عباقرة لهم أصول في منطقة القرن الإفريقي (57) الشريف محمود عبد الرحمن (1)

بدأتُ أبحث عن قصة هذا الرجل منذ عام 2000م، وخاصة عندما كنت أتردد على بيت صاحب المعالي الدكتور شريف صالح محمد علي رحمه الله في حي حمر جب جب بمقديشو العاصمة، لا بصفة معالينا من أقرباء الشريف محمود عبد الرحمن، ولكن بحب معاليه وإعجابه بحركة الشريف محمود ونضاله ، بل وحماسته الجياشة تجاه العروبة والإسلام، وكان لدى شريف صالح عدة أوراق مكتوبة بخط اليد وباللغة الإيطالية كبتها بنفسه، وقال لي: ” بأنّ هذه  الأوراق حصيلة ثلاث لقاءات مختلفة مع الشريف محمود شريف عبد الرحمن عقب زيارتي للصومال عند ما كنتُ سفيراً للصومال في إيطاليا ثم المملكة المتحدة،  وقد سجلتٌ  بعض الأخبار التي لها علاقة بكفاحه ورحلاته النضالية.” انتهى.

وقرأ شريف صالح عليّ ترجمة بعض المعلومات شفهياً، وكأنّه رحمه الله أراد أن يعلمني ويربيني على طريقة كتابة تواريخ العظماء والكبار، في حين كان هدفي الحصول على معلومات استعين بها في مشروع تسجيل رسالة الدكتواره التي كنتُ أنوي تدوينهافي تلك الفترة  عن رواد النهضة العربية في  الصومال في العصر الحديث، والذي فيما بعد تحول إلى رواد الثقافة العربية في الصومال في العصور الوسطى، وقد وفقني الله إنجاز هذا المشروع وإخراجه إلى النور، أما الموضوع الأول فما زال مفتوحاً لدى الباحثين حتى الآن، ولا شك أن شخصية شريف محمود عبد الرحمن وتتبع مآثره وآثاره تثري مثل هذا البحث، وتجدب المهتمين في الأمر.

وعند ما صدر قاموس تاريخ الصومال بقلم سعادة  البرفسور الدكتور محمد حاج مختارHirtorical Dicitionary of Somalia , 2003 . Usa ، اعتقدتُ أنّه يخبأ لنا بعض الأخبار عن شريف محمود عبد الرحمن وحياته التعليمية والدعوية والسياسية،حيث كان الدكتور يهتم بالشخصيات المرموقةمثل شريف محمود، غير أنني تفاجأتُ عند ما لم أجده في قائمة من تناول بهم الدكتور في قاموسه، ولعله يهتم به في الطبعات القادمة إن شاء الله، وأعرف أنّ لدى الدكتور معلوماتا مهمة عن حياة شريف محمود وأسرته، وأنه التقى به أكثر من مرة سواء عند ما كان طالباً في القاهرة في آواخر الستينات وبدايات السبعينات في القرن المنصرم، أو بعد تخرجه من الجامعة وعودته إلى الصومال.

وكم كانت فرحتي قويةً حينما ظهرت السلسلة الذهبية عن حياة شريف محمود عبد الرحمن بقلم الابن البار محمد شريف محمود عبد الرحمن، الدبلوماسي الصومالي المخضرم، وسفير الصومال في أكثر من بلد، وكذا سفير وممثل الجامعة العربية في روما و وداكار ونيروبي، وقد فاجئنا الكاتب  بعدة حلقات تسلط الضوء علي تاريخ الأب شريف محمود عبد الرحمن وتجاربه في الحياة في داخل البلاد وخارجها، والتي تمّ نشرها على شبكة الشاهد العربي، و لا نخفي أنّه هذه السلسلةسوف تكون اعتمادنا الرئيس للكتابة عن شريف محمود وأخباره هنا.

