الإنتاج الزراعي في الصومال(2)

زراعة وإنتاج الذرة

أكتب هذه المرة عن زراعة وإنتاج محصول يعتبر  من أهم المحاصيل الزراعية في بلادنا،بحكم كونه غذاء رئيسا لايغيب عن الموائد في كثير من المناطق،كما أن زراعته  تعد مصدر ا أساسيا وهاما للرزق يعتاش منه الملايين من المزارعين وغيرهم ممن يشترون هذا الإنتاج المهم لغرض الاستهلاك أو التجارة.

المحصول الذي نحن بصدد الكتابة عنه هو محصول الذرة  بنوعيها الرفية” Sorghum” ويسمي “مورد”Mordi” باللغة الصومالية، بينما يسميه بعض السكان ب “مسغو”Masago ، والشامية Maze ويعرف ب Galay” “باللغة الصومالية، و يصنع من دقيقه بعد الغربلة والطحن العصيدة ذلك الطعام الذيذ الذي هو جزء من الغذاء الريئس بعد طبخه وإضافة حليب البقر والغنم إليه، ويفضل بعض سكان المناطق الجنوبية تناول العصيدة بالإدام “البوكري” وهو نوع من نباتات الأرضية الوعائية،يعرفها سكان الجنوب  أكثر من غيرهم وهي لذيذة مثل الملوخية.

ويصنع منه كذلك الخبز البلدي التنوري،كما يتم طبخ حبات الذرة وفول المانج الأحمر بالماء ثم يتناول  بعد انضاجه وخلطه بالسمن البلدي أو زيت السمسم،ويؤكل في الفطور والعشاء قبل تناول العصيدة، وهذا معهود ومعروف في الأقاليم الجنوبية من قديم الزمان وحتى اليوم،ويستخدم مخلفات الذرة  كأعلاف لقطعان الماشية سيما البقر والغنم.

و على الرغم من انخفاض القدرة الإنتاجية وال÷نتاج عموما بسسب السياسات الزراعية المعتمدة،وسياسة توزيع المساعدات الغذائية التي تتبعها المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية في البلاد ، إلا أن هناك امكانية للتوسع في زراعة وانتاج المحصول،وفي كل الأحوال كانت البلاد تنتج من الذرة بنوعيها ما يسد الحاجات المحلية لسكان البلاد، ووصل الإنتاج إلي 400000 ألف طن متري ” MT”في نهاية عام1985، و يمكن كذلك ادخال هذا المحصول المهم  إلى دورة الصناعات التحويلية حسب ما ذكر محمد مري في دراسته عن الموارد الطبيعية في الصومال.

الاستعداد لموسم الزراعة

وبما أن حياة الناس مرتبطة بشكل وثيق بهذه المواسم، فإنها-أي- مواسم الزراعة المطرية هنا معروفة لدي الأهالى والمزارعين،وخاصة فصل الربيع”جو”Gu”والذي يبدأ عادة في نهاية شهر مارس ويستمر حتى نهاية يونيو،والموسم الثاني هو فصل الخريف ويسمي “دير”Dayr والذي يبدأ هو الآخر من شهر سبتمبر ويستمر حتى ديسمبر،وبالرغم من أن فصل الصيف موسم أمطار في المناطق الجنوبية والسهول الساحلية المطلة على المحيط الهندي إلا أن بعض السكان لايعتبرونه موسم زراعة الحبوب مثل الذرة الرفيعة والبيضاء.

ويبدأ الاستعداد مع قرب موسم الأمطار باستصلاح المزارع، وذلك عن طريق قطع الأشجار والأعشاب التي نبتت بعد الموسم وبقايا الحشائش من الموسم السابق، ومن ثم جمعها في أماكن ما من المزرعة وإحراقها، كما تتم  حراثة الأرض إما عن طريق المحاريث اليدوية التقليدية أو الآلة –الماكنة-

ومن الاستعدادات المهمة أيضا الحصول على بذور جيدة ، ومعظم الفلاحين والمزارعين يخزنزون البذور في وقت سابق بطرق معروفة، وفي حالة ما إذا حصل لها فساد أو تلف أو حتى استهلاك لسبب أولآخر ، فإنه إما أن يستلف من المزاعين أو يشترى من السوق حسب الظروف، المهم أن يكون البذور الصالح والجيد جاهز له قبل بداية الموسم، هذا من ناحية الاستعداد. أما من ناحية مباشرة عملية الإنتاج والزراعة فتبدأ رسميا بعد ثلاثة أيام من هطول الأ مطار.

