي  يساهم في رفع معنوات عناصر الشباب التي كانت تتلقى منذ سنوات  ضربات موجعة على أيدى القوات الصومالية وقوة بعثة الاتحاد الأفريقي وتشجعهم على تكثيف غاراتهم على قواعد التحالف في المحافظة مراهنين على خطتهم واستراتيجاتهم التي أعلنوها بداية انسحابهم من العاصمة مقديشو قبل 5 سنوات تقريبا والمعتمدة على الانتشار في تخوم المدن واستخدام أسلوب الهجمات المباغة والعمليات النوعية والابتعاد عن المواجهة المباشرة.

أهمية المدينة

على الرغم من قوع مدينة مركه في قطاع يحاصره البحر والمرتفعات الا أن المدينة تمثل استراتيجة كبرى  وتتمتع بأهمية قصوى تتمثل في:

1-   كونها مركزا لأغنى محافظة في الصومال. وهذا يمثل رمزا معنويا كبير.

2-  تعطي المدينة حركة الشباب منفذا بحريا يسمح لها باستخدامها للتصدير والاستيراد وممرا للاسلحة القادمة اليها بعد أن قفدت سيطرتها على جميع المنافذ البحرية في الصومال.

3- للمدينة منفذين بريين مهمين، طريق ساحلي غير معبد يربط المدينة بالعاصمة مقديشو وطريق بري يصلها بالطريق الرئيسي بين مقديشو والمدن الكبرى في جنوب البلاد.

4- ستشكل المدينة مركزا مهما لإعداد العمليات التي يشن تنظيم الشباب على العاصمة مقديشو والمناطق القريبة منها ، وتساعدها في استقطاب المزيد من المحاربين والمؤيدين للتنظيم.

أسباب سقوط المدينة

لا يعرف حتى الآن الأسباب الحقيقية وراء انسحاب القوات المشتركة الصومالية  والافريقية المفاجئ من قواعدها داخل المدينة الا أن هناك معلومات تتحدث عن اسباب خفية أدت إلي سقوط المدينة في ايدي تنظيم الشباب وأبرز هذه الأسباب:

1-  مؤامرة:

تتحدث معلومات من مصدر مطلع عن وجود  علاقة قديمة وتنسيق بين  قيادات بعض القوات الموجودة في المدينة والتنظيم ساهمت في تكثيف الضربات على قوة « أميصوم» في المدينة وأدت في نهاية المطاف إلي انسحابها قبل أسابيع من قواعد لها في الشريط الشمالي للمدينة وبالتحديد منطقة عيل حاج في الساحل الشمالي للمدينة وتمركزها في قواعد أخرى وسط المدينة، ثم تابع بعد ذلك انسحاب أفراد الجيش من قواعدهم دون التنسيق مع القوات الافريقية بإتجاه العاصمة مقديشو ما دفعت الأخيرة إلى الانسحاب أيضا من قواعدها وسط المدينة خوفا من سيناريو هجوم قاعدتها في بلدة جنالي التي اسفرت عن مقتل عدد كبير من قوة بعثة الاتحاد الافريقي نهاية العام الماضي. 

كان انسحاب القوات الحكومية منظما وبأمر رسمي، يراها المصدر المطلع بأنه صدر من القيادات العليا  للوحدات العسكرية في المدينة وبإشراف من قيادات أعلى في العاصمة مقديشو،  ويرجح بأن هناك اتفاقية سرية جرت بين  تنظيم الشباب وجهات أمنية في المدينة.

2-  عدم دعم العشائر

المشكلة أن أغلب العشائر في المنطقة غاضبة من سياسات الحكومة تجاه محافظة شبيلي الغنية بالموارد الاقتصادية وعدم اعطاء حقوقها السياسية كاملة.  فالقيادات السياسية ليست لديها النية  في دعم العشائر على الاطلاق، لأنها تخاف من تكرار تجربة عشائر المناطق الوسطى في البلاد وهذا الأمر دفع غالبية سكان الاقليم باتخاذ موقف حيادي سلبي تجاه الحرب الدائرة بين التحالف المشترك وتنظيم الشباب بينما خرجت مليشيات العشائر الغاضبة خارج المدينة ولا تشارك في العمليات القتالية ضد الشباب.

