الصراع السياسي والطائفي وأثره على المؤرخ

التاريخ يكتب بيد احد له نزاعاته ونزواته،ودواعى الحب والكراهية كامنة فيه.

وقد لا يدرك المرء نفسه التضمينات السياسية والخلفيات الإجتماعة لآرائه الخاصة إلا على نحو غائم، لأجل هذا فإن للحكماء الطبيعين إعتراضات وجيهة على التاريخ لبها أنهم ينكرون أن يسمى التاريخ علما.

فالتاريخ في نظرهم فن من الفنون ممزوج دائما وأبدا بالعوامل الفلسفية المنفعلة والعواطف المضطربة شأنه شأن سائر الروايات والأخبار والأقاصيص، وليس المؤرخ إلاذاك الإنسان الذي له همومه وتحيزاته ويتأثر في الصراع السياسي والطائفي.

وقد لا حظ العلامة أحمد بن عبد الوهاب عند نقده للكتابات التاريخية عن اليمن أن أهم مشكلات كتابة التاريخ في اليمن وقوع تلك الكتابات بين حبائل الصراع السياسي من جهة والخلاف المذهبي من جهة أخرى، وخضوع المؤرخين لأهوائهم وابتعادهم عن الموضوعية.

فهذا إبن الأثير المؤرخ المشهور يصطدم بصلاح الدين الأيوبي لما كان هو وأسرته يحظون بعناية آل زنكي الذين قربوهم ورفعو من شأنهم فلما أصطدمو بصلاح الدين الأيوبي في الموصل  والشام لم يستطع إبن الأثير أن يخفي كراهيته لهذا القائد ويصوره بصورة رجل سخر كل مواهبه العسكرية لإشباع أطماعه، ولإقامة إمبراطورية.

وقد ترك إبن خلدون ثورة الحسين بن علي في تاريخه( العبر) وتركه فراغا في نحو ثلاث ورقات وقد أجاب الدكتور تركي فرحان المصطفى أن إبن خلدون عندما أراد أن يكتب عن هذه الثورة تملكته الحيرة، وتوقف عن الكتابة لأنه من بيت معروف  بميله الشديد للبيت الأموي، وجده وائل ابن حجر كان أحد المخلصين للبيت الأموي- كما يفيده ابن خلدون نفسه- وهو متهم بقضية قتل حجر بن عدي.

وكذالك ما تراه من دفاعه في المقدمة عن ابن تومرت صاحب دولة الموحدين مع ما ينقل عنه من تكفير المخالفين، وادعاء المهدوية، والمسارعة في سفك الدماء.

وسبب دفاعه هو أن أسرة إبن خلدون منذ أن غادرت الأندلس إلى تونس عاشت في رعاية بني حفص ملوك الدولة الحفصية الموحدة التي أسس بنيانها ابن تومرت، وتولي أجداده في ظلهم مناصب النفوذ والثقة، وبدء هو حياته في ظلهم وعاش في كنفهم، ناهيك عن أن أول نسخة من ( المقدمة) و (التاريخ) قام بإهدائها للسلطان أبي العباس الحفصي ، فلم يكن من المعقول أن يجاهر في مقدمته بالطعن في إمامة ابن تومرت.

وتذهب قصة ابن خلدون اذراب الرياح عندما تقارن بقصة أبي اسحاق الصابي مع عضد الدولة بن بويه والتي ذكرها ياقوت (في معجم الأذباء) وابن خلكان في ( وفيات الأعيان) وحاصل الثقة أن عضد الدولة بن بويه الديلمي أمر أبا إسحاق الصابئ أن يضع كتابا في أخبار الدولة الديلمية فعمل الصابي هذا الكتاب وسماه ( الكتاب التاجي) ثم دخل على الصابئ  صديق له  فرآه في شغل من التعليق ، والتسويد، والتبييض فسأله عما يفعل؟ فقال ( أباطيل  أنمقها وأكاذيب ألفقها)

وهذا حال ما تراه من ضنيع الذهبي- على إتصافه بالعدل واعتداله-  يتهمه تلميذه السبكي بأنه في تواريخه يقصر الخطأ في ترجمة من لا يزافقه هواه والتطويل في حق من يميل إليهم بسبب التوافق في المذهب انتقد ذلك عليه تلميذه السبكي في طبقاته والعلامة صالح بن مهدي المقبلي  في ( الأرواح النوافخ) حيث ترجم للحسين بن على في (مختصر تاريخ الإسلام) فقال عنه ( أنف من البيعة ليزيد وكاتبه أهل الكوفة فأغتر وفي قصته طول). مما يشعر بالجفاء للحسين ولهذا اتهمه المقيلي وابن الأمير، وأحمد الغماري بالنصب.

وحاشاه من هذه التهمة لكن الذهبي لما نشأ في بيئة شامية عندها حساسية كبيرة من التشيع أثرت فيما يكتبه.

هذا هو حال التاريخ الذي يراوح بين غلبة الهوي، وغياب التجرد، كما أن تشبع كتابه بروح عصرهم، وارتهانهم لخلفياتهم السياسية والاجتماعية، يبعث على كثير من الريب فيما يوردونه، وهذا بحد داته كفيل  بأن يقلل من شأن الروايات التاريخية.

وللحديث بقية……

علي شيخ آدم يوسف

محامي وباحث صومالي، درس بكلية القانون بجامعة الأحقاف في اليمن، دبلوم في العلاقات الدولة والدبلوماسية من الجامعة الألكترونية الدولية بمصر، حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة والقانون بجامعة مقديشو عن دراسة " الثغرات القانونية في الدستور الفيدرالي٢ ٢٠١م دراسة قانونية نقدية" حاصل شهادة المهنية القانونية من مركز العون القضاء بجامعة مقديشو، حاصل شهادة الماجستير في القانون العام بجامعة أفريقيا العالمية في السودان عن دراسة " العلاقة بين السلطة الاتحادية والولائية - دراسة تطبيقية على دستور الصومال الانتقالي ٢٠١٢م". عمل مستشارا قانونيا لوزارة العدل، وله اصدارات قانونية منشورة في عدد من الدوريات والمراكز البحثية .
زر الذهاب إلى الأعلى