دلالات فوز “موسفيني” بولاية رئاسية خامسة في أوغندا

شهدت أوغندا في الأيام الأخيرة انتخابات برلمانية ورئاسية جرت في جميع انحاء البلاد، وتنافس في منصب رئاسة الجمهورية 8 مرشحين أبرزهم الرئيس الحالي يوري موسفيني الذي يحكم البلد لأكثر من ثلاثين عاما ، وقائد المعارضة الأوغندية كسيجي بوسيجي والذي كان من انصار موسفيني الا ان اختلف معه في عام 1996م ونافس معه ثلاث مرات متتالية ، إلى جانب رئيس الوزراء الأوغندي السابق حليف الأمس مع موسفيني، وحدثت مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الثمانية إلا أن موسفيني إمتنع عن الحضور  فيالمناظرة الأولى ووصفها بأنها مثل مناظرات الأطفال في المدارس، إلا انه قبل المشاركة في المناظرة التلفزيونية الثانية بين المرشحين.

وشهدت هذه الإنتخابات مضايقات كبيرة من قبل السلطات الأمنية على قائد المعارضة الاوغندية كسيجي بوسيجي ، والذي تعرض للإعتقال لأكثر من ثلاث مرات خلال أسبوع الإنتخابات ، بالإضافة الى انه كان تحت قيد الإقامة الجبرية يوم امس السبت في حين كانت المفوضية القومية للإنتخابات تعلن نتائج الإنتخابات الرسمية.

هذا واتهمت المعارضة الأوغندية على الحزب الحاكم والسلطات الرسمية في البلد في التضييق والتخويف للناخبين وتزوير اصوات الناخبين، إلا ان المفوضية القومية للإنتخابات والحزب الحاكم يرى ان الإنتخابات جرت بحرية كاملة وفي جو ملائم للأجواء الديمقراطية في العالم ، وان احتجاز قائد المعارضة كان من اجل تثبيت الأمن والاستقرار في البلد ، حيث اتهمت السلطات بوسيجي وانصاره على اثارة الفوضى والقلاقل الأمنية والأعتداء على مملتكات الشعب خلال المظاهرات التي اقاموها في الأيام القليلة الماضية.

من جانبها عبرت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الاوربي عن قلقها العميق والشديد عن جو الإنتخابات في اوغندا ، حيث شهدت اوغندا مضايقات للمعارضين ولاغلاق شبكات التواصل الاجتماعي خلال الإنتخابات.

ورغم هذا الجو الذي ساد خلال الإنتخابات إلا ان الحكومة تصر على ان الجو العام كان ديمقراطيا ، مستشهدة بأنها فتحت المجال للمرشحين من اجل القيام ببرامجهم الإنتخابية بحرية كاملة وبإن الانتخابات شارك فيها مراقبون محليون ودوليون وانها كانت نزيهة وغير خفية وتابعتها وسائل الاعلام عن قرب.

ويرى الحزب الحاكم ان الشعب اختار موسفيني والحزب الحاكم مقتنعين بسياسيات الحزب التي قادت البلد خلال ثلاثين عاما وحققت استقرارا سياسيا وامنيا للبلد خلال حكم الحزب.

وسوف نتعرض فيما يلي دلالات فوز الرئيس موسفيني بالإنتخابات الرئاسية وتمكنه من الفوز بالرئاسة وتصويت حوالي 60% من الناخبين له مفضلينه على المرشحين الأخرى:

أولا: الإستقرار

يرى كثير من المحللين ان من اهم الأسباب التي أدت الى اختيار موسفيني للمرة الخامس على التوالي وفوزه بمنصب رئيس الجمهورية خلال هذه المدة الطويلة هي ترحيب الناس واهل الخبرة والدراية بالإنجازات العملية التي قام بها موسفيني خاصة فيما يتعلق بالإستقرار الامني الذي ساد في البلد ، ففي عام 19986م لما استولى موسفيني على الحكم في البلد عن طريق الإنقلاب العسكري فإن البلد كانت تشهد حروبا طاحنة وكانت الفوضى والقلاقل الامنية تحيط بالشعب الاوغندي ، وكانت الجبهات القتالية تتمتع بالقوة الكافية لشن هجمات على المواطنين والجيش الوطني ، إلا ان موسفيني تمكن من القضاء على الحركات والجبهات المسلحة والتي كان آخرها جبهة جيش الرب للمقاومة والتي قضت مضاجع الأوغنديين وحرمتهم من الاستقرار وارتكبت جرائم ضد الإنسانية ، فقد تمكن الجيش الاوغندي من القضاء عليهم ودحرهم واستسلام اعداد كبيرة من منتسبي هذا الجيش الى الحكومة الاوغندية وهروب ما تبقى من اعضائه الى الدول المجاورة خاصة جنوب السودان والكونغوا، لهذا تتمتع اوغندا حاليا باستقرار امني رفيع في جميع المحافظات الأوغندية.