3-  الفساد

كانت الإدارة والقوات الأمنية في المدينة  تعاني خلال السنوات الماضية من إهمال وضعف الاهتمام من قبل الحكومة المركزية وإدارة اقليم جنوب غرب الصومال في ظل انتشار الفساد بشكل كبير في صفوف أفراد الجيش المسؤولة عن حماية المدينة من حركة الشباب ولا سيما وسط بعض الضباط الكبار الذين عينوا أخيرا  في مناصب رفيعة بناء على ولائهم القبلي  وانتمائهم الفكري بدلا من كفاءتهم.

انعكسات سقوط المدينة

أحد أهم الأسباب التي تجعل سقوط  مدينة مركه مصدر قلق بالنسبة لكل الصومالين والمتابعين للحرب على تنظيم الشباب هو الخشية من أن تشكل سقوط المدينة نقطة تحول كبيرة في الحرب مع التنظيم وتفتح الأبواب لسقوط مدن وبلدات أخرى مهمة مثل مدينة برواة المحاصرة حاليا من قبل الشباب حيث لا تقدر القوات المتواجدة في داخلها التحرك بسهولة وأن انسحابها من المدينة وبعض البلدات المنتشرة في الطريق بين مقديشو وبرواة مثل بولو مرير ومارنغواي بعد سقوط مدينة مركه مركز الاقليم بيد الشباب مسألة وقت ليس الا وأن هناك معلومات تتحدث عن تحركات عسكرية  تقوم بها القوات الافريقية لتنفيذ الانسحاب. كما تشكل سقوط المدينة تهديدا مباشرا على العاصمة مقديشو حيث يصبح التنظيم يدق على أبوابها ويجعل قواته على مرمى حجر من العاصمة.

ويجب الاشارة في هذا الاطار إلي مناشدات صدرت قبل أشهر عن بعض الجهات في الاقليم تحذر من مغبة اهمال الوضع الأمني في اقليم شبيلي السفلى بعد سيطرة حركة الشباب  على عدد من البلدات الإستراتيجية في الاقليم مثل بلدة جنالي، مشاني، واغاذي، تورتور، مبارك، أو طيغلي ، وكنتواري. وأشارت تلك الجهات ألي  أن حوافر حمير  وبغال التنظيم أصبحت على مشارف مدينة مركه، وأنه لا يمنعها من اقتحام المدينة سوى ما يمكن وصفه بحسابات عسكرية، بل حذرت من ان تسقط  المحافظة بشكل كامل بيد تنظيم الشباب خلال الشهور المقبلة مالم تتغير سياسيات الحكومة تجاه المحافظة بشكل جذري وحقيقي .

توصيات

1- عمل جهود محددة وواضحة لتحقيق مصالحة بين العشائر القاطنة في الاقليم ودعهما في تشكل إدارة قوية قادرة على تحمل مسؤولية الأمن في المدينة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتحقق الا بتدخل مباشر من قوة بعثة الاتحاد الأفريقي.

2- ارسال وحدات جديدة من الجيش تتضمن أفراد منتمين إلي العشائر الصومالية التي ليست طرفا من الصراع الدائر في المحافظة وضمان حقوقها كاملة ودعمها على كافة المستويات.

3- اعداد برنامج متكامل لتدريب مليشيات ومقاتلي العشائر واستيعابهم ودمجهم في المؤسسات الأمنية والعسكرية العاملة في  الاقليم واستعانتهم في ضبط الأمن والاستقرار في الاقليم. 

4- اشراك السياسين المنحدرين من الاقليم في العلميات السياسية والامنية ذات العلاقة بمحافظة شبيلي السفلى وحثهم على تحمل مسؤوليتهم تجاه المحافظة.

5- سحب الميلشيات المسلحة التي تثير النزاعات بين العشائر من مدن وبلدات المحافظة.

6- زيادة المشاريع التنموية في المحافظة وزيارات المسؤولين سواء على المستوى المركزي والاقليمي إلي المحافظة للإطلاع على أوضاع السكان ومتابعة سير الجهود الرامية إلي ضبط الأمن والاستقرار والمصالحة .

زر الذهاب إلى الأعلى