وتكمن أهمية أخبار شريف محمود لكونه كافح في رفع الثقافة الإسلامية والعربية في المنطقة ، وأنه مؤسس الرابطة الإسلامية، بالإضافة إلى اهتمامه بأوضاع العالم الإسلامي، ولأجل المهمة الأخيرة رافق مع أخيه شكيب أرسلان صاحب كتاب ” حاضر العالم الإسلامي” ولا سيما عند زياته إلى الصومال ولقائه مع كبار شخصيات بلادنا في حال يعيش المسلمون فيها بدون الخلاقة، وكان هدف جولاتهم وصولاتهم بعودة الخلافة الإسلامية من جديد.

ولادة شريف محمود عبد الرحمن وتكوينه العلمي:

من المعروف، أنّ الناس لا يهتمون بولادة طفل بسبب عدم معرفتهم بما يؤول إليه المولود الصغير في المستقبل، وكيف يكون حاله ووضغه الاجتماعي والعلمي والسياسي وغير ذلك، ومن هنا يضيع كثير من الأخبار والتي  لها علاقة بالشخص، وخاصة عندما نريد أن نعرف حياته الطفولية وأيامه الأولى، ورغم عدم معرفتنا لحياة شريف محمود أيام صباه، والبيئة التي عاش فيها ومعلميه وكذا مربيه، إلا أنّه من حسن الحظ أننا عرفنا أنّه ولد عام 1904م ،وعرفنا أنّه نشأ وترعرع في مدينة لوق  الزراعية مع أهله  وذويه، فوجد فرصة لتعلم القرآن الكريم والتمكن من القرآءة والكتابة، فحفظ القرآن الكريم كاملاً عن ظهر القلب، وهو أمر كان منتشراً في القطر الصومالي وغيره من المناطق في شرق إفريقيا، ونعتقد بأنّه من مواليد مدينة لوق المذكورة سابقاً على الرغم من أنّ ذلك لم يذكر ابنه السفير محمد شريف محمود عبد الرحمن.

ولا شك أنّه تلقى تربيةً حسنةً ، واستفاد من بيئة لوق العلمية ، سواء كانت في البيت أوفي الحلقات العلمية، علماً أنّ مدينة لوق كانت لها علاقة وثيقة مع المراكز العلمية في المنطقة مثل باطيرا وبيدوا ودينسو، وخاصة فيما يتعلق بأصول الدين الإسلامي من العقيدة والفقه واللغة العربية، ولما اشتد ساعده وصل إلى مدينة مقديشو، غير أنّه لم يهدأ باله حتى يصل إلى المنابع العلمية العالمية مثل الأزهر ، ومن هنا عزم السفر إلى الديار المصرية لمواصلة تعليمه، وفور وصوله إليها التحق بجامعة الأزهر مباشرة، ولم يحتج بتقوية مستواه اللغوي والعلمي مما يدل على أنّه كوّنه نفسه في الصومال وخاصة في مدينه لوق.

 

د/ محمد حسين معلم علي

من مواليد مدينة مقديشو عام 1964، أكمل تعليمه في الصومال، ثم رحل إلي المملكة العربية السعودية ليواصل رحلته العلمية حيث التحق بجامعة أم القرى قسم التاريخ الإسلامي حيث تخرج في عام 1991م، ونال الماجستير بنفس الجامعة في عام 1998م ،كما واصل دراسته في كل من السودان والنرويج، حيث نال درجة الدكتوراة بجامعة النيلين عام 2006م، أما في مملكة النرويج فقد تخصص بالدراسات التربوية وكذا الثقافات واللغات المتعددة في جامعة همر بالنرويج. وعمل أستاد التاريخ والحضارة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في مقديشو - الصومال، وهو عضو في عدد من المنظمات المحلية والإقليمية والدولية، أصدر "ديوان الشاعر بعدلي" عام 2002م ، و"الثقافة العربية وروّادها في الصومال" عام 2010م، وله عدة بحوث أخرى، يقيم الآن بالنرويج .
زر الذهاب إلى الأعلى