تحقيق نسب الإمام أحمد الغازي وتجاهل المؤرخين.

لقد نجمت في ظل هذا الإنقطاع التاريخي الطويل، وبسب ندرة التوثيق المبكر في التاريخ عامة والتاريخ الصومالي لقرون طويلة أسئلة عديدة حول إنتساب أحمد جري إلى قبائل الصومالية ، ومن أي قبيلة بالتحديد ولم توجد جوابا قطعيا مدعما بالأدلة وإنما تدور الأجوبة في ظل الإحتمالات وفي الإجابة على هذا السؤال أقول:

هناك خلاف بين المؤرخين  في إنتساب أحمد جري إلى بعض القبائل الصومالية، ولكن عند الرجوع إلى كتب التاريخ نجد أدلة شبه قطعية حول إنتساب أحمد جري إلى قبيلة مريحان الدارودية.

أقوال المورخين حول إنتساب أحمد جري ومناقشتها.

وبعبارة أخري أختلف المؤرخون حول العلاقة بين الإمام أحمد جري و الأمير نور إبن مجاهد المريحاني، فمنهم من يري أنه إبن أخته ومن هولاء:

– المؤرخ دكتور شوقي عطاالله الجمل، أستاذ التاريخ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، والمؤرخ دكتور عبد الرزاق إبراهيم ، أستاذ التاريخ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية بجامعة القاهرة، و وكيل الدراسات العلياء في كتابهما:

تاريخ المسلمين في إفريقيا ومشكلاتهم.

– وحمدي السالم في كتابه الصومال قديما وحديثا .

ولكن كون نور إبن مجاهد إبن أخت أحمد جري لا ينفي أنهما من أسرة واحدة.

ومن المؤرخين  من يري أنه إبن عمه الشقيق ومن هولاء:

الدكتور المؤرخ  محمد حسن العيدروس في كتابه تاريخ العرب الحديث،ونيقولاي في الفتح العثماني للأقطار العربية، والباحث الصومالي عمر في تاريخ الصومال،والدكتور علي البار في تاريخ عدن واليمن عبر العصور إلى عهد العبادلة، والدكتور المؤرخ أحمد شلبي في كتابه مسوعة التاريخ والحضارة الإسلامية ، وإلى قريب من هذا ذهب الأمير أرسلان في تعليقاته على حاضر العالم الإسلامي للباحث الأمريكي لوثروب إستورد.

ويمكن رجوع قول الباحث اليمني عزي الصلوي في كتابه الهجرات اليمنية  عبر التاريخ إلى منطقة شرق إفريقيا من أن أحمد جري  ينحدر من قبائل ذات أصول يمنية ،أنه أراد قبائل دارود ذات الأصول اليمنية كما بينا، وذكر حمدي سالم أنه أخوه في كتابه  الصومال قديما وحديثا صفحة 126 وأضطرب قوله كما هو واضح.

يقول السيد فريد حجاج بعد ذكر إختلاف المؤرخين حول صلة القرابة بين الأمام والأمير نور إبن مجاهد :

….والأمير نور كان يشبه إلى حد كبير الإمام أحمد في كثير من الصفات في الصلاح،والتقوي، والعدل، والإنصاف،وشجاعة الإقدام، وقد إنتهج سياسة مماثلة لسلفه….)

ومن هولاء السيد علوي  ذكر في مخطوطة قديمة ما نصه: أن سلطان طلحة إبن الوزيرعباس إبن الأخ الإمام الكبير صاحب الفتح الكبير (يعني الإمام احمد بن إبراهم الأشول) قال الباحث الصومالي الشيخ احمد عبدالله ريراش في كتابه (كشف السدول عن تاريخ الصومال ووممالكها السبعة) بعد نقل كلام السيد العلوي:

ويدلك هذا أن الإمام أحمد والأمير نور والوزير عباس كلهم إخوة، والأمير نور هو الذي تزوج من أرملة الإمام بعد أن تعهد لها بالإنتقام.

الترجيح بين القولين.

ونرجع الأخير وهو كون الأمير نور إبن عم الإمام أحمد جري  وذالك لسبين عرفين وهما:

اولأ: السلطنة تأتي من جهة الأب وليست من جهة الأم، والأمير نور وارث الإمام أحمد من السلطة.

ثانيا: زوج الإبن زوجة خاله بعد موته عيب في العرف الصومالي ، والأمير نور تزوج زوجة الإمام أحمد جري فيتبين لنا أنه إين عمه الشقيق فيكون نسبه :

( أحمد غُرَي  بن إبراهيم، بن هرابي، بن متان، بن عيسي، بن أحمد، بن ملك محمد داؤود (ملك قبائل الدارود المريحاني )

الأدلة العرفية.

وفي الرجوع إلى العرف نجد أنه لما ذهب الإمام أحمد جري  إلى حرابو قائد قبيلة مريحان، مستغربا لتأخر قبيلة مريحان عن الجهاد ، وبدء يختلق الأعذار وقال له لا فائدة منك تذكر، فهل يمكن أن يهان شيخ قبيلة في مضارب قبيلته إذ لم تكن صلة بينهما ؟ هذا مما يرفضه العرف الصومالي ويوضح صلة القرابة بينهما.

ثانيا:  بعد وفاة الإمام تزوج الأمير زوجته دلومبرا بنت جراد محفوظ وهذا أمر سائد في العرف الصومالي اذا مات الرجل يتزوج زوجته أحد أقاربه ويعرف ب (بالدمال)

ثالثا: تولية الحكم بعد الإمام وهو أكبر دليل على إبن عمومته.

رابعا: النزعة القبيلية للإمام عند حرق بيوت هبرمغادي، بعد إشتكاء فبيلة جري الدارودية وهذا يدل أيضا على قلة عددهم، وغير ذالك من الأمور وكان عمره بين 19-و21 حين يتولي السلطة.

