الدور الصيني المتصاعد في الصومال

تزايدت في الآونة الاخيرة صعود الدور الصيني الواضح في الصومال ، حيث عمدت الصين إلى إنشاء علاقات قوية وفعالة مع الصومال في السنوات الأخيرة.

وكانت الصومال قد أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين بعد حصولها على الاستقلال عام 1960م ، وكانت الصومال من بين الدول الأفريقية التي ضغطت لحصول الصين على مقعد بالأمم المتحدة عام 1971م ، وقد أدلى رئيس الوزراء الصومالي حين ذاك السيد/ محمد إبراهيم عقال خطابا شهيرا أمام الأمم المتحدة داعيا من أجل حصول الصين على مقعد دائم بمجلس الأمن بالأمم المتحدة.

وإبَان الحكومة المركزية الصومالية أنجزت الصين مشاريع تنموية في الصومال ، حيث شيدت الطريق البري الطويل في البلد والذي يمتد من مدينة كسمايو مرورا بمقديشوا إلى مدينة بوصاصوا وهرجيسا، وأيضا شيدت الصين عددا كبيرا من المشاريع التنموية في الصومال.

وبعد انهيار الحكومة المركزية الصومالية عام 1991م غادرت البعثات الدبلوماسية الصومال بما فيها البعثة الدبلوماسية الصينية من مقديشو نظرا للفوضى والحروب الأهلية التي نشأت في البلد.

إلا أنه من الملاحظ أن الصومال بدأ يستعيد عافيته في السنوات القليلة الماضية، ففي عام 2012م شهدت الصومال ولأول مرة انتخابات داخل الوطن بعد سقوط الحكومة المركزية،وعقد المؤتمر الوطني في العاصمة مقديشو ،وانتخب الرئيس الصومال الحالي حسن شيخ محمود في العاصمة الصومالية مقديشو من قبل البرلمان الصومالي.

وشهدت العاصمة رجوع البعثات الدبلوماسية إلى مقديشو وتسابق الدول إلى عقد علاقات دبلوماسية مع الصومال.

وكانت الصين من أهم الدول الساعية إلى إنشاء علاقات قوية ومتينة مع الصومال، حيث أعادت الصين افتتاح سفارتها في مدينة مقديشو في 12/10/2014م ، وأقيمت حفلة كبيرة من أجل افتتاح السفارة الصومالية وبحضور رئيس الجمهورية حسن شيخ محمود ، وزير الخارجية الصومالي عبدالرحمن دعالي بيلي،نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ مينغ، وعدد كبير من الدبلوماسيين ومسؤولين في الحكومة الفيدرالية الصومالية.

وقد عينت الصين الدبلوماسي وي هونغ تيان سفيراً لها لدى الصومال، والذي يتحدث باللغة الصومالية بطلاقة ، وفي خطابه لدى افتتاح السفارة الصينية في مقديشو ـــ متحدثا باللغة الصوماليةــــ وعبر السفير وي هونغ تيان عن سعادته الغامرة لافتتاح السفارة الصينية وعودته إلى مقديشوا التي كان يعيش فيها في الثمانينات، حيث تخرج من الجامعة الوطنية الصومالية وتعلم اللغة الصومالية بطلاقة .

وبعد افتتاح السفارة الصينية في مقديشو، بدأت السفارة بالقيام بأنشطة فعالة تبرز الدور الصيني المتصاعد في الصومال ، حيث ساهمت معرفة السفير الصيني لدى الصومال للغة الصومالية إلى اختلاط السفير الصيني مع قطاعات الشعب الصومالي،حيث يقوم السفير الصيني بزيارات إلى المحافظات الصومالية وإلى أحياء مقديشو، ويحضر الحفلات والمناسبات الصومالية متحدثا باللغة الصومالية مما أعطاه ميزة  عن السفراء الآخرين، حتى لقبه وعرفه الصوماليون باسم ( ورسمه) للدلالة على قربه للصوماليين وسهولة تفاهمهم معه.

وقد دعمت الحكومة الصينية الحكومة الصومالية ، ووعدت بمساعدة الصومال والتبرع له بمئات الملايين من الدولار .

