حسن شيخ محمود: قراءة في دبلوماسيته ومستقبله السياسى

لم يكن حسن شيخ محمود  شخصا معروفا في الأوساط السياسية في الصومال ولم يكن لديه أيّ نشاط يذكر في ساحة السياسة في بلده قبل أن يهزم في سباق كرسيّ الرئاسة في 2012م شخصية فاعلة في السياسة الصوماليّة الحديثة كشيخ شريف شيخ أحمد هزيمة ساحقة مكتسحا 190 صوتاً مقابل 79 صوتا للشيخ شريف من مجمل أصوات النواب البالغ عددهم 275 .

ومع هذه القفزة المفاجئة إلى الواجهة السياسية فإنه أثبت جدارة عالية ودهاء سياسيّاً، والذي برز في النجاحات التي حققها على الصعيد الدبلوماسي وتجاوز الخلافات مع أعضاء الحكومة والبرلمان ورؤساء الإدارات الإقليمية، ليس بالاستجابة إلى المطالب أو تغيير موقفه، بل في أغلب الأحيان بفرض موقفه وتمرير إرادة الرئاسة من خلال الإقناع أو مجموعات الضغط التي كوّنها من أجل تقوية موقفه أمام الخصوم ومن خلال علاقاته الدولية . وهاهو الآن يرتب الأوضاع السياسية للوصول إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية.

البدايات والظهور:

فالرئيس حسن شيخ محمود كان ناشطا إجتماعيا معروفا في أوساط المثقفين والأكاديمين وقد تقلّد منصب المدير في جامعة سيمد في مقدشو قبل دخوله عالم السياسية عند ما أسس في أبريل 2011م حزبا سياسيا سميّ حزب السلام والتنميةPeace and Development Party (PDP)

حظى الرئيس الجديد بتأييد شعبي كبير من جميع أطياف المجتمع الصومالي وكذلك حصل على ترحيب الصومالين في مختلف مناطقهم وتوجهاتهم الأيدلوجية، باعتقاد أن مجيء رجل أكاديمي يمتاز ببقائه في البلاد طيلة فترات الحرب الأهلية ومعايشته لكثير من الآلام التي أضنت هذا الشعب عن كثب مثل الرئيس حسن شيخ محمود، مجيء مثل هذا الرجل إلى سدة الحكم بادرة خلاص من الأزمة والوصول بالسفينة إلى بر الأمان، كما علقت عليه الآمال في إحداث تغير جذري في الفلسفة التقليدية والخاطئة عن الدولة التى أهلكت الصوماليين وجعلتهم في ذيل الأمم، وكان الشعب الصُوماليّ يتطلع بعد تجاوز حكومته المرحلة الانتقالية أن يشكل ذلك تغيرا تاريخيّا عظيماً وخروجاً من دوامة معضلة سياسية تسلطت عيهم منذ عقدين ونيف.

بعد مرور ثلاث سنوات :

قدّم حسن شيخ محمود بعد أن فاز في رئاسة الدولة الصومالية برنامجا سماه ” الأركان الستة” لإدارة الدولة الصومالية في فترة حكمه، وكان أولها بث الأمن في جميع المناطق التى تحكمها الدولة الصومالية، ولكن ما لبث أن اصطدمت رؤيته هذه بواقع لا يقبل الأحلام الوردية، لأن الكلام النظري لم يعد ينفع في تصحيح مسار النظام في الدولة التى شهدت معضلة بناء الدولة على مدى سنوات.

وقد حدث منذ توليه الرئاسة أحداث أمنية وسياسية عاصفة اتسم معها بالصبر والثبات. يمكن الإشارة كمثال إلى العمليات والتفجيرات التي قادتها حركة الشباب واستهدفت عددا من مقرات الحكومة والوزارات والرئاسة و راح ضحيتها مسؤولون وعسكريون ومدنيون وشعب. وشهدت فترته خلافات متكرره بينه وبين رؤساء وزرائه الذين تعاقبوا على المنصب، وقدم البرلمان الصومالي أكثر من مرة عريضة لسحب الثقة منه. وقد خلص من كل ذلك بحنكة ودهاء، ولم يعقه عن تحقيق نجاحات دبلوماسية كبرى، كإعادة فتح سفارات عدد من دول العالم، وبعث سفراء يمثلون الصومال في الخارج لدى دول عديدة، مما أعاد الاعتبار إلى الصومال مرّة أخرى في المحافل الدولية.