مناقشة بعض المؤرخين.

ذكر العيدروس في كتابه النور السافر أن أحمد جري من ولد سعد الدين الجبرتي ولم ينقل عن أحد غيره ،ولم تتوفرمعلومات حول الجهاد الإسلامي في الحبشة  لدى المؤلف وأولاد سعد الدين الجبرتي معروفة ولم يعد أحمد جري  أحد  غيره من المؤرخين.

يقول البحاثة عبد الله بن محمد الحبشي في تحقيقه على العقد الثمين وهو يفرق بين المؤرخ باسنجلة، وبافقيه:

إلا أن بافقيه أطلع على كتاب ( النور السافر في أخبار القرن العاشر) للمؤرخ عيدروس وهو كتاب ليس ذي بال من حيث عدم جدواه فيما يتعلق بتاريخ المنطقة التي يؤرخ لها و هي حضرموت ، وما ورد فيها لايتعدى أسطرا وأغلب أخباره في تراجم العلماء من سائر البلاد وهي معروفة ومشهورة، ومع ذالك فقد احتفل به

وأعتبره كنزا ثمينا.

ويقول في تحقيق كتابه تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر لمحمد عمر بافقيه:

فليس في كتاب (النور السافر) مايمكن أن ينسب إليه سوى ما استله من كتاب المؤرخ عبد الرحمن بن علي بن الديبع المتوفي سنة 944ه المسمي (بغية المستفيد) وذيله (الفضل المزيد) وما نقله من كتب التراجم الأخري المتعلقة بأخبار الشامين، والحجاز وغيرهم.

فاذا كان الباحث الحضرمي ينتقد الكتاب بقلة المعلومات للمنطقة التي يؤرخ الكتاب فما بالك بما نقله عن الحبشة قبل ظهور فتوح الحبشة للجيزاني؟.

وأما ما نقله توماس آرنولد في كتابه ” الدعوة إلى الإسلام”:

من أن أحمد غري يروي عن نفسه أنه ابن احد قساوسة إيجو، فهو كلام لا يستند إلى دليل وقد إغتر به بعض الباحثين فتناقض أولهم آخرهم ويهدف الباحث المستشرق إلى تشويه نسب الإمام  ونفي إنتسابه إلى القبائل الصومالية.

يقول الدكتور جمال عبد الهادي، والدكتور وفاء محمد في كتابهما ( أخطاء يجب أن تصحح في التاريخ الإسلامي لماذا ؟ وكيف؟  وهما يحذريان من هذا المستشرق صفحة 48

الدعوة إلى الإسلام توماس آرنولد يري المؤلف أن هناك ستتة أديان سماوية من بينها الإسلام، وأنه من تأسيس محمد صلي الله عليه وسلم أي أنه ليس وحيا.

ويقول  وكانت رغبته ترمي إلى دين جديد.

ويزعم أن الإسلام دعوة إلى القومية وأن الحج عادة عربية قديمة جعلت من فرائض الإسلام.

فكيف ننقل هذا  المستشرق عن تشويه نسب إمام معروف دون تأكد من هدفه، ولقد إغتر بعض المؤرخين دون تثبت فأضطرب أقوالهم وهم كثر من بينهم ،حمدي السالم في كتابه الصومال قديما وحديثا يقول  أن أحمد جري من أب وأم صومالية من كريم العائلات ثم ينقل في صفحة أخري كلام توماس أنه أحد قساوسة إيجو.

ومثله الدكتور المؤرخ أحمد الشلبي ينقل كلام توماس ثم يقول في صفحة أخري :

وقد حكم بعده  أمراء من أسرته ويعدهم ومن بينهم نور إبن مجاهد وطلحة وغيرهم  وهو كلام لا يتطابق

أما زعم بعض القبائل الصومالية  إنتساب أحمد جري إليهم فقد بحثت ولم أجد دليلا واحد سوي أنه منهم ، ولا أحد من المؤرخين أشار إلى هذا، وكذالك إنتسابه إلى تركيا، وإثيوبيا ليس إلا زعما، ولايستند إلى دليل واحد وقد إطلعت كتبا باللغة الإثيوبية بمعاونة صديقي حمزة الحبشي فلم أقف دليلا واحد يذكر.

وأخير إن التوازن  والإنصاف في البحوث التي غايتها البحث عن الحقيقة، وتقديم ما يثبت في جوانبها بالأدلة الواضحة الناصعة تقتضي الإشارة إلى ما يلاحظه الباحث من معلومات دون تحامل من جهة ودون اعتساف للتبريرات ، ومن هذا المنطلق نقول اننا لاحظنا ما ذكرناه خلال مطالعتنا لما تيسر لنا مطالعته من مؤلفات وهو إنتاج قابل للخطأ كقابليته للصواب

علي شيخ آدم يوسف

محامي وباحث صومالي، درس بكلية القانون بجامعة الأحقاف في اليمن، دبلوم في العلاقات الدولة والدبلوماسية من الجامعة الألكترونية الدولية بمصر، حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون بجامعة مقديشو عن دراسة " الثغرات القانونية في الدستور الفيدرالي٢ ٢٠١م دراسة قانونية نقدية" حاصل شهادة المهنية القانونية من مركز العون القضاء بجامعة مقديشو، حاصل شهادة الماجستير في القانون العام بجامعة أفريقيا العالمية في السودان عن دراسة " العلاقة بين السلطة الاتحادية والولائية - دراسة تطبيقية على دستور الصومال الانتقالي ٢٠١٢م". عمل مستشارا قانونيا لوزارة العدل، وله اصدارات قانونية منشورة في عدد من الدوريات والمراكز البحثية .
زر الذهاب إلى الأعلى