ماذا بعد هطول المطار؟

أما إذا هطلت المطار ،فأول عمل يقوم به المزارع هو بذر البذور، وهي عملية لاتكلف إلا قليلا من الجهد وتتطلب على الأقل شخصان  أحدهما الحافر الذي يحفر  الارض ويجهز الحفرة بمحراثه –العادي- التقليدي، والآخر هو المساعد ،فدوره أن يبذر البذور في الحفرة ويردمها برجله ويضغطها عليه لضمان تماسك البذور مع التربة،هذا فيما إذا لم تتم عمية ذرّ البذور قبل الموسم،وهو أمر يمكن فعله ومعروف عند بعض المزارعين في جنوب البلاد.

ويترك المزرعة ريثما تنبت الزروع وترتفع قليلا،وبعد أسبوعين تقريبا تنبت معها الأعشاب والحشائش،ومن هنا يأتى دور الحرث،وهذه من أصعب العمليات لأنها تتطلب جهدا ووقتا إضافيا،قد لايتمكن المزارع التخلص من المرحلة الأولى لتك العمليةبمفرده، وحينها يلجأ إلى إحدى وسيليتن: إما أن يستعين بالأقرباء وخاصة الشباب منهم ويساعدوه في يوم العمل ،وإما أن يبحث عن عمال ويعطيهم مالا مقابل عملهم، فكلا الوسلتين متوفرة في معظم المناطق الزراعية في الجنوب،وتتكرر عملية الحراثة في الموسم الواحد ثلاث مرات،إلا إذا كانت الاعشاب قليلة بسبب قلة الأمطار.

والمزراعون- غالبا- لا يستخدمون السماد العضوي الزراعي و لا المبيدات الحشرية لمكافحة الآفات الضارة،ومع ذلك ينتجون كمية كافية للاستهلاك المحلي،ولايوجد هناك إحصائية ورسوم بيانية توضح الإنتاج السنوي بسبب غياب دور وزارة الزراعة الفعال.

موسم الحصاد

موسم الحصاد هو موسم الإنجاز والاستراحة فيقام فيه الأعراس، وتكثر فيه مناسبات الزواج والأفراح،وتصاحبه فنون ورقصات شعبيةجميلة،يمارسها الفتيان والفتيات في العشيات فى معظم المناطق الجنوبية.

موسم الحصاد يأتي بعد ثلاثة شهور من العمل الدؤوب الجاد والصبر  وخاصة فترة حراسة المحصول من الطيور في فترة النهار  والخنازير البرية في الفترات الليلية،ويبيت الفلاحون في المزرعة. وطريقة الحصادة قديمة وتقليدية، فهم- بحسب علمي- لا يستخدمون ماكينة الحصادة الدارسة كما هو الحال في البلدان الأخرى،وتكون فترة الحصاد بعد انضجاج وجفاف “العذقة” أو السنابل.

طريقة الحصاد

طريقة الحصاد المتبعة عدنا هي أن يقطع النبات من أسفل الساق ويترك الجذور ضاربا في الأرض إلى موسم التجريف القادم،وبعد انتهاء عملية الحصد يترك بعض الوقت على الأرض ليتم جمعها لا حقا في مكان مرتفع من الحقل، ويتم تكويمها على شكل كومة مخروطية ،ويسمى الأكوام هذه باسماء مختلفة حسب المناطق ، فمثلا يسمى عند البعض ب “توب”Tub باللغة الصومالية ويسمي عند البعض الآخر ب”الكود”Alkuud وقد يكون له أسماء أخرى عند المزارعين في مناطق أخرى ربما لا أعرفها.

ثم تأتي عملية فصل السنابل عن القصب ، ومن ثم عملية فصل الحبوب عن السنابل، وغالبا ماتكون عملية جماعية،وينقل المحصول غير المفصول عن السنابل إلى القرية أو إلى مكان التخزين عن طريق العربات التي تجرها الحمير أو الثيران،أو السيارات،حسب الوسيلة المتوفرة عند الفلاح.

أماطريقة فصل الحبوب عن السنابل، فهي الأخرى طريقة بدائية،يتم فرش حصائر على الارض قبل أن يكب عليها السنابل بشرط أن يكو المكان ذا جدار يضمن عدم تناثر الحبوب إلى خارج اطاره، ثم يدقّ السنابل ويضرب بعصايات غليظة اقتطعت من الاشجار المحلية خصيصا لهذا الغرض،وتستمر العملية إلى أن  تنفصل الجبوب من “العذقة” أو من السنابل،ويتم تنقيتها من الشوائب والعلائق تمهيدا لتخزينها.

هذا فيما يتعلق بإنتاج وزراعة الذرة بنوعبها الرفيعة والشامية،بأصنافها وألونها المتعددة،الحمراء والبيضياء وغيرها،وسنتعرض الحديث عن المحاصيل النقدية في الحلقة القادمة من سلسلة مقالاتنا عن الإنتاج الزراعي في الصومال.

عبد النور معلم محمد

كاتب وباحث بمركز مقديشو للبحوث والدراسات
زر الذهاب إلى الأعلى