على أن نجاحات مرحلة الرئيس حسن محمود يمكن أن يقال عنها أنها ليست بقدر ما كان يطمح إليه الشعب الصوماليّ وإنّ هناك ملفات عديدة داخلية وخارجية أخفقت حكومة الرئيس حسن في إدارتها بما يتفق مع المصلحة الوطنية وطموحات المواطنين.

دبلوماسيته في إدارة الخلافات:

يتعامل الرئيس حسن الشيخ محمود بأعصاب مشدودة في إدارة الخلافات السياسية في الصومال، فهو رجل عملي قلّما يظهر في وسائل الاعلام لكى يدلي برأيه في مواقف مصيريه، وإنّما يعمل من خلال الاجتماعات والتشاورات على إقناع الأطراف المختلفة بوجهة نظر الحكومة لكي نجد رؤية الدولة هي التى تفرض أخيرا في كل الملفات الحساسة التى تديرها الحكومة أو تشارك فيها. مما أكسبه ثقة المجتمع الدولىي بهدوئه وقدرته الفائقة على تحمل الأصوات المناهضة لسياسة حكومته.

ومع أن الحلول والاتفاقات في المؤتمر التشاوري الأخير الذي وصفه رئيسا ولايتي جوبا وغلمدغ بأنه كان: “مؤتمرا فاشلا” وكل الإتفاقات التى حدثت كانت مفروضة من المجتمع الدولي ولم تكن خيار القادة الصومالين فإن الرئيس حسن شيخ محمود تمكّن في هذا المؤتمر التشاوري كالعادة من تمرير رؤية الحكومة في الانتخابات القادمة، والمتمثلة في الإبقاء على المحاصصة القبلية وفق معادلة 4.5 والذي حظي بتأييد المجتمع الدولي وسط معارضة من إدارتي بونت لاند وجوبا لاند الداعيتين إلى إجراء الانتخابات النيابية وفق نظام المحافظات والأقاليم.

وبنجاحه في إقناع المجتمع الدولي بوجهة نظر حكومته يتمكن الرئيس حسن شيخ محمود من تحقيق امتيازات مهمة في تحديد قاعدة انتخابات 2016م، ومن المحتمل أن تستمر علاقاته القوية بالمجتمع الدولي عاملة على أن يبقى تأثيره قويا في الساحة الصومالية.

مستقبله السياسي في عام 2016م:

في سباق انتخابات أغسطس القادمة يعد حسن شيخ محمود واحدا من أبرز الشخصيات التى يمكنها ان تفوز في الاستحقاق الانتخابي إن لم يكن هو الوحيد الذي يعتدّه كلّ من له نية في أن يترشح في الانتخابات القادمة، وبفضل قربه من المجتمع الدولي وخاصة دولة قطر ودولة تركيا يمتلك الرئيس حسن مجموعة ضغط قوية تغلغلت منذ حكمه في كافة مستويات الدولة ويمكنه بواسطتها وضع ترتيبات من شأنها تسهيل فوزه في الانتخابات القادمة.

ومع ذلك لا نتفاجأ إن حصل عكس هذا في مسرح السياسة الصومالي الذي يوصف بـ “الاستثنائي” لما له من خصوصية تجعله قابلا للمفاجآت. وقد كان يراهن المحلّلون  عشية الانتخابات التي جاءت بالسيد حسن شيخ محمود إلى الحكم بأن الرئيس السابق شيخ شريف شيخ أحمد هو من سيفوز ويعود إلى سدة الحكم من جديد. ولكن النتيجة جاءت على خلاف تكهناتهم. فمن الممكن ان يحصل لحسن شيخ محمود نفس ما حصل لسلفه الشيخ شريف.

 

زر الذهاب إلى الأعلى