قراءة حول أزمة بوروندي والسيناريوهات المحتملة

تمر بروندي بمرحلة سياسية حرجة وتعيش في حالة استنفار سياسي تعيد إلى الأذهان مرحلة التسعينات من القرن الماضي حيث تتزايد المخاوف من عودة الحرب الأهلية بين الأقلية من قبائل التوتسي والأغلبية من قبائل الهوتو والتي إنتهت  بتنصيب  الرئيس الحالي «نكورونزيزا» رئيسا للبلاد عام 2005 وعلى أساس إتفاقية «عروشا». 

ويشكل قبائل الهوتو حوالي 85 في المئة من سكان البلاد بينما تقدر نسبة التوسي حوالي  15 في المئة، وأن الرئيس نكورونزيزا هو نفسه كان زعيم المتمردين الهوتو السابق، واغتيل والده عام 1972 في حمام دم قتل فيه العديد من قبائل الهوتو.، ويعد الرئيس نكورونزيزا بأنه متدين جدا، ويقدم نفسه على أنه رجل من الريف، ولديه مؤيدون كثيرون في المناطق الريفية، ولكن معارضيه ينتشرون بشكل كبير في العاصمة بوجمبورا وفي بعض المدن الكبرى.

ما يجرى الآن في هذا البلد الصغير الذي يقع في وسط إفريقيا لم تبدأ فصوله في فترة تسعينيات من القرن المنصرم بل بدأت  قبل الاستقلال من المستعمر البلجيكي الذى أسس حزبا ينتمى إلى قبيلة هوتو التى تمثل الأغلبية السكانية في بروندي، وكان هدف بلجيكا بث دسائس بين قبيلتي هوتو وتتسي، ومنذ ذلك الحقبة انخرط القبيلتين صراعا مريرا تتغذى بتدخل من دول الجوار، بروندي الكونغوا الديمقراطية، وكذلك تتهم بروندي باستمر فرنسا وبلجيكا بلعب دور في تجيج الصراع العرقي بين الهوتو والتتسي. مما يعني ان الصراع بين الإثنيتين لم يكن وليد لحظة بل كان قبل استقلالهما عام 1962م من فرنسا وبلجيكا.

جدور الأزمة الحالية:

بدأت فصول مشكلة بروندي الحالية إثر إعلان الرئيس الحالي بترشحه بولاية ثالثة في الحكم، مما يعد إنتهاكا صارخا للدستور البورندية الذي وُضع بعد الحرب الأهلية وبعد اتفاق اروشا-تنزانيا عام 2005م و ينص أن لا يحق الرئيس بترشحه أكثر من  لولايتين رئاسيتين، ولكن لم ينصاع الرئيس الحالي بيير نكورونزيزا الى دستور بلده، وبقي على سدة الحكم منذ عام  2005م وأنتخب للمرّة الثانية في 2010م  وبعد إنتهاء فترته الثانية قرر ان يخوض سباق الإنتخابات في يونيو 2015م ، مما أدى إلى تأجج الوضع الأمني في العاصمة بجمبورا وضواحيها. ولم يأبه الرئيس في المشاكل التى نتجت عن إعلان نيته للترشح لولاية ثالثة وخاض في الاستحقاق الرئاسي في بروندي وفاز حزبه المجلس الوطني للدفاع عن الديموقراطية بـ ” 77 نائيا” من أصل “مئة” نواب، وكذلك فاز الانتخابات العامة كرئيس لولاية ثالثة في رئاسة بروندي باصوات ناهزت 69% من المشاركين في انتخابات ولم تشهد اقبالا كبيرا، حيث سجلت معظم الدوائر الإنتخابيّة أعدادا قليلة من المشاركين.

بلغت المشكلة في أوجها بعد وقوع انقلاب فاشل في بوجمبورا في شهر مايو 2015م والذي كان يقوده القائد الجنرال غودفروا نيومباري في وقت كان الرئيس بيير نكورونزيزا يقوم بزيارة رسمية إلى جمهورية تنزانيا الإتحادية وبعد يومين من الإنقلاب اي بالتحديد يوم 15 من مايو 2015م نجح الرئيس بيير نكورونزيزا في العودة إلى العاصمة بوجمبورا واعتقل ثلاثة جنرلات من قادة الإنقلاب العسكري الفاشل في بروندي.

بعد اعلان الرئيس بيير نكورونزيزا (52 عاما) في ترشحه لولاية ثالثة شهدت عاصمة بوجمبورا مظاهرات سلمية تطورت إلى مواجهات دومية بين الشرطة والمتظاهرين بعد أنضم اليها انصار المعارضة ما أدى إلى مقتل اكثر من 400 شخص ي واعتقال 1000 شخص في العاصمة بجمبورا وفي مناطق أخرى كما نزح أكثر من 220 ألفابروندي إلى دول الجوار.