وقدوقعت الصين والصومال في الأول من أبريل من العام المنصرم 2015م اتفاقية ثنائية التي شهدت أيضا تبرع بكين بأموال للتنمية الاجتماعية-الاقتصادية في الدولة الواقعة بالقرن الافريقي.

وقال السفير الصيني لدى الصومال وي هونغ تيان ووزير الخارجية الصومالي عبد السلام هادلي عمر خلال مراسم التوقيع: إن الاتفاقية ستمضي قدما في توثيق العلاقات بين البلدين.

وقال السفير وي(نحن مستعدون للمشاركة في عملية إعادة اعمار الصومال وضمان الازدهار الاجتماعي-الاقتصادي لشعبها،ويمنحنا تحسن الوضع الأمني فرصة لاستعادة التركيز على تحسين التعليم والبنية الأساسية ومشروعات الصحة وغيرها).

ومن جانبه،أشاد وزير الخارجية الصومالي عبد السلام هادلي بالدور الصيني في الصومال ، ووعد باستخدام هذه الاموال من أجل المنفعة العامة للبلد.

ووقعت الشركات الصينية مع الصومال عدة اتفاقيات من أجل تشييد البنى التحتية في الصومال، وكان مطار بوصاصو الدولي أحد هذه المشاريع التنموية ، حيث تم تنفيذ المشروع على يد شركة الصين للهندسة المدنية والإنشاءات المعروفة اختصارا بـ (CCECC)، وقد تم افتتاح هذا المطار في بداية هذا العام8/1/2016م، ويعد أكبر مطار في جميع أرجاء البلد ، وفي حفلة افتتاحه حضر  رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس ولاية بونتلاند والسفير الصيني لدى الصومال ،وقد أبانوا عن شكرهم وتقديرهم للصين ولدورها الكبير في مساندة الصومال والوقوف إلى جانبه وتشييد مثل هذه المشاريع التنموية في الصومال.

ولا يقتصر الدور الصيني في مساعدة الصومال بالمشاريع التنموية فقط، بل تشارك أيضا في توفير الدعم المادي واللوجستي لقوات حفظ السلام الأفريقية في الصومال ، حيث شاركت الصين في دعم هذه القوات وتزويدها بمعدات عسكرية متطورة لتجهيز هذه القوات من أجل المحافظة على الأمن والاستقرار في الصومال.

ومن الملاحظ أيضا أن العلاقات التجارية بين الصومال والصين شهدت تزايدا ملحوظا في السنوات الأخيرة ، حيث تستقطب المنتجات الصينية التجار الصوماليين والذي يجلبون هذه التجارة إلى الصومال و تلقى رواجا كبيرا في الأسواق الصومالية.

وأيضا تستقبل الصين سنويا أعدادا كبيرة من الطلاب الصوماليين والذي يريدون الالتحاق بالجامعات الصينية وخاصة الكليات التطبيقية مثل الطب والهندسة والالكترونيات ، ويحمل هؤلاء الطلبة الثقافة الصينية للبلد ، ويعتبر معظم الطلاب الصوماليين في الصين ناجحين نظرا لأن الصين بلد يوفر لهم التعليم بالقدر الذي يحتاجون اليه.

وكذالك تلعب الصين دورا هاما في مساعدة الفقراء والنازحين في داخل البلد ، فالسفارة الصينية في مقديشوا تقيم مناسبات تتبرع من خلالها لهؤلاء النازحين في داخل البلد، وتوزع المساعدات الإنسانية لهم.

وترى الصين أن الصومال بلد ذوا أهمية خاصة لها ، حيث أن الصومال يتمتع بثروات وخيرات طبيعية ، وتتطلع الصين السماح للشركات الصينية بعقد اتفاقيات تعاون وشراكة مع الصوماللاستخراج هذه الثروات الطبيعية ، وترى أن الصومال بلد يمكن الاستثمار فيه ، لذا تتطلع الصين إلى تحسين العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الصومال، وجعلها شريكا اقتصاديا ودبلوماسيا لها، لذا تولى اهتماما كبيرا بالصومال وشأنها ، وتسعى إلى تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

عبدالله عبدالقادر آدم

كاتب وباحث صومالي، خريج كلية الشريعة والقانون بجامعة افريقيا العالمية، حاصل على درجة الماجستير في القانون من جامعة الزعيم الازهري
زر الذهاب إلى الأعلى