لماذا تعطش هرجيسا؟!

الاستيقاظ في منتصف الليل لتعبئة “جركانات” الماء والبراميل أو التأكد من امتلاء الخزّان، أو التوتر الذي يجلبه تأخر شاحنة الصهريج الـ”بويه” عن الحي، أو الخروج بحثًا المحموم عن “السقّاء”، هو الروتين الأسبوعي أو النصف أسبوعي الذي تعيشه الأسر في جميع أنحاء الصومال، ولا يختلف الوضع عن ذلك كثيرًا  في “هرجيسا” أحد أأمن مدن الناطقين بالصومالية، وعاصمة جمهورية أرض الصومال “صوماليلاند” المعلنة من طرف واحد.

قريب من مليون هو سكّان المدينة، الذين يكادون يعزون معظم معاناتهم اليومية إلى “قلة المياه”، في حين أن الكهرباء ووسائل الاتصالات والمواصلات كلها متوفرة بجهودهم واستثماراتهم، إذ أن معظم الحوارات تنتهي باتهام المسؤولين بالفساد، أو ضعف الرقابة وانعدام المحاسبة، فلا أحد من القطاع الخاص يمكنه الدخول في مشاريع بنية تحتية بذلك الضخم، متحملًا سخط السكّان في حال ارتفاع أسعار الخدمة لتلك المادة الأشد  الحيوية (الماء)!

سوء الإدارة والفساد وعدم التخطيط:

تعاني شبكة إمدادات المياه في هرجيسا من سوء الإدارة وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة أو سياسات تنموية مستدامة في قطاعات عدّة هي أبرزها، فمع الانفجار السكاني الذي تعيشه المدينة على مدى العقد ونصف الماضيين، تزايد الطلب على إمدادت المياه، دون أن يقابله أي تقدّم يستحق الذكر في الشبكة الموروثة عن النظام السابق، بحيث أصبح قريب من 70% من سكّان المدينة المقدرين بمليون نسمة يعتمدون على المياه المنقولة بالصهاريج، لتلبية احتياجاتهم من المياه، مستهلكًا نسبة معتبرة من دخلهم، مما يشكّل ضغطًا اقتصاديًا كبيرًا عليهم.

وقد يزيد من تعقيد الأمر ما تظهره “وكالة المياه” من اللامبالاة الشديدة، في ظل عدم وجود تدخل من السلطة التنفيذية في إيجاد حل للمشكلة القائمة، مما يترك الأسر الأشد عوزًا في حالة يُرثى لها، نظرًا لعدم إمكانية وصول معانتها لأي من الجهات المسؤولة، تجاه التضييع التعمد في حقها بالحصول على المياه النظيفة والآمنة والمنتظمة، بكلفة معقولة تتناسب مع إمكانياتها الضئيلة بالأساس.

إفشال متعمد للمشاريع:

تعتبر منطقة “غيد-ديبله” على طريق “بربرة” إلى الشمال من مدينة هرجيسا، المصدر الرئيسي للمياه إلى المدينة، وعلى الرغم من وجود مخزنات مائية جوفية ضخمة وذات جودة عالية في منطقة الوديان تلك، فإنّ المشكل الأساسي الذي يحدّ من أي قدرة على توفير احتياجات معظم المدينة يكمن في عقبة صيانة الآبار القائمة وتوسيع خطوط الإمداد، وتفعيل شبكات المياه القديمة المتهالكة إضافة إلى زيادة امتداد الشبكات عبر  بناء خزانات جديدة، في المرتفعات المحيطة بالمدينة خل أحياء مثل حي “محمد موغيه” وسواه، ممن تعاني حرمانًا تامًا من إمداد المياه الآتية من الوكالة المعنية، نتيجة لسلوكيات فاسدة من قبل إدارة الهيئة مع تستر من وزارة المياه، واعمال مشبوهة أدّت إلى فشل مشاريع صيانة وتطوير وتوسعة لشبكات المياه كالتالي:

– إفشال مشروع توسعة شبكة الإمداد داخل المدينة، والممولة من قبل الاتحاد الأوروبي و برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية سنة 2012م، بواقع 16500000يورو نتيجة للسلوك المتعمّد من قبل هيئة المياه، إذ تم تحوير مسار  مشروع تنويع مصادر المياه الممول من قبل برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية والاتحاد الإوروبي، من قبل هيئة المياه إلى منحى آخر، يصّب في استبدال أنبوبي الإمدادت الحالية بـ سعة 12 بوصة لكل منهما والقادمة من “غيد-ديبله” بأنبوب واحد جديد بـ سعة 24 بوصة، وصيانة خزّان المياه في “بيو خضر”، مما يعني عدم زيادة في كميات المياه المنقولة إلى المدينة، بحيث اكتفت المنظمة الدولية بذلك في التمويل، مع تأجيل ما كان مطلوبًا حسب خطة 2008م، من تأمين المزيد من المياه التي تحتاجها المدينة بشكل مسيس!

– إفشال مشروع إدخال مصدر جديد للمياه من منطقة “حَرَف” ، وعدم إنجازها لدراسة جدى صحيحة للمشروع، مما أدّى لاكتشاف عدم احتواء منطقة “حرف” على الموارد المائية المستهدفة، وبذلك تم تبديد التمويل الذي قدمته كل من اليونيسيف و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إصافة لوزارة الموارد المائية ووكالة المياه،  مؤديًا إلى تبديد ما تم تقيره بـعشرة ملايين دولار أمريكي.

مشروع ناجح قيد الإفشال:

وقد يكون من المهم الإشارة إلى أحد المشاريع الثلاثة التي كان مدار الحديث منذ بداية العشرية الحالية، متمثلًا بمشروع “حومبا-ويني” القائم من مرحلتين، برعاية كريمة من دولة الإمارات العربية المتحدة، وتنفيذ من قبل مؤسسة الشيخ خليفة، وقد يكون سرّ التقدم الذي شهده المشروع، مردّه إلى مساعي القائمين بالمشروع  على تجنّب إدخال وكالة المياه طرفًا فيه، في استفادة من التجارب السابقة للدور السيء للوكالة ضد المشاريع المقدّمة السابقة برعاية أممية وأطراف دولية، إلّا أن قيام الرئيس “أحمد محمد محمود سيلانيو” بإنشاء “مجلس وزاري” لمتابعة المشروع، وتدخّلات الوزراء الذين تمت تسميتهم للمشروع، كادت أن تؤدي إلى إفشال المشروع، بعد خلق حالة من التوجّس والاحتقان لدى سكّان منطقتي “حومبا ويني” و”جليلو” التين سيقوم المشروع على ضخ المياه منهما إلي العاصمة “هرجيسا”، وعلى ذلك يمكننا أن نفهم لماذا تعطش هرجيسا!

محمود محمد حسن

 

زر الذهاب إلى الأعلى