الصومال في القرن العشرين ( حلقة 23)

استقلال الصومال وانضمامها إلى الأمم المتحدة

  • مفاوضات الوحدة بين الإقليمين الشمالي والجنوبي:

لقد كان فى نية كل صومالي أن يرى بلده مستقلا وموحدا، لذلك كان هدف كل حزب أن يتبنى هذه النقاط لتأثير ها فى الشعب، وإشارة لهذا فإن مقديشو شهدت أول اجتماع تاريخي للحركة القومية الصومالية فى شهر أغسطس عام 1959 دعا إليه حزب وحدة الشباب الصومالي، للنظر فى توحيد الحركة الوطنية الصومالية أين ماكانت، وحضر هذا الاجتماع ممثلو الأحزاب السياسية فى كافة أنحاء الوطن الصومكالي الكبير من بينهم: السيد محمود حربي، والسيد أحمد كوني عن حزب الإتحاد الديمقراطي الصومالي للساحل الفرنسي، (جيبوتى)، والسيد أبوبكر حاج فارح، والسيد يوسف إسماعيل سمتر عن حزب الرابطة الوطنية الصومالية بمحمية صومال لاند، والسيد شيخ عيسى محمود والسيد محمد حاج صبرية عن حزب وحدة الشباب الصومالي بصوماليا، كما اشترك فى الاجتماع التاريخي ممثلون عن الجمعية التشريعية والحكومة الصومالية.[1]

ولقد أبدى المؤتمرون بذل كل الجهود لتحقيق هذه الغاية (توحيد جهود الحركات الوطنية الصومالية) واتفقوا على نقاط تسعة، أهم مادجاء فيها هو: أنه تم تأسيس جمعية سياسية موحدة عرفت بالحركة القومية للرابطة الصومالية  National Pan-Somali Movement ذات  أهداف تتركز فى الحصو ل على وحدة جميع الأقطار الصومالية واستقلالها.  وذلك باستعمال الوسائل الشرعية والسلمية والرفض القاطع لأي نوع من التجزئة القبلية أو العنصرية التى تقوم بها عناصر من الأقاليم الصومالية والأجنبية وتثبيت العلاقات مع جميع شعوب القارة الإفريقية والتأيبيد والمحافظة على العلاقات مع دول العالم الإسلامي. [2]

ويكون  لها مكتب أمانة دائم فى مقديشو، وأن الانتماء إلى هذه الحركة مفتوح لكل الهيئات السياسية التى تعمل لقضية الشعب الصومالي، إضافة غلى أن جلسات الحركة تتم فى مركز الأمانة فى مقديشو وأن تنعقد جلسة عادية على الأقل مرة فى السنة، كما أن الحركة تساهم عن طريق ممثليها فى الإجتماعات الخاصة بقضايا إفريقيا. [3]

وكان هذا ميثاقا للحركة القومية للرابطة الصومالية والتى وقع عليها فى ديسمبر 1959 الممثلون الشرعيون للهيئات السياسية لمختلف الأقاليم الصومالية.

وتدل هذه المبادئ على أن الشعور الصومالي عموما كان ينصب فى هذا الوقت على استقلال بلاده ووحدة أراضيها، يقوده نحو ذلك ممثلوه فى الهيئات والأحزاب السياسية آنذاك.

ولأجل ذلك عندما اقترب موعد استقلال البلاد، وأصبح من المؤكد أن الصومال البريطاني، والصومال الإيطالي سوف يستقلان بلامحالة بدأت المفاوضات حول توحيد هذين القطرين فور استقلالهما.

وبدأت هذه المفاوضات بصفة رسمية فى 29 ديسمبر 1959 عقب وصول وفد من المجلس التشريعي فى الصومال البريطاني إلى مقديشو، وهو يتألف من ميكل ماريمو، وعبدالله على، ومحمود حسن نوح، وحرسي مداول، وقاموا بمحادثات مع المسؤولين الصوماليين فى الإقليم الجنوبي لوضع أسس الإتحاد بين الإقليمين، واستمرت هذه المفاوضات حتى 6يناير 1960، ووضعوا ما عرف بوثيقة الوحدة. تضمنت هذه الوثيقة عشر مواد على أن تصبح سارية المفعول ابتداء من أول يوليو 1960 عند الإستقلال، وحددت أن الجمهورية الصومالية تكون موحدة من محمية الصومال وصوماليا، والجمعية الوطنية تتشكل من توحيد الجمعيتين فى كلا الإقليمين.  وتستمر القوانين المعمول بها حاليا، أما الحقوق والواجبات الناتجة من اتفاقيات دولية فإن قبولها من الجمهورية الصومالية خاضع لمراعاة المادة 67 من الدستور.[4]

ولكل من كان حائزا لجنسية صوماليا أو محمية الصومال يكتسب جنسية الجمهورية الصومالية، ثم أشارت الوثيقة إلى توحيد الجيشين والشرطة, وبالنسبة للميزانية فيستمر العمل باعتمادات الميزانيتين حاليا حتى تكون ميزانية موحدة، وأخيرا أشارت بأن أحكام القانون التى تتناقض مع دستور الجمهورية الصومالية تكون ملغاة. [5]

ومما ساعد على هذا التقارب وسير عملية التفاوض من أجل الوحدة فوز مؤيدي الوحدة فى إقليم الشمال (محمية الصومال)، فى انتخابات المجلس التشريعي الجديدة، وذلك فى 17 فبراير 1960،وهم: حزب الرابطة الوطنية الصومالية بعشرين مقعدا، من 33 مقعدا، وحزب صوماليا المتحدة بأثني عشر مقعدا، وحزب الجبهة الوطنية المتحدة بمقعد واحد. كما حدثت مظاهرات فى هرجيسا وبرعو وغيرها من المراكز الكبرى رفعت الأعلام الصومالية ذات النجمة الخماسية الرؤوس على جميع المباني رمزا للوحدة الصومالية، ثم فى 6 أبريل وافقت الجمعية التشريعية فى المحمية على مشروع القرار الذى يطالب باستقلال وانضمام محمية الصومال (الإقليم الشمالي) إلى صوماليا (الإقليم الجنوبي).

وفى شهر أبريل عام 1960 بدأ المجلس التشريعي للإقليم الشمالي فى هرجيسا مناقشة حول موضوع الاندماج بين الإقليمين الصوماليين، واتفق المجلس على إرسال لجنة تتكون من الوزراء وعدد من النواب إلى مقديشو لإجراء مباحثات الإندماج بشأن توقيع اتفاقية الوحدة بين الإقليمين مع إقليم الوصاية، ووصلت اللجنة  إلى مقديشو عاصمة الصومال الجنوبي لتقرير هذه الخطة، وخرج الشعب عن بكرة أبيه فى ابتهاج وفرح للترحيب بالوفد حيث اصطف على جانبي الطريق ألوف من أبناء الشعب الصومالي يهتفون لوحدة الإقليمين من المدينة إلى المطار، وكان هذا فى الخامس عشر من أبريل عام 1960.[6]

وقد ضمت لجنة المفاوضات والمباحثات كلامن: آذن عبدالله عثمان رئيس الجمعية التأسيسية، ومحمد حاج إبراهيم عقال، رئيس شؤون حكومة محمية الصومال البريطاني، كرئيسين يمثلان الوفدين المتفاوضين ليتناوبا رئاسة الجلسات، ويساعدهما السكرتيران المنتخبان عبدالقادر محمد آدم، ومحمد على فارح، ومن الأعضاء أيضا السادة: عبدالله عيسى محمد رئيس وزراء حكومة صوماليا، ومحمد قبيو رئيس الشؤون الدستورية لصوماليا، وأحمد حاج دعالى وزير الموارد الطبيعية لمحمية الصومال، ومحمود عبدى نور وزير الأشغال العامة والمواصلات لصوماليا، وإبراهيم نور وزير الشؤون الاجتماعية لمحمية الصومال، ومحمود يوسف آذن (مورو) وزير المعارف العمومية لصوماليا، وشيخ محمود محمد فارح وزير العدل والعفو لصوماليا، ويوسف إيمان من محمية الصومال، وعبدالله محمود من محمية الصومال وموسى روبلى من محمية الصومال، والحاج بشير إسماعيل نائب رئيس الجمعية التشريعية لصوماليا، وحاج عبدالله مرسل رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الدستور المستقل الصومالي بصوماليا، وشيخ محمد إسحاق صلاد نائب رئيس حزب وحدة الشباب الصومالي بصوماليا. [7]

فعقدوا جتماعا مشتركا فى مقديشو، وافقوا على إكمال الوحدة بين الصوماليين، على أساس علم واحد، ومجلس  تشريعي واحد، ورئيس واحد للدولة، ورئيس للوزاء مع العمل على صهر الأجهزة الإدارية والقضائية والقتصادية. [8]

وقد أصدر المؤتمرون ما عرف بالبيان المشترك، وجاء فيه:

“أن المؤتمر الخاص بتوحيد صوماليا ومحمية الصومال الذى أقيم فى مقديشو من 16 إلى 22 أبريل 1960  من الوفدين البرلمانيين الحكوميين للقطرين قد انتهى من أعماله فهو يكون الخطوة العملية الأولى فى سبيل تأسيس صوماليا الكبرى، وتحقيق الأماني الشرعية للشعب الصومالي، [9] وفى نهاية المؤتمر تم الإتفاق على نقاط مهمة، أهمها:

توحيد القطرين “محمية الصومال، وصماليا بإجمعاع الجمعيتين التشريعيتين فى الإقليمين، وأن هاتين الجمعيتين تشكلان الجمعية الوطنية للجمهورية وتنتخب رئيس الجمهورية، وتكون مقديشو عاصمة الجمهورية، وتتكون الجمهورية من ثماني مقاطعات، ست مقاطعات فى صوماليا، ومقاطعتان فى محمية الصومال، بالإضافة إلى تشكيل الجيش الوطني وطلب خبراء من هيئة الأمم المتحدة ليساهموا فى تعحيل سير توحيد القطرين. [10]

وفى شهر مايو 1960 م ذهب وزاراء من جانب الصومال البريطاني إلى لندن، فيتفاوضوا مع الحكومة البريطانية طلبا لحق تقرير المصير للصومال الشمالي، وكان الجواب على ذلك بالقبول، وبعد جلسات ومحادثات فى بحر أسبوع أعلنت الحكومة البريطانية الإتفاق النهائي فى كتاب أبيض فى لندن: أن جزء الصومال الذي كان تحت الحماية البريطانية منذ سبعين عاما سيكون دولة مستقلة ذات سيادة ابتداء من 26 يونيو 1960.[11]

والجدير بالإشارة أن بريطانيا اشترطت لتحقيق الاستقلال موافقة كافة رؤساء القبائل على ذلك، وقد قبل الصوماليون هذا الشرط، وعقد فى 24 مايو مجلس العقلاء الذى يضم زعماء القبائل الصومالية والذى وافق بالإجماع على الإستقلال. [12]

ومع هذه الرغيبة الشديدة للإندماج والوحدة فيذكر أن بعض الساسة الصوماليين كانوا يحاولون التصدي للوحدة السريعة ومنهم، الحاج إبراهيم عقال، ورغم أن هؤلاء الزعماء كانوا يؤيدون الوحدة مبدئيا إلا أنهم كانوا يريدون تحقيق مناصب وراء هذه المحاولات، ولذلك فإن السيد إبراهيم عقال أعلن بعد يوم من استقلال الشمال وفى 27 يونيو 1960 أنه يجب إرسال وفد جديد لوضع ترتيبات حول الوحدة، ويعنى ذلك من حيث توزيع المناصب لأن مشروع الوحدة قد تمت ترتيباته، إلا أن أعضاء المجلس التشريعي فى الصومال رفضوا هذا الإقتراح وأيدوا الإندماج بدون أية مقدمات ولا ترتيبات. [13]

ورغم أن هدف تحقيق المناصب لم يكن مناسبا فى مثل هذه الظروف إلا أن السيد إبراهيم عقال كان على صواب عندما طلب ذلك، والسبب فى ذلك أنه خشي من التنازع فى المناصب بعدالوحدة، وفعلا حدث ماكان يخشاه، فبعد انتهاء مراسيم الإستقلال وانتهت نشوة الفرح والإبتهاح، شعر الشماليون أنهم مظلومون، حيث أصبحت رئاسة البلاد ورئاسة الوزراء من نصيب الجنوب، وفى الجمعية الوطنية أيضا كانت لصالح الجنوب، 90 مقعدا، بينما للشمال 33 مقعدا، والعاصمة مقديشو تقع فى الجنوب، وبهذا يقول محمد علوان، فى كتابه: الليل الطويل فى صوماليا: “تمت الوحدة بدون إجراءات قانونية ودستورية أو اتخاذ أية خطوات تمهيدية أو دراسات مسبقة، ودون أي تحسب عما يترتب على ذلك بسبب التباين والاختلاف بين النظامين من النواحي الإدارية والتشريعية” [14]

المراجع

[1] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص: 397.

[2] . تمام همام تمام، المرجع السابق، 149.

[3] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص:398 – 399.

[4]  وهذا المادة تقول: المعاهدات الدولية:” تصدر الجمعية بقانون الإذن بالمصادقة على المعاهدات الدولية، السياسية منها والعسكرية، والمعاهدات التي تقتضي تعديلات في القوانين أوأعباء مالية جديدة لم يرد بيانها في الميزانية” انظر: النص النهائي للدستور مع التعديلات التي طرأت عليه حتى عام 1963م، أعدته الجمعية الوطنية الصومالية، الجمهورية الصومالية، ص 36

[5] . حسن محمود عبدالله، الجبهات الصومالية، النشأة  والتطور، المرجع السابق، ص: 27 – 29.

[6] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص: 413.

[7] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص: 314 – 415.

[8] . حسن مكى محمد، المرجع السابق، ص:120.

[9] . حسن محمود عبدالله، المرجع السابق، ص: 31.

[10] . حمدى السيد سالم، المرجع السابق، ص: 415 – 416.

[11] . جامع عمر عيسى، المرجع السابق، ص: 247.

[12] . محمد حاج مختار خحسن، المرجع السابق، ص: 344.

[13] . حسن محمود عبدالله، المرجع السابق، ص: 24.

[14] .. محمد علوان، الليل الطويل فى صوماليا، د. ن، د / ت، ص: 18.

الدكتور حسن البصري

رئيس جامعة إمام، حاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ من جامعة بحر الغزال - الخرطوم ، عام 2011م، ودرحة الماجستير في التاريخ الحديث من جامعة النيلين - الخرطوم، السودان عام 2006م، وحصل البكالوريوس من جامعة مقديشو كلية الآداب، قسم التاريخ. عام 2001م
زر الذهاب إلى الأعلى