ثانيا: النمو الاقتصادي :

يرى كثير من الخبراء بالشأن الأوغندي ان معظم الطبقة الاقتصادية والتجارية والطبقة المتوسطة في البلد تشجع الرئيس موسفيني وتفضله على باقي المرشحين الآخرين نظرا للنمو والتطور الاقتصادي الذي حدث خلال حكم الرئيس موسفيني ، وخلال المناظرة التلفزيونية التي عقدت بين المرشحين في اوغندا افتخر موسفيني بأنه حقق نموا اقتصاديا في اوغندا خلال حكمه وانه تمكن من انتشال البلد من بلد معظم شعبه من الفقراء لا يوجد لهم تأثير في الاقتصاد الوطني الذي كان يسيطر فيه الأجانب خاصة الهنود الى بلد يتمتع فيه الشعب الأوغندي بالتاثير القوي على اقتصادهم .

وقد شهد الإقتصاد الأوغندي نموا واضحا وملحوظا خلال حكم الرئيس موسفيني كما تشهد بذلك المنظمات الدولية المحايدة ، وشهد البلد خلال عهده تطورا في البنى التحتية في البلد ، وقد وقعت الحكومة الاوغندية اتفاقيات مع الصين واليابان من اجل تشيد طرق وبنى تحتية في البلد .

ثالثا: الكاريزما والشخصية القوية لموسفيني:

يتمتع الرئيس موسفيني بكاريزما وشخصية قوية تمكنه من التاثير على الأوضاع الداخلية والخارجية ، فيتقدم الرئيس موسفيني بباع طويل عن اقرب منافسيه في قيادة البلد ، حيث ان اكبر شخصتين من المعارضة كسيجي بوسيجي واماما امبزازي كانا من ضمن الحزب الحاكم في البلد وكانا من انصار موسفيني ، وقد اشار موسفيني الى ان كلا منهما اخفق في قيادة سفينية البلد معه ، وانه مكنهما من قيادة البلد من خلال تعينهم بمناصب قيادية في البلد إلا ان كلا منهما لم يأتي بالمرجو منها .

وقد حكم موسفيني البلد لأكثر من ثلاثين عاما مما اعطاه هيبة كبيرة في داخل اوغندا والذي يعتبره الكثير منقذ اوغندا وقائدها الى التقدم والتطور والإزدهار.

اما فيما يخص خارج اوغندا فإن الرئيس موسفيني يعتبر من اهم الزعماء الأفارقة في الوقت الحالي ، حيث انه له علاقات قوية مع معظم الدول الإفريقية ، ولعب دورا كبير في احياء دور منظمة الإيغاد والاتحاد الافريقي ، بالاضافة الى مشاركة القوات الاوغندية في قوات حفظ السلام الافريقية المتواجد في اماكن شتى في القارة الافريقية على سبيل المثال الصومال وجنوب السودان والكونغو ، مما يعطيه مكانة كبيرة لدى القادة الافارقة.

وقد يساهم فوزه في الإنتخابات الأخيرة الى اعطائه مكانة كبيرة داخل القارة الافريقية واعتباره من اهم القادة الافارقة والذين يتمتعون بخبرة كبرة من اجل دفع افريقيا للامام ومشاركة اوغندا في اعادة الامن والاستقرار لدول كثير من داخل القارة مستفيدين من تجربة الرئيس موسفيني على كيفية القضاء على الجبهات والحركات المسلحة.

وفي الأخير ورغم نجاح موسفيني بالفوز في هذه الانتخابات وسعيه الى حكم البلد لخمس سنوات مقبلة ، إلا ان الشيء الذي سنراه وسنراقبه في الايام والشهور المقبلة هي كيفية احتواء موسفيني للمعارضة الاوغندية وخاصة قائد المعارضة كسيجي بوسيجي والذي تمكن من احراز حوالى 35% من اجمالي عدد الناخبين والذي يتمتع بشعبية كبيرة داخل المعارضة الاوغندية والذي رفض قبول نتائج الإنتخابات ، فهل تساهم هذه النسبة الكبيرة التي حصل عليها بوسيجي في اضعاف قدرات موسفيني في قيادة اوغندا الى بر الأمان من خلال سعيه الى تهميش المعارضة مما سيظهر للرأي العام بأنه شخصية ديكتاتورية لا تتسامح مع أي من معارضية ؟ أو انه سيسعى الى المصالحة والتهدئة واحتواء المعارضة؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى