التجديد الإسلامي ومساراته في الصومال ( الحلقة 12)

الإخوان المسلمون

عند الحديث عن مسارات التجديد الإسلامي الحديث في الصومال تأتي حركة (الإخوان المسلمون) في الطليعة، وخصوصا بعد تمايز طرائق التجديد الإسلامي في الصومال، واتضاح مساراتها التنظيمية، ووصول التأثيرات المتباينة للمناهج الدعوية الإسلامية، ويعود هذا التمايز إلى الثمانينيات من القرن الهجري الماضي / الستينيات من القرن الميلادي المنصرم متزامنا معا عودة الطلبة المبتعثين إلى البلاد العربية وخاصة السعودية ومصر وقد احتضنت الأولى رموز الإخوان الفارين من بطش العسكر في عهد جمال عبد الناصر، والثانية هي منشأ الإخوان ، وتتمثل طلائع الإخوان في الصومال في الشيخ عبد الغني شيخ أحمد آدم الأجاديني(١٩٣٥م-٢٠٠٧م)، والشيخ محمد معلم الحوادلي(….. ت1421هـ 2000م) والشيخ محمد جريرى القطبي وطبقتهم حاملين بالفكر التجديدي .

وقبل أن أسلط الضوء على تفاعل الأفكار التجديدية التي حملها قادة الإخوان في الصومال، أرجع إلى نشأة الحركة في مصر؛ بغية إظهار ظروف النشأة، وجذور المبادئ التجديدية التي حملتها لنرى مدى انعكاس هذه الظروف على البيئة الصومالية.

الإخوان المسلمون: ظروف الولادة

تأسست حركة الإخوان المسلمون في مصر عام 1928م، وقد انطلقت الفكرة في بداياتها من منطلق الاحتجاج ضد سقوط الخلافة الإسلامية على يد العلمانية التركية التي تزعمها كمال أتاتورك عام 1342هـ 1924م وارتفاع صوت “تيار التغريب” حتى لقد انفرد بالساحة تماما، وهيمن مناهج التفكير، وفي القيم والمعايير والأخلاق، وكادت المقولة التي تزعم: أن تقدمنا رهن بأن نصبح غربا في الحضارة أن تصبح مسلمة من المسلمات وبهذا شعر الغيورون من دعاة الإسلام بخطر جاثم يخشى منه زوال الإسلام وسيطرة المذاهب الإلحادية والليبرالية، وقد تزامنت ظروف بلورتها وإعلانها مع استحكام حلقات الاستعمار العسكري والسياسي والثقافي وقيام دول أو محميات علمانية موالية للغرب ، فكانت هذه الدعوة بمثابة صيحة مدوية تهيب بالمجتمعات المسلمة، تنشد إصلاح حال المسلمين في فروع حياتهم الاجتماعية والخلقية متشبعة روح التحدي، مفترضة أن أصل الداء يكمن في الغزو الثقافي والتغريبي الذي يؤول إلى محو الإسلام واستئصال جذوره في جميع ميادين الحياة ،وبالتالي فلابد من مجابهة المخاطر بأسلوب حضاري منظم قائم على التحريك الاجتماعي.

  بدايات التحرك 

  كانت البيئة المصرية نتيجة غلبة تيار التغريب تموج بأفكار الإلحاد وعلمنة الحياة وكان أشد ما واجهه هو الهجوم على الإسلام كدين ،وإنكار صلاحيته للحياة، والدعوة لاعتبار الإسلام شعائر تمارس في جنبات المساجد وقد عاصر المؤسس الشيخ حسن البنا طرح علي عبد الرزاق كتابه (الإسلام وأصول الحكم) الذي صدر قبل تأسيس الجماعة بثلاث سنوات أي 1925م وقد أحدث ضجة كبيرة في أوساط العلماء والمثقفين في مصر، بسبب رفضه لفكرة الخلافة والدعوة إلى مدنية الدولة، وقد أدى هذا الكتاب إلى معارك سياسية ودينية كبيرة ، وإلى جانب الانهيار السياسي الذي أصاب المسلمين كان هناك تيارات إلحادية تتستر بثوب الأدب والحداثة والتنوير والصحافة وتهاجم ثوابت الإسلام مهاجمة صريحة وبعضهم كانوا نصارى، وكان من أساطينها طه حسين والسيد أحمد لطفي وسلامة موسى وغيرهم الكثير. من رحم هذه المخاطر والتحديات وفي أكنافها ولدت حركة الإخوان، وكل ذلك أدى بها إلى انتهاج مسلك دعوي يركز على الدفاع عن الإسلام بشكل عام باعتبار أن الإسلام مهدد كله فلم يجعلوا همهم الدفاع عن جانب واحد من جوانب الإسلام، بل الإصلاح عبر إصلاح الحكم وإعادة ثقة المسلمين بدينهم وتبني شعار ” الإسلام هو الحل” فكان إثبات الإسلام العام دون التطرق إلى التفاصيل.

حدد القانون الأول لجمعية الإخوان المسلمين الوسائل التي تراها مناسبة لتحقيق أغراضها وهو كالتالي: 1)فتح مدارس لتعليم العلوم الدينية والمدرسية، وفق منهاج خاص تضعه الجمعية. 2)إنشاء مدارس ليلية لتعليم الشبابن الدين الإسلامي من فقه وعقائد وأخلاق وسيرة نبوية. 3)بذل النصيحة للمسلمين في المجامع العمومية كالمقاهي ونحوها، وفي كل مجتمع مناسب. 4)إنشاء ناد للتعارف الإسلامي، إلقاء المحاضرات والكتابة في الصحف وتوزيع النشرات. 5)تكوين الشعب والفروع في القرى المجاورة لكل بلد رئيس فيه مدرسة للإخوان.وبينت لائحة جمعية الإخوان المعدلة سنة 1351هـ/1932م تحت عنوان: “مقاصد الإخوان المسلمين ووسائلهم” تصحيح العقيدة الإسلامية والتوبة إلى الله من المعصية، والاجتهاد في الطاعة وفق السنة مع مجانبة البدعة، والإقبال على تعلم العلم الإسلامي، والتعبد بتلاوة القرآن، والمأثور من أقوال الرسول-صلى الله عليه وسلم- وأفعاله. وقد استمر تعديل اللوائح نظرا للتحديات الجديدة وتوسع آفاق الفكرة فقد حدد القانون الأساسي في 1363هـ 1944م غاية الإخوان بأنها تنحصر في ” العمل على تكوين جيل جديد يفهم الإسلام فهما صحيحا، ويعمل بتعاليمه، ويوجه النهضة إليه حتى تكون مظاهر حياة الأمة كلها مستمدة من روحه مرتكزة على قواعده وأصوله”.

وأضاف قانون النظام الأساسي المعدل في شوال 1364هـ سبتمبر1945م الغرض الوطني القومي من بين الأهداف التي تسعى لتحقيقها، ويتمثل في تحرير وادي النيل والبلاد العربية جميعا، والوطن الإسلامي بكل أجزائه من كل سلطان أجنبي، ومساعدة الأقليات الإسلامية في كل مكان على الحصول إلى حقها وتأييد الوحدة العربية تأييدا كاملا، والسير إلى الجامعة الإسلامية سيرا حيثيا..” كما أضافت إليه بندا جديدا وهو الغرض الإنساني العالمي، وهو “المشاركة في بناء السلام العالمي والحضارة الإنسانية على أساس جديد من تآزر المادة والروح بتقديم مبادئ الإسلامي العالمية”.

وبهذا يتضح أن وسائل التغيير لدى الإخوان تعددت وتنوعت من خلال الدعوة والتوجيه والتربية والعمل أي إنشاء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والدينية، والعمل السياسي من خلال الأحزاب والتنظيمات السياسية لم يكن هو النشاط التغييري الأبرز وإنما برز فيما بعد وأصبح هو الطاغي، واصبح بؤرة اهتمام الإخوان ولشدة بروز هذا الجانب طغى على الإخوان حتى لقبوا بجماعة( الإسلام السياسي) أو ب( تيار العمل السياسي ) مع تفاوت كبير بين المنضوين تحت التنظيم في الانفتاح على الغرب ومعطياته الحضارية، وتطبيق الشريعة الإسلامية..

كما يتضح ثانية أن الأبعاد الأخرى للعمل الإسلامي كالدعوة إلى تصفية العقيدة الإسلامية مما علق بها من شبهات أفقدت نصاعتها وتأثيرها، ونشر العلم الشرعي، ورد السنن ورد البدع، وإحياء التديَّن وإقامة السنن وإماتة البدع كل هذه الجوانب لم تكن غائبة في فكر (الإخوان) فقد ظهرت بشكل جلي في لوائحها وقوانينها في مراحل الجماعة الأولى، ولكن معايشتها لأحداث بارزة من الحرب العالمية الثانية، واحتلال فلسطين والتقلبات السياسية في الشأن العالمي والمصري كل ذلك دفعهم نحو التطلع للعب دور قيادي بارز ، وهذا ما حرَّك الأعداء ضدها بنسج الدسائس ، ومن جانب آخر فإن الاهتمام بالعمل السياسي لدى (الإخوان) مبعثه الرغبة إلى إعداد جيل يتسم بالوعي ويتفاعل مع الواقع السياسي رغبة في إحداث تغيير في الميادين الحيوية من قيادة الأمة من السياسة والاقتصاد والتعليم ، وتجلت هذه الرغبة بالعمل من خلال النقابات الطلابية والجمعيات الخيرية كمحاضن لتخريج الكفاءات والخبرات الواعية المجربة.