مخاوف المجتمع الدولي

قرر الاتحاد الأفريقي بعد ازدياد مظاهر العنف في بجمبورا ووقوع اصطدامات بين الحكومة والمعارضة  نهاية العام الماضي إرسال بعثة لحفظ السلام إلى بروندي، مؤلفة من 5000 جندي ستبقى في البلاد مدة  لا يقل عن ستة أشهر، لكن الحكومة في بوجومبورا عارضت هذا القرار بشدة  وحذر الرئيس بيير نكورونزيزا الاتحاد الافريقي من مغبة ارسال قوات لحفظ السلام إلى بورندي، ونظم مؤيده في العاصمة بجمبورا مظاهرات حاشدة شارك فيها أعضاء من البرلمان البروندي لتنديد بقرار الإتحاد الأفريقي الذي اعتبروه تدخلا سافرا بالشؤون البروندية.

هناك مخاوف حقيقية لدى الإتحاد الافريقي والمجتمع الدولي من  أن يتحول العنف السياسي إلي حرب أهلية تصل عدواها إلي دول الجوار مثل رواندا التي تعد واحدة من اقتصاديات الإفريقية الصاعدة وجمهورية الكونغو الديمقراطية غير المستقرة. كما يتخوف الإتحاد الأفريقي من أن تنعكس الأزمة في بروندى  سلبا على دورها في مواجهة حركة الشباب في الصومال،حيث تتواجد فيها قوات بروندية قوامها 4400 جندي كانت تعمل منذ عام 2011 في العاصمة مقديشو ومناطق اخرى في جنوب البلاد. واذا استمر الوضع في بورندي كما عليه الآن ليس أمرا مستبعد أن تعلن بروندي انسحاب قواتها من الصومال لتقوم بمهمات أولي بهم من التواجد في الصومال وهي محافظة امن مواطنيهم الذين يمرون بمرحلة تندر بالحرب الأهلية.

السيناريوهات المحتملة

تزداد مخاوف انزلاق بروندي إلى اتون الحرب الأهلية من جديد حيث ترجع بنا إلى فترة الابادة الجماعية التى لم ينساها العالم بشدتها ولم تتعافي بروندي في اثار تلك الإبادة الجماعية، وقد مرّت بأزمة اقتصادية الطاحنة أدت إلى نزوح البروندين إلى  الدول الجوار، وقد يزداد الوضع إلى اطماع الرئيس الحالي الذي يصفه البعض  بالرئيس الديكتاتوري، وذلك لقراراته التى تدفع البلاد باتجاخ العنف والاقتتال الداخلي، وعدم تلبيته لمطالب الشعب العادلة، بل تعامل مع كل من يخالف رأيه ويتظاهر من أجل حقوقه بالقوة المفرطة والسجن.

تمر بروندي في وضع خاص منذ يونيو الماضي، وقد يتطور هذا الوضع في أي لحظة إلي حرب أهلي، ومن الممكن ان يفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات لا تقل سوءا عن ما حدث في عام 1993م، وقد تكون خمسة سنوات القادمة للرئيس بيير نكورونزيزا عامرة بأحداث سياسية تغير إلى المشهد السياسي في بروندي وستلقى تلك الأحداث بظلالها على  التطور الاقتصادي التي يشهده في دول الجوار كرواندا ما لم يقوم المجتمع الدولي والإتحاد الافريقي بلعب دور اخماد الفتنة التي تطل برأيها في بروندي.

الخطر هو أن الاضطرابات في بوروندي تنتهي إلى الإبادة الجماعية كما ذكر رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة هيرفيه لادسو في مذكرة تمت تسربها إلى أعضاء مجلس الأمن للأمم المتحدة، وحذر المسؤول أيضا من أن الأمم المتحدة غير قادرة على ضمان سلامة السكان المدنيين.

وتوقع هيرفيه لادسو ثلاثة سناريوهات محتملة، كما ذكرت إذاعة فرنسا الدولية، وهي:

1-  أن يبقى العنف محدودا وفي حالات متفرقة، لكنه استبعد ذلك. في هذه الحالة قال لادسو «يمكن للأمم المتحدة ابقاء العنف تحت السيطرة بالشرطة أن يكون هناك حوار سياسي وبدعم من الاتحاد الأفريقي».

2- أن تأخذ الأزمة منحى التصعيد وأن تتطور إلى حرب أهلية. وهذا أسوأ السناريوهات، ولم ييستبعد  «لادسو» في هذه الحالة وقوع إبادة جماعية.

2- لتفادي أسوأ السيناريوهات، قال رئيس عمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة هيرفيه لادسو يتعين على الأمم المتحدة إرسال قوات لحفظ السلام أصحاب القبعات الزرقاء إلى بوروندي، وأكد في الوقت نفسه أنه لا يمكن تحقيق ذلك دون  دعم من الدول الأعضاء، وأن الأمم المتحدة غير قادرة على ضمان سلامة المواطنين في بوروندي حاليا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى