الأمن في أذهان الصوماليين

يعد الأمن من أهم مطالب المجتمعات البشرية، وأجل النعم الإلهية، ومن ضرورات بناء المجتمعات الإنسانية، فهو ركيزة أساسية في تشييد الحضارات، وقاعدة عظمى في تقدم الأمم وتطور الجماعات، ودعامة كبرى يرتكر عليها إبداع الإنسانية وعطاؤها، وفي ظلاله يتحقق للناس الراحة النفسية والهدوء والسعادة والطمأنينية.

ولما كان الأمن بهذه الأهمية فإن شعو ب العالم تختلف في النظرة التي تنظر بها إلى قضية الأمن أو لنقل الثقافة التي تكون هذه الفكرة التي يعتقد بها شعوب العالم عن الأمن.

على سبيل المثال تعتمد شعوب الدول المتقدمة على تجسيد ثقافة الحفاظ على الأمن على الطلاب حينما يلتحقون في المدارس حيث يدرسون هناك موادا من بينهما  “التربية الأمنية” والتي يتعلم فيها الطالب أهمية الأمن والأمور التي تخل بالأمن، ويتلقى هناك ثقافة مفادها أن مسؤولية الحفاظ على الأمن مسؤولية جماعية ينبغي أن ياخذ كل شخص بدوره حتى يتحقق الأمن للجميع.

من هنا يتكامل دور الأسرة والحكومة والمدرسة والمجتمع كلل من أجل تحقيق الأمن فلا تنفع  الإجرآت التي تتخذها الحكومة من اجل الحفاظ على الأمن ما لم تقم  الأسرة وكذلك المدرسة بواجبهم تجاه تجسيد ثقافة الحفاظ على الأمن على الأطفال منذ صغرهم حتى يكونوا واعيين بأهمية الأمن .

بعد هذه النظرة السريعة حول نظرة بعض  المجتمعات عن الأمن وأهميته،  يبقى لنا ان نتسائل ما هي الفكرة التي يحملها الصوماليون عن جهاز  الأمن وماهي المرتكزات التي ترتكز عليها هذه الفكرة .

يسود اعتقاد  لدى شريحة واسعة من الشعب الصومالي أن جهاز  الأمن ما هو إلا أداة من أدوات  التجسس التي تستخدمها الحكومة من أجل الحفاظ على مصالحها وديمومة حكمها، ومن أجل أن تقمع به الذين يعارضون سياساتها، وأن رجل الأمن لا مهمة له سوى التجسس على الشعب لصالح الحكومة، وأنه هو الأداة التي تستخدمه الحكومة من أجل قمع الشعب وتخويفهم، وبث الرعب في صفوف الذين يعارضون سياساتها.

وإذا كان الأمر كذلك فإن من المفترض أن نتسائل لماذا هذه الفكرة المخيفة عن  جهاز  الأمن؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى هذه الفجوة بين الشعب ورجل الأمن؟ ولماذا هذا التصور السلبي من قبل الشعب عن رجل الأمن؟

برأيي يمكن إرجاع أهم الأسباب التي تقف وراء هذا التصور السلبي من قبل الشعب عن رجال الأمن إلى ممارسات الحكومات المتعاقبة على الصومال منذ عهد الرئيس سياد بري لحد الأن حيث اتخذت هذه الحكومات جهاز الأمن سياجا واقيا لها، يعمل من أجل الحراسة عليها أكثر  مما يسهر على حفظ أمن  البلد داخليا وخارجيا، وبسبب تركيز جهاز  الأمن على الأمن  السياسي أكثر من مما يركز على أمن المواطن.

وقد وصل الأمر إلى حد يصعب الحديث عنه حيث لم يعد يأمن الرجل حتى على زوجته ولا على أبنائه بسبب خوفه من أنهم أعضاء من جهاز الأمن الحكومي وخاصة إذا كان الرجل يعارض سياسات الحكومة، أو يعد من ضمن الرجال الذين تعدهم الحكومة من صفوف المعارضة.

هذه الممارسات التي كان يقوم بها جهاز  الأمن والتي كانت الحكومة تتذرع بها بأنها من شأنها حفظ البلد مما يهدد أمنه، والتي  كان يعدها بعض أفراد الشعب بدورهم،  عن أنها تخرج في كثير من  الأحيان عن ميزان العدالة، هذه الأسباب وغيرها من أفعال جهاز الأمن للحكومات المتعاقبة في البلد يمكن عدها من بين الأسباب التي خلقت هذه الفجوة بين الشعب وجهاز  الأمن.

ومن بين الأسباب التي يمكن ملاحطتها بأنها وراء التصور السلبي الذي يحمله الشعب عن جهاز الأمن، هو أن المفهوم الذي يحمله غالبية الشعب عن قضية الأمن هو أن الأمن يقتصر فقط  على الجيش والاستخبارات وأنه لا علاقة له بحياة الناس ولا يحتاجونه أصلا إذا لم يكن الأمن الظاهري مضطربا، أي عدم وجود المظاهر التي تخل بالأمن مثل انتشار عصابات السرقة والنهب وغيرها.

والحقيقة أن الأمن يشمل أكثر من ذلك بكثير، فالأمن في العصر الحاضر يدخل في جميع مجالات الحياة بما فيها التعليم والتجارة والغداء والصناعة وكل مرافق الحياة، وكثيرا ما نسمع اليوم عن مصطلحات جديدة تتعلق بالأمن يتم تدالها بكثرة في الأونة الأخيرة ومن بين هذه المصطلحات الأمن الأسري والأمن الغدائي والأمن الصحي والأمن التعليمي والأمن التقني .

هذه المصطلحات وغيرها مما  له علاقة بحفظ الأمن يدلنا على أهمية الأمن في حياة المجتمعات في العصر الحديث، وأنه لكي يتم الحفاظ على الأمن بصفة عامة يجب الاهتمام بهذه الجزئيات التي تتكامل مع بعضها حتى يحفظ البلد من مهدادته الداخلية والخارجية.

ولكي يتم علاج هذا التصور القاصر من قضية الأمن ومحاولة لترميم العلاقة بين الشعب وجهاز الأمن، واستعادة الثقة المفقودة بينهما، لابد من علاج الأسباب التي أدت إلى هذا التصور، ومن بين أهم الأسباب:  الاهتمام بجهاز  الأمن كفاءة وأداءا وتنظيما، ووضع  معايير محددة لمن ينتظم في هذا السلك، ومحاولة تطهير الجهاز من العناصر الفاسدة التي يقل ولاؤها الوطني أو تربت على أخذ الرشوة، وتدريب أفراده على العدالة والقيم الإنسانية والتعامل  مع المواطنين بشكل مناسب، وعدم اللجوء إلى الاعتقالات العشوائية حتى تثبت إدانة الشخص، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته.

ومن بين الأمور التي تمس الحاجة إليها ألا يكون جهاز الأمن الحكومي أداة تستخدمها الحكومة من أجل تنفيذ أغراض سياسية، كقمع معارضيها مثلا بحجة أنهم يهددون الأمن القومي، والحرص على منح العدالة للمتهمين الذين يتم القبض عليهم من قبل رجال الأمن،  وإعطائهم الحق للدفاع عن أنفسهم، وعدم اللجوء إلى التعذيب النفسي والجسدي الغير المبرر، هذه الأمور إن تم القيام بها  يمكن أن تحسن من صورة جهاز الأمن لدى الشعب، ومن شأنها أن تقلل الهاجس الذي يحمله الشعب عن رجال الأمن، التي تدفعه في بعض الأحيان عن عدم الإبلاغ عن ما يرونه من مهددات للأمن بسبب غياب الثقة المتبادلة بين الشعب ورجال الأمن.

ومن أهم الأسباب أيضا بذل الجهد الكافي من أجل رفع وعي الشعب الأمني وقيام مؤسسات المجتمع المدني وكذلك المدارس والجامعات والأسرةبواجبهم تجاه هذا الأمر ، ومحاولة تقوية الرابطة بين جهاز الأمن ومؤسسات المجتمع المدني، فمما لاشك فيه أن التفاعل الإجتماعي المتبادل بين أطياف  المجتمع المختلفة والأجهزة الأمنية يمثل تكاملاً ضرورياً لإحداث الأمن والإستقرار في الوطن.

حسن عبد الصمد عبدالله

حاصل على درجة الماجستير في الشريعة والقانون من جامعة إفريقيا العالمية، ودرجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من أكاديمية السودان للعلوم
زر الذهاب إلى الأعلى