المنهج الإخواني الحركي كان استجابة لمتطلبات المرحلة، وفكريا كان متصلا بصراع الأفكار التي قامت في البيئة المصرية.

مميزات دعوة الإخوان المسلمين

لم تنشأ دعوة الإخوان في فراغ علمي أو دعوي، بل سبقتها تجارب دعوية وعاصرتها أخرى تشاركها في الهم والهدف، فقد سبقتها تجارب تجديدية وأهمها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، والتجارب الجهادية التي تأثرت بها مثل السنوسية، والمهدية، وتيار الجامعة الإسلامية التي بلور فكرها جمال الدين الأفغاني (1897م ) ومحمد عبده (1905م) وعبد الرحمن الكواكبي (1902) والشيخ عبد الحميد ابن باديس (1940) وبهذا اختط (الإخوان) خطا يجمع أهم المحاسن الفكرية ويتجنب العيوب التي شابت تلك المناهج الفهم والعمل للإسلام.

ويمكن القول بأن ( الإخوان) بدت حركة جامعة معتدلة استوعبت في وسائلها العملية نتاج  الحركات والتيارات التجديدية الإصلاحية التي سبقتها ؛فمن جهة تأثرت بالمدرسة العقلية التي قادها محمد عبده فمحمد عبده اشتهرت مدرسة الأفغاني ومحمد عبده وتلاميذهما بالمدرسة العقلانية الحديثة –عند الكثيرين – أو التنوير أو التجديد كما عرفتْ بردها للنصوص الشرعية بالآراء العقلية أو تأويل كثير منها بدعوى معارضتها للعقل أو للحضارة المادية المعاصرة.

ومن جهة أخرى تأثرت بالحركات الجهادية من سنوسية ومهدية، وقبلها بالحركة الإصلاحية التي قادها الشيخ محمد بن عبد الوهاب فآمنت بوجوب الاستعداد للدفاع عن الأراضي الإسلامية وقد تجلى ذلك بقضية فلسطين، وما تلاها من أحداث في عالمنا الإسلامي، وبهذا فإن أهم عنصر يميز (الإخوان) في نظري أنها قامت استجابة لنداء التحدي، وهذا التحدي السياسي والعسكري والاقتصادي والعلمي والفكري والتربوي شديد الظهور في كل مراحلها وأفكارها وأدبياتها، واشتد عداؤها لتغريب الحياة في بلاد المسلمين في النواحي القانونية والتعليمية والاقتصادية، ورفع قادتها لواء استعادة العز الإسلامي وتحقيق الاستقلال الذاتي كشرط أساسي لاستئناف حضارة إسلامية تسود الكون، وهذا الهاجس دفعها دائما في خندق التحدي يقول الفقيه الريسوني في مقال له “إن الحركة الإسلامية التي ظهرت وبدأت أقرب إلى أن تكون “حركة تحريرية” وكانت بحاجة ماسة إلى فكر نضالي منضبط ومتمذهب باختياراتها” وهذا النغمة التحريرية أبعدت الحركة عن ارتياد مجالات مهمة مثل تكوين العلماء المجتهدين يواصل الريسوني فيقول:” ومن هنا فإن معظم هذه الحركات -إن لم تكن كلها- قد ركزت على تكوين الدعاة المجادلين والجنود المجادلين والمجاهدين المضحين، ولم تركز على تكوين العلماء والمفكرين والباحثين. وإنما ظهر من ظهر من هؤلاء في صفوفها عرضا إن لم نقل خطأ “

وللحديث بقية

محمد عمر أحمد

باحث وكاتب صومالي، يؤمن بوحدة الشعب الصومالي والأمة الإسلامية، درس في الصومال وجمهورية مصر العربية، عضو إتحاد الصحفيين العرب سابقا، ومحرر سابق لموقع الصومال اليوم، يعمل حاليا محاضرا بجامعة ولاية بونتلاندا بمدينة جاروي.
زر الذهاب إلى